القلق المفرط (المصاب بالقلق المزمن)
الفصل السادس عشر
يقول جبران خليل جبران: "أشد الناس كآبة كئيب لا يعرف سبب كآبته".
تأتي تلك النقطة عندما يحتاج الصديق أو المحبوب إلى مساعدة أكثر من التي يمكنك أن تقدمها، عندما يكون هناك شخص قريب منك مكتئب بشكل خطير فقد تحاول السير في جميع الاتجاهات لتجرب جميع الطرق من إلقاء النكات حتى الوصول للغضب ليخرج من حالته الحزينة، وللأسف فليس هناك ما يمكنك قوله لتجعل الأمر أفضل.
كونك قريبا من أناس مكتئبين قد يجعل الأمر عظيم الوطأة ومشوشا دون شك، فإن إحساسهم باللامبالاة وحِدّة الطبع والإحساس العام بالاستسلام قد يؤهلهم لأن يكونوا من متطلبي المساعدة المستمرة، خاصة وإن أخذت على عاتقك مسئولية أن تحاول إضفاء البهجة عليهم، بالمزج بين تعاطفك واهتمامك بصديق مكتئب أو شخص تحبه، فقد تشعر بالإحباط والامتعاض أيضا، ولهذا السبب فقد تتجه إلى تجنبه; وبالتالي تشعر بالذنب لتخليك عنه في الوقت الذي كان يحتاجك فيه بشدة.
في العلاقات الحميمة، فإن اكتئاب شخص ما قد يكون له تأثير كبير على سعادتك الخاصة وصحتك، وقد أشار كل من أ.د لورا روزن وأ.د زافير أمادور في كتابهما: "عندما تحب شخصا مصابا بالاكتئاب"، أشار كل منهما: إذا كان زوجك مكتئبا فإن احتمالية أن ينتهي زواجك بالطلاق تصل إلى تسع مرات إن كنت متزوجا من زوجة غير مكتئبة، كما وجدا أن أقارب المكتئبين يعانون من القلق المتزايد والاستياء والإعياء، في الحقيقة، من يعيشون مع المصابين بالاكتئاب يميلون هم أنفسهم للاكتئاب، وهناك خطورة كبيرة عليهم من تطور مشاكل عاطفية أخرى بينهما مثل القلق والمخاوف.
بصرف النظر عن مقدار حبك لشخص ما مكتئب فيجب عليك أن تحمي نفسك من السقوط معه في هاوية الحزن والاكتئاب؛ وذلك بأن يكون لك إحساس ومشاعر واضحة عن نفسك كشخص منفصل، وهذا يتطلب أن تعرف حدودك وتدرك متطلباتك، ومن الضروري أن تخطط للأنشطة التي قد تضفي البهجة عليك وتساعدك على الاحتفاظ بتوقعاتك المتوازنة؛ وكذلك لابد من وجود شيء تتطلع إليه كتناول العشاء مع زوجتك في مطعم جيد أو لعب مباراة لكرة القدم مع بعض الأصدقاء، وبالتالي يصبح من الأيسر بالنسبة لك التأقلم مع صديق أو قريب مكتئب، إن العناية بنفسك وبصحتك النفسية تجعلك تبدو في حالة جيدة تُمكِّنُك من مساعدة شخص آخر مكتئب.
إن أفضل شيء يمكنك القيام به لمساعدة شخص مكتئب هو أن تشجعه على طلب مساعدة من متخصص في الصحة النفسية، أجعله يشعر بأنك تهتم به، وتود أن تجعله يشعر بالتحسن ثانية، يمكنك أن تُظهِر مُساندَتِكَ له بأن تدرس الخيارات العلاجية المتاحة في منطقتك، والأخبار الجيدة هي أن الاكتئاب قابل للعلاج من خلال الأدوية أو العلاج النفسي أو كليهما.
ومع ذلك من المحتمل ألا يتم العمل بنصيحتك، في هذه الحالة، اتخذ الخطوات لتساعد نفسك إذا بدأ الاكتئاب بإلقاء ظلاله على حياتك أو إن كنت منزعجاً بشأن الدور الذي عليك القيام به، أقرأ عن الاكتئاب وتعلم أفضل الطرق للاتصال بشخص مكتئب، اتصل بمؤسسة للصحة النفسية واسأل عن مصادر يمكنها تقديم المساعدة في منطقتك لأفراد العائلة والأصدقاء الذين يعانون من الاكتئاب.
عندما يكون هناك شخص مكتئب ويعاني، فقد يصعب عليك أن تحتفظ بمشاعرك على مسافة آمنة من حزنه البالغ، لا تتخل عن شخص تحبه، وتتركه في قبضة الاكتئاب، قل "لا" للاكتئاب من أن يستهلك حياته، قل له:
* "إنه يؤلمني بحق أن أراك غير سعيد، أملي لو كان في إمكاني أن أصنع شيئا، هل فكرت في التحدث مع طبيبك؟!؛ كيف تشعر بالحزن والكسل طوال الوقت؟!؛ من المحتمل أنك تعاني من الاكتئاب!، إن كنت كذلك فهناك الكثير الذي يمكنك القيام به".
* "أنا أحبك ومهتم بك ولكن حالتك النفسية تلك هي أكثر مما أستطيع تحمله!".
* "لا للهم، ماذا في وسعي أن أقول لك أيضا؟!، أريدك أن تحصل على المساعدة النفسية اللازمة بأي شكل".
* "أنا لا أعلم كيف أجعلك تشعر بتحسن؟!، فليس لدي حلول سحرية، ولكنني أعلم أن الاكتئاب قابل للعلاج ومن الممكن أن أساعدك لتجد طبيبا نفسيا يمكنه علاجك، هلا تركتني أقوم بتلك المهمة؟!".
يقول المثل الصيني: "إذا كنت لا تستطيع أن تمنع طيور الحزن أن تحلق فوق رأسك، فإنك تستطيع أن تمنعها من أن تعشش في شعرك".
المقاومة للمرض
مازال الناس يصمون الطب النفسي بالعار، ويَدَّعوُنَ أن اللجوء إلى العلاج النفسي عجز وعيب وضعف إيمان بالله!؛ لذا فقد يتحمل البعض الاكتئاب النفسي بصبر المؤمن، لأنهم يتصورون أن الإصابة بالاكتئاب قد يكون علامة من علامات ضعف الإيمان بالله عز وجل ونقص في التدين، وهذا خطأ كبير يقع فيه أغلبية الناس على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم؛ لأن الاكتئاب لا يعدو إلا أن يكون مرضاً عضوياً مثل باقي الأمراض كارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب المختلفة وغيرهم من الأمراض، لذا حاول أن تؤكد لصديقك المكتئب مرة أخرى أن مخاوفه من العلاج النفسي والعقاقير النفسية لا أساس ولا داعي له.
الاكتئاب شائع بالفعل بين الناس، ملايين الناس تمر به، اليوم وعلى مر العصور لن يعتقد أحد أنك مجنون إذا كنت تعاني من الاكتئاب وبالتأكيد لا خطأ ولا عيب في زيارتك لطبيب أو لمتخصص نفسي بشأن هذا الأمر، الأطباء والعلماء النفسيون مجرد نوع آخر من المتخصصين، مثل العالم المختص بالقلب، إنك تهتم بجسدك فتذهب إلى طبيب القلب أو طبيب الأسنان عند أي شكوى تظن أنها من قلبك أو من أسنانك!؛ والأمر كذلك بالضبط عند إصابتك بالاكتئاب أو القلق المرضيين؛ ففي بعض الأحيان يحتاج الأمر أن تهتم بعلاج مشاعرك أيضا!، أليس كذلك؟!، وكذلك إذا كان لديك التهاب بالرئة فإنك ولا شك ستتناول المضادات الحيوية المناسبة، والتي سيصفها لك طبيب الأمراض الصدرية؟ والاكتئاب حالة أخرى بالمثل كالالتهاب الرئوي، يمكن علاجها بمضادات الاكتئاب، إن الاكتئاب يمكن علاجه كما تُعالج الأمراض العضوية الأخرى، ويحصل العديد من الناس على المساعدة من أجله؛ إذاً لماذا عليك أن تترك نفسك لجحيم الاكتئاب إذا كنت لست مضطرا لذلك؟!.
يقول المثل الإنجليزي: "يوجد دائما واحد في حالة أتعس من حالتك".
وتقول الحكمة: "كافح من اجل النضج؛ فالنضج أسلوب حياة وليس هدفا بحد ذاته".
يتبع >>>>>>>>>>> متعاطي الكحوليات والمخدرات