كَيْفَ تتَخْلقُ بعادات حسَّنةَ جديدةَ
الفصل الخامس عشر
كانت حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- مثالاً يُحتذى في النظام وما بُعِث النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا لينظم هذا الكون، ويرده إلى دين الله -عز وجل-
يقول الشاعر:
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم
فعاهـل الروم يطغى في رعيته وعاهل الفرس من كبر أصم عمى
ومن ثم فاضت هذه الصفة الطيبة على أصحابه ودعوته ودولته؛ فهو صلى الله عليه وسلم يرتب لدعوته بأمر من الله عز وجل:
فالمرتبة الأولى فيها للنبوة، والثانية لإنذار عشيرته الأقربين، والثالثة لإنذار قومه، والرابعة لإنذار قومه ما آتاهم من نذير، وهم العرب قاطبة، والخامسة إنذار جميع من بلغته دعوته من الجن والإنس إلى آخر الدهر.
أما عن طعامه:
فهو القائل صلى الله عليه وسلم:
"ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه" ( أخرجه الإمام أحمد والترمذي), وما كان -صلى الله عليه وسلم- يأكل أو يشرب إلا بنظام وترتيب خاص، فيبدأ بالبسملة ويختم بالحمد.
ويراعى آدابه فيها بينهم:
"كلوا من جوانبها ، ودعوا ذروتها يبارك لكم فيها" (أخرجه أبو داود وابن ماجه).
"البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه" (أخرجه أبو داود وابن ماجه) .
أما عن ملبسه:
فهو -صلى الله عليه وسلم- الذي يلبس في كل موطن ما يناسبه وينصح أصحابه بذلك.. فعن رسول الله أنه قال: "وإنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم، وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا شامة في أعين الناس، فإن الله لا يحب التفحش" (أخرجه أبو داود).
وهو يدعو المسلمين إلى هذا التنظيم الدقيق:
ففي بيعة العقبة الثانية، ما يؤكد هذه الإشارة، ويبين أنها خلق لازَمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.. وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أخرجوا إلى منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم" فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس. أي أنه صلى الله عليه وسلم جعل على أهل يثرب اثني عشر قائداً مسئولين عنهم، وذلك حتى يأتي صلى الله عليه وسلم بنفسه مهاجراً وقائداً للمسلمين جميعهم بيثرب.
وقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم" (رواه الطبراني بإسناد جيد).
فيلفت أنظارهم إلى أنه لابد من إقامة أمير، واختيار قائد على رأس كل مجموعة أو فريق عمل، وفى هذا إشارة إلى حرصه -صلى الله عليه وسلم- إلى إناطة أمر المسلمين إلى تنظيم محكم دقيق، وهو صلى الله عليه وسلم حرص بالتالي على أن تكون جميع أمورهم منظمة ومنضبطة سواء أكانوا في سلم أو حرب، في تجارة أو على سفر، وسواء كانت هذه الشئون الصغيرة كأمر مثل أمر السفر أو أمور كبيرة كأمر الحرب، والقتال والغزو.
وهو -صلى الله عليه وسلم- يدعو لتنظيم دوائر حياة المسلم: "إن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لزوارك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه" وفى إتباع هذا الهدى، ما يضمن راحة النفس، وحماية القلب وتوزيع اهتمامه على دوائر حياته جميعا.
وفى تنظيم وقته على النهار:
ما روى عنه أيضًا في معناه: "وعلى العاقل أن تكون له أربع ساعات، ساعة يناجى فيها ربه.. وساعة يناجى فيها نفسه.. وساعة يتفكر فيها في صنع الله تعالى، وساعة يخلو فيها للمطعم والمشرب" وما كان ينام -صلى الله عليه وسلم- في سفر أو حضر إلا ويكلف من يراقب له الوقت لتنظيم أوقات الصلاة.
يتبع >>>>>>>>>>> المقامر القهري