هذا السؤال يتم طرحه منذ فترة طويلة، وهناك من يقول بأنها أدوية فعالة وهناك من يقول بأنها ليست فعالة فحسب ولكنها عقاقير خطيرة تشجع على الإدمان وحتى الانتحار.
تاريخ مضادات الاكتئاب
تم تسويق عقاقير الاكتئاب في الخمسينيات وظهر عقار إميبرامين Imipramine والمعروف تجارياً بتوفرانيل. ينتمي هذا العقار إلى عائلة ثلاثية الحلقات Tricyclics وبعدها ظهر أكثر من عقار ثلاثي الحلقة وثنائي ورباعي الحلقة. اشتهر عقار الأميتربتلين Amitriptyline من هذه العائلة حين تم تسويقه في عام ١٩٦٠ ولا يزال يستعمل في مختلف الاضطرابات العقلية وغير العقلية. هذه العقاقير لها أعراضها الجانبية من جفاف الفم والتهدأة وغير ذلك، ولكن فعاليتها لا جدال فيها الى الْيَوْمَ.
رغم هذه الثورة العلمية في علاج الاكتئاب، ولكن استعمال هذه العقاقير كاد يكون حصراً على الطبيب النفساني والسبب في ذلك بأن استعمال جرعة عالية منها في وقت واحد من أجل الانتحار يضمن نجاح نية المريض الانتحارية بسبب الاكتئاب. كان ذلك كثير الملاحظة في الأسبوعين الأولين لبداية العلاج ولذلك كانت وصفة العقار محدودة لمدة أسبوع أو أسبوعين.
في عام ١٩٨٦ تم تسويق عقار في بلجيكا له سمعته في كل مكان وهو عقار الفلوكستين والمعروف شعبياً بالبروزاك. هذه كانت بداية استعمال العقاقير المعروفة بمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (م.ا.س.ا) والتي بدورها تحافظ على تركيز هذا الناقل الكيمائي العصبي في الدماغ. الحقيقة هي عدم وجود فعل انتقائي لهذه العقاقير وهذا المصطلح بدعة الشركة التي سوقته لأسباب تجارية. منذ ذلك الْيَوْمَ وهذه العقاقير معروفة بـ SSRIs ووالد جميع العقاقير هو البروزاك. بسبب هذه العقاقير حدثت ثورة جديدة في استعمال العقاقير المضادة للاكتئاب.
ثورة استعمال العقاقير المضادة للاكتئاب
عقاقير الم.ا.س.ا SSRI عقاقير سليمة ولا يستطيع المريض تنفيذ خطته الانتحارية باستعمال جرعة عالية منها إلا إذا ابتلع كميات هائلة تقف في البلعوم وتغلق المجاري التنفسية. هذه الحقيقة أدت بدورها إلى شيوع استعمال العقاقير وأصبح استعمالها لا يقتصر فقط على الطبيب النفساني وإنما يصفها كل طبيب لكل مريض يقول بأنه حزين وقلق. بسبب هذه العقاقير ظهر تعجرف الأطباء تجاه الطب النفسي والصحة العقلية والكثير منهم يردد مقولة معروفة وهي: ما يصفه الطبيب النفسي من عقاقير لا يحتاج استعمال العقل لعلاج الاكتئاب.
في الوقت نفسه تغيرت مفاهيم البشرية في العالم وظهر مطلب الشعور بالسعادة كحقٍ إنساني لابد من تلبيته وليس هناك ما هو أسهل من تناول قرصٍ واحد يوميا قد يساعد الإنسان أو يعطي الثقة له بأنه يستعمل شيئاً ينقله إلى عالم السعادة. لم ينصف الطب النفسي نفسه أيضاً مع تخفيض عتبة تشخيص الاكتئاب واستحداث مفهوم اضطراب الاكتئاب الجسيم Major Depressive Disorder واستحداث معايير تشخيص يتم استعمالها من قبل الجميع بدون تدريب وممارسة.
كانت نتيجة هذه الثورة في الاكتئاب بأن لا يقل عن ١٠٪ من السكان في أي بلد من بلاد العالم يستعملون هذه العقاقير. ولكن الطامة الكبرى بأن استعمال هذه العقاقير ليس لعدة شهور كما هو المألوف في علاج الاكتئاب وإنما لعدة أعوام وأحياناً إلى أجل غير مسمى.
من جراء شيوع استعمال هذه العقاقير وظهور الأعراض الجانبية لها مع طول مدة الاستعمال بدأت الناس تشك في فعاليتها وأصبح ظهور المقالات المضادة لاستعمالها تتكرر بصورة منتظمة.
الإجابة على سؤال واحد فقط؟
أدى استقطاب هذه الآراء على مدى أكثر من عشرين عاماً إلى البحث عن إجابة لسؤال واحد فقط من ضمن أسئلة أخرى وهو: هل العقاقير المضادة للاكتئاب عقاقير فعالة حقاً؟
الوصول إلى معرفة الحقيقة يحتاج إلى استعمال القاعدة العلمية وهي:
المعرفة = المعلومات × الرياضيات.
المعلومات يتم جمعها من عدة دراسات والرياضيات هي استعمال عمليات إحصائية تبعد الشك عن اليقين. تم جمع المعلومات في هذا المجال مع ٥٢٢ دراسة علمية لأكثر من عشرين عقار مضاد للاكتئاب وكانت النتيجة هي أن العقاقير المضادة للاكتئاب أكثر فعالية من المموه أو العقار الكاذب لا يحتوي على مادة كيمائية. الجدول أدناه يوضح قوة فعالية بعض العقاقير مقارنة بعقار مموه:
العقار Drug | فعاليته مقارنة بالمموه Placebo |
أميتربتلين | ١١٣٪ |
ميرتازابين | ٨٩٪ |
دلوكستين | ٨٥٪ |
فينلافاكسين | ٧٨٪ |
باروكستين | ٧٥٪ |
فلوكستين | ٥٢٪ |
سيتالوبرام | ٥٢٪ |
كلوميبرامين | ٤٩٪ |
ما هو الاستنتاج؟
العقاقير المضادة للاكتئاب عقاقير فعالة لو تم استعمالها بصورة صحيحة.
ولكن هناك أسئلة أخرى وأجوبة أخرى.
ملاحظة:
الدراسة المشار إليها هي:
Cipriani A, Toshi F, Salanti G et al (2018): Comparative efficacy and acceptability of 21 antidepressant drugs for acute treatment of adults with major depressive disorder: a Systematic review and network meta-analysis. Lancet 21 February.