مُذ كنتُ مراهقا، ومع ما للمراهقة من تخبطات وتصورات خاطئة، إلا أن التعصّب لم يجد لعقلي طريقا. التعصب والانتماء المطلق دون قيد ولا تفكير. بذْرته وتُربته منعدمة من أساسها في أعماقي.
فلما عرفتُ الموسيقى وصرت أختار منها ما يعجبني، دخلتُ ساحة التباهي والأحكام، أيّ style أفضل من الآخر، مع كل علامات الانتماء من طريقة لباس وكلام واستهزاء من أصحاب الستايل الآخر... خصوصا بين أصحاب rock بأنواعه و rap, hip hop...
كنتُ أستهجنُ هذا.. فما معنى أن نقول لمقطع موسيقي سيء وفاشل: "رائع".. فقط من أجل انتمائنا لطبقة المغنيين أو النوع الموسيقى.. كان ذلك هراء لا يتقبله عقلي بغض النظر عن نسبية الأذواق. كان كل شيء مرفوضا من النوع الآخر مهما كان جيدا. لذلك لا تهم الأذواق فهي قضية تعصّب.
وهكذا.. كان معنى الموسيقى عندي ولا يزال، جودة النغمات والمزج بينهم والأداء.. (المقصد) ومتى تحققّ هذا المقصد كنت مرتاحا مع نفسي حتى إن سمعتُ لموسيقى الأمازونيين ولا تُهمني التنميطات.
ومن هذا لم أكن وداديا ولا رجاويا، ولا أي شيء.. يكفي أن أسمع جدال كل متعصب لفرقته والسخرية التي يهاجم بها لاعبا جيدا من الفرقة الأخرى ويستميت في التبرير للأداء الضعيف لفرقته. حتى أشاهد المنطق يُذبح أمامي فأنفر من الموضوع كلّه.
الشاهد، إن كان التعصّب في الموسيقى يفوّت على السامع الحُكمَ المنصف والتقييم الصحيح، ويعطي للسيء قيمة أكبر منه، ويبخسُ الجيد قيمته. لا لشيء إلا من أجل التماهي مع ذلك الانتماء الذي اختاره بكل عُجره وبُجره. (الانتماء يؤثر على إدراك الوقائع بشكل حقيقي كما بينت الدراسات)
فإن العقليات المستعدة للخضوع لمنطق التعصب (المشوِّه) في التوجهات الدينية والفكرية، ستكون عدوة للحق والصواب في بعض تحركاتها وتنظيراتها ولا شكّ.
فإن كان الدين والفكر يعتبر الحقيقة والصواب والعدل أهمّ مقاصده فإن أي جماعة أو مذهب جاء بتلك المقاصد هو أحق بالاستماع والاتباع.. لكن الظاهر أنها عسيرة التطبيق.
واقرأ أيضاً:
تحليل لفلم Emily Rose 2005 عن المس / كذبتان في المسلسلات والأفلام الرومانسية / الثنائيات ومعالجة القضايا / رحلة الروحانية والعقلانية