هي ظاهرة على مستوى الوطن العربي تتجلى على مواقع التواصل الاجتماعي، فما أن يصرح مسؤول أو حاكم تصريحا أو يصدر قرارا أو يقوم بفعل إلا وتنهال عليه النكات النصية والنكات المصورة (الكوميكس)، ويتطاير كل هذا بسرعة البرق عبر مجموعات الواتساب وصفحات الفيسبوك ويضحك الجميع من تلك النكات والسخريات السياسية.
فهل هذه ثورة بديلة من الشعوب العربية يمكن أن نسميها "الثورة الكوميدية"، تستخدم سلاح السخرية من المسؤولين والحكام، وبذلك تمر الأحداث مر الكرام ولا يأخذون الأمور على محمل الجد، ويظلون حتى وقت متأخر من الليل يتجولون بين المجموعات والحسابات الإلكترونية يلتقطون هذه النكات ويتبادلونها، ويضحكون ويسخرون وينامون وعلى وجوههم ابتسامة تمسح عناء الحياة وتعقيدات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي .
بعض المحللين النفسيين والاجتماعيين يرون أن هذا التنفيس الكوميدي المرح يصب في مصلحة الحكام والمسؤولين لأنه يفرغ شحنة الغضب لدى الجماهير المأزومة، ويجعل الحاكم أو المسؤول وكأنه مصدر للبهجة والضحك بدلا من أن يكون مصدرا للقلق والغضب بسبب تصريحاته وقراراته، وهذا يطيل في عمر الأنظمة ويقلل من احتمالات الثورات الغاضبة والعنيفة، وأصحاب هذا التفسير يذهبون أبعد من ذلك فيتوقعون أن رجالات الأنظمة الحاكمة يشجعون تأليف هذه النكات وانتشارها للتنفيس عن المشاعر المكبوتة سياسيا أو المأزومة اقتصاديا.
وهناك فريق آخر يرى أن هذه التعليقات الساخرة على الحكام والمسؤولين العرب تهز قداسة واحترام هؤلاء الحكام وتسهل التجرؤ عليهم من خلال حركات احتجاجية وربما ثورات إن آجلا أو عاجلا، ويؤيد هذا الفريق رأيه بفزع الأنظمة العربية مما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاولة تلك الأنظمة التحكم في النشر الإلكتروني بحجة إضراره بالأمن القومي.
وأيا كان أحد التفسيرين أو التوقعين لنتائج تلك الثورة الكوميدية، فإن الشعوب العربية ربما تنفرد من بين شعوب الأرض باستخدامها هذا النوع من الثورات الكوميدية لمواجهة الأنظمة الحاكمة خاصة حين تستحيل أو تصعب وسائل التعبير الأخرى، فقد قامت شعوب عربية بثورات هائلة، ولكن هذه الثورات اختطفت أو أجهضت أو شوهت، وأصبح لدى الناس ما يمكن أن نسميه "فوبيا الثورة" جراء ما حدث من فوضى وتدهور اقتصادي واجتماعي إبان هذه الثورات جعل الناس عازفين – على الأقل في هذه المرحلة – عن المغامرات الثورية في المستقبل القريب، وهذا يجعلهم أقرب لاستخدام وسائل للتعبير عما في نفوسهم بطرق أخرى أهمها النكتة السياسية والكوميكس.
واقرأ أيضًا:
التربية السلطوية في المجتمعات العربية / طارق أسعد عالم الطب النفسي العظيم المتواضع