كانت فتاة ًصغيرة لم تتعدَّ الستة عشرَ ربيعاً, وقد شُخّصت لديها نوب صرعية منذ 3 سنوات سُيطر عليها بشكل محكم بواسطة العلاج المناسب, وحان الوقت للبدء بسحب الدواء.
خلال العام الماضي, تمّت خطوبة هذه الصبيّة على شاب اطّلع على حالتها الطبية وتفهَّمها عبر حضوره إلي مع خطيبته في إحدى المراجعات مستوضحاً عن طبيعة المرض وإمكانية الشفاء التام وتأثيره على الأبناء في المستقبل.
وفي أحد الأيام اتصل بي هذا الشاب الخاطب يطلب موعداً للقاء منفرد ...
ليس لي سواك يا دكتور من بعد الله ..
خيراً إن شاء الله ؟
إن أهل خطيبتي ينوون فسخ الخطوبة, بحجة أني فقير الحال لا درهم لي ولا متاع. تخيل أني لم أخدعهم وشرحت لهم بصراحة أحوالي المادية قبل الخطوبة. كان ذلك منذ حوالي العام. والآن بعد أن تعلّق قلب كلٍ منا بالآخر, رأوا أن يفسخوا الخطوبة رغم عدم موافقة البنت.
كيف يمكنني أن أخدمك ؟
سوف أرسل لك البنت متمارضةً تدّعي أنها مصابة بالصداع والاكتئاب. وأرجو منك أن تخبر الأم أن الحزن عموما ًلا يناسب مريض الصرع وقد يحرّض لديه عودة النوب التشنجية .... ومن هنا تدخل إلى موضوعي وتحاول أن تقنع الأم بضرورة متابعة الخطوبة ثم الزواج.
لقد دفعني كل من الحماس والشفقة إلى مساعدة الشاب والموافقة على ما طلبه مني. صحيح أن المثل الشعبي يقول (اسعَ بجنازة ولا تسعَ بِـجَازَة) !, لكن يقف على النقيض منه تماما ًالمثل الآخر الذي يُقرأ باللهجة المصرية (يا بخت مين جمَّع رَاسِين على مِخَدَّة واحدة) ... أي أنني قررت أن أعمل بالمثل الثاني.
وبالفعل سارت الأمور كما هو مُخطط لها, فقد حضرت البنت وأمها بعد عدة أيام إلى عيادتي, إلا أن البنت نظراً لصغر سنّها وبراءتها الطفولية لم تُجِدْ لعب الدور تماماً, ولم تشكُ لي تلك الشكوى المتفق عليها مع الشاب, بالإضافة إلى أنها بدت منشرحة الحال باسمة الثغر ! وهنا لم أجد بُدّاً إلا أن أسألها بعض الأسئلة الإيحائية بغية الحصول على الشكاية المتفق عليها.
وبعد جهد, تم ذلك, فشرحت لي الأمُ الأسبابَ وأنهم ينوون فك الخطوبة لأن العريس فقير الحال, لا نقود لديه ولا مصاغ. وهنا جاء دوري :
هذا حرام يا خالة. الآن تذكرتم أنه فقير؟, الآن بعد أن وجد كل منهما نصفه الآخر؟ لا يجوز لكم طبيّاً أن تفسخوا الخطوبة وخاصةً أن هذه الفترة هي فترة سحب العلاج وهي تحمل خطورة كبيرة لعودة النوب الصرعية, والخطورة تزداد في حال حدوث أي انزعاج أو توتر أو stress. .... أنتم كأهل تتحمّلون كامل المسؤولية إن حدث شيء للبنت ...
انتهت الزيارة وغادرتا العيادة دون أن يظهر على الأم أي علامة من علامات الاقتناع بكلامي أو حتى التدبّر فيه ! أما البنت فما زالت باسمة الثغر !
ومرت الأيام ولم أدري ماذا حصل ! حتى الشاب لم يتصل بي !
هل آتت تلك المسرحية الفنية - إن صح التعبير - أُكُلَها ؟ أم أني عدت منها صُفر اليدين ؟
ثم مرت الأسابيع ....
وبعد حوالي ثلاثة أشهر, حضر إلي أخو العروس, يدعوني إلى عقد قران أخته
على الشاب نفسه يوم الخميس القادم ..
اقرأ أيضاً:
لُغةُ الضادِ وضادُ الأمّةِ!! / مولانا ! / مقامات الأربعاء (4)!! / مَـسْـغَـبَـهْ / واضِـحٌ ! / لسـتُ أحـبـكِ / تـنويعاتٌ على وَتـَرٍ ضائـع