كيف يمكنك شرح وقوع الظلم على زوجك لنفسك ولأطفالك ؟
أولا : الصراع مع الشر ممتد، هو يجري داخل كل إنسان، وفي كل مجتمع، وإلى قيام الساعة، وخسارة معركة لا تعني نهاية الحرب، ويلزمنا التعلم عن أشكال وأنواع الشر والظلم، وعن خبرات البشر السابقة في الصراع معه، والنقص في هذا الجانب من المعرفة والممارسة يضعف جبهتنا، ويقوي الخصم بما لا يحلم به، ونحن نتلقى الضربات ونقف عاجزين، ونسمي العجز صبرا واحتسابا .. وتجارب غيرنا ستلهمنا وتواسينا وتعلمنا.
ثانيا : الموت هو انتقال من حال إلى حال ومن حياة إلى حياة أخرى، وهو ليس عدما ولا فناءا، وبخاصة الشهادة في سبيل الحق..ضد الظلم وشره!!
تمجيد الموت في سبيل فكرة، أو في مواجهة استبداد مجرم يملأ تاريخ البشرية كله،وتوثقه الكتب المقدسة، والأعمال الأدبية والفنية بوصفه قمة من قمم العطاء الإنساني الملهم للأجيال وبوصفه رمزا لانتصار الإنسان على العدم أو الجوانب المادية فيه، إدراكنا أننا جزء من هذه الملاحم هام للغاية ويعطي تأطيرا فارقا لأي معاناة نستشعرها.
ثالثا : الحزن والألم والفقد كلها مشاعر إنسانية معتبرة تمر بكل الناس حسب ظروف وأحداث حياتهم، والتعبير عن هذه المشاعر حق وواجب ومهارة قد تحتاج إلى تدريب وإلى قبول ذاتي ومجتمعي . القبول بهذه المشاعر والتعامل معها فرديا وجماعيا تشتهر فيه أساليب وفنون يجدر الإلمام بها.
رابعا : في التعامل مع مصيبة الموت، وبقية المعارك مع الظلم والشر يحجز البعض مقعد الضحية، ويحبس نفسه فيه !! بينما هناك اختيارات أخرى يختارها آخرون مثل موقف البطل الذي يقبل الابتلاء ويصبر عليه ساعة - في الحياة الدنيا، وهناك اختيار المتأمل المتعلم المستوعب للخبرة فتكون له نضجا ونموا ومدخلا لدعم غيره ومساندته - لا مجرد صدمة تعرض لها ويعاني من آثارها !!
خامسا : العمق الديني والروحاني لفكرة وحادثة الموت في سبيل الله وضد الظلم والشر هو الذي يعطي لهذا الموت معنى جليلا وهو الذي يرشدنا إلى ترتيبات واستعدادات ما قبل الانتقال من حياة إلى حياة .. من توبة وذكر وصبر جميل وفرح بالقدوم على الله وما بعد الانتقال من حسن ظن بالله واحتساب وحسن ذكر للمنتقل إلى طور جديد من حياته وتواصل روحاني معه !!
سادسا : التضحيات هي مصدر قوة كبير في المعركة ضد الظلم .. فهي تعضد المصداقية وتجدد التباين في المواقف، شرط تقديرها وتوثيقها بكل الوسائل !!
لا يحتاج الأجر الرباني على التضحية إلى توثيق، لكن الأثر النفسي والاجتماعي والنضالي للتضحية يحصل على قدر التوثيق والنشر والتكرار وتنويع طرق السرد والتذكير وفنون الدعاية والتأثير، وهو ما ينبغي أن يشغل تفكير واهتمام وخطط من يريد استكمال النضال، ومن يريدون تخليد التضحية وأصحابها - وهو من بعض حقهم علينا في الدنيا.
سابعا : الجماعية هي صمام أمن ضد السقوط في دركات الانحباس في مشاعر الحزن والفقد والتثكل ولوعة الأسى. والجماعية تعني بناء شبكات الدعم والتواصل أو تمتين القائم منها واستكمال الناقص على المستوى الأسري والمجتمعي بل والعالمي. تعني الانفتاح لمواساة كل صاحب كرب من بني البشر والانفتاح لاستقبال مواساته بما يلزم معه سد النقص في التعريف بالقضية وبالضحايا الأبطال الذين اختاروا مواجهة الشر رغم سطوته وسلاحه.
بناء شبكات الدعم والمساندة .. ضرورة فارقة.
ثامنا : الأبحاث الأحدث حول صدمة الفقد واستعادة الحياة من بعدها أو مواصلتها بشكل مختلف تركز على الوعي بالجسد عبر الحركة والتأمل وعبر الوعي بالطبيعة والتواصل معها وهي كتاب الله المنشور الذاخر بأياته وعجائب قدرته، وعبر تذوق الفنون وممارستها، وفيها استقبال للإلهام الإلهي وتعامل مع المستويات العليا لإنسانيته واستعادة هذه الصلات المنقطعة تبعث روحا نابضة في العادات والعبادات والحياة اليومية
تاسعا : هدف القاتل من القتل هو إفناء القتيل ومحوه وذكره من الوجود وأثره وجعله عبرة لمن يعتبر. ولذلك فإن القاتل يندم إذا لحقته المحاسبة في الدنيا، لكن الصفعة الأكبر تحصل حين تكون الشهادة مقدمة لذكر لا ينقطع وذكرى تتجدد وفضيحة مدوية تبلغ ما بلغ الليل والنهار وعار يلاحقه حيا وذريته من بعده ولعنة تطارده في نومه ويقظته، وهذا ممكن وحصل في التاريخ مرارا ولكن يحتاج إلى جهد ومثابرة
عاشرا : من التداعيات الشائعة للفقد أن يتجمد من فقدوا حبيبا في لحظة الفقد وكمد الفراق وكأنهم قد فقدوا حياتهم بفقد عزيزهم وهذه هي أكبر خدمة يتطوع بها مظلوم لظالم يرغب في شل حركة المقاومة ضده !!
الموت حدث وحادث قديم، والقتل كذلك، ومثل كل الأحداث الكبرى يمكن أن يلهم ويطلق تغييرات أساسية فردية وجماعية والأمم التي تتقن صناعة الموت فهما واستلهاما حري بها أن تتفوق في صناعة الحياة وفي تاريخ الألمان واليابان وغيرهما دروس يجدر بنا تعلمها !!
واقرأ أيضًا:
جحيم جنة رضوان ... / كيف نشرح الموت للطفل؟؟ / خواطر في ذكرى عاشوراء...