لماذا تعقيبا على المثلية الجنسية، واستسهال الناس لها واستعدادهم للحُكم على أصحابها دونما نظر في الخلفيات والفروقات، لدرجة السّخرية والشماتة...
أقول للرجال شيئا، لمّا تستيقظ ذات صباح وتخرج للشارع وتنظر لسعيد وجواد وبلال مثل ما ينظر الرجال الآخرون لسوسن ورهام وابتسام... سيصير الأمر مضحكا أكثر آنذاك !
شعور عميق داخلي لا يمكنك مدافعته يدفع بكل طاقتك وخيالاتك الجنسية إلى صنف الذكور.. تريد أن تنظر لتفاصيل النساء ومحاسنهنّ لتتلذذ بهنّ وتتأكد من حبك لتملّكها والتمتع بها، وكأنها نظرة خالية من كل روح وانتماء، نظرة لا تستدعي أي شهوة أو رغبة نهائيا.
مشكلة الناس أنّها لا تفرق بين اضطراب الهوية الجنسية (وهي أصعبها) وبين الميول الجنسي وبين السلوك الجنسي.. الذي يكون محلّ الحُكم والمحاسبة.
اضطراب الهوية الجنسية موجود يا سادة وليست مؤامرة من المختبرات الغربية، هو مثل وجود الخنثى في المجتمعات، فقبل أن تتشكل عقلية الاضطهاد والتآمر وتدخل مجال العلم والطب أيضا، لن تجد أحدا يتحدث عن ذلك في العلن، ولا يعني عدم إدراك الظاهرة غيابَها، فهناك فتاة محبوسة في جسد شاب، وشاب محبوس في جسد فتاة، بمعنى أن تمثّل الرغبة الجنسية والنصف الآخر يمرّ عبر توقعات وخيالات ورغبات جنسية مخالفة لهوية الجسد الجنسية.
أما الميول الجنسي فهو أقل درجة من اضطراب الهوية، لذا قد تجده ميولا ثنائيا، لكنه قد لا يتحقق بالممارسة، وقد يمارس صاحبه عكس ما يميل له (حالة المثلي الذي يتزوج بامرأة)
أما عن السلوك الجنسي فهو ممارسة لا تقتضي وجود ميول ولا اضطراب، حب المغامرة والاكتشاف قد يؤدي لسلوك جنسي مثلي، ويمكن لصاحبه أن ينضبط على سلوك غيريّ إن أراد دون وجود عائق نفسي كبير. وهذا هو الذي قد نتحدث فيه عن التسيّب والانحلال لمن أراد ذلك
تخيّل وتخيّلي معي فقط أنكما من الصنف الأول والثاني، حتى لو كنتَ تُنكر وجوده، تخيّل فقط أنّك أصبت بحالة نادرة وأنت الوحيد في العالم، تصور أنّك تخرج فجأة للشارع وتستلذ الرجال وتفاصيلهم ! أصواتهم وحركاتهم وضحكاتهم... وأترك لك البقيّة.
الناس لا يُهمّهم إلا إراحة ضمائرهم بإنزال الأحكام الأخلاقية القاسية على من من يرونه مخالفا لها، وكلما كان الإنسان أكثر سطحية وتهجّما (حتى لو تحجّج بالتدين والفضيلة) يكون أكثر ميلا لمجرد الحكم والتراجع وعدم إيجاد الحلول عكس ما تُمليه فسلفة دينه نفسها، تفصيل وتريّث في الحُكم ورفع معاناة الناس وتقديرها، ثم النظر أخيرا فيمن لا يريد إلا تهتّكا وانحلالا.
والميل للتسطيح واستسهال الحلّ ناتج عن إسقاط ميوله الجنسي الثابت اتجاه النساء، لذلك يقولها سهلة خفيفة، ويلوم من لا يستطيع أن يَعرف ذاك الميل التلقائي، وهذا شبيه بقضية الاكتئاب، ترى السليم المعافى يتهكّم ويتصدّق بالنصائح على المكتئب مسقطا شعوره الذاتي بالعافية على المريض بالاكتئاب، وما إن يجد ضُعفا وعجزا إلا وبدأ باللوم لأنه يرى الأمر لا يستحق كل هذا الجهد والتأخير! فالحل سهل إذن أنت (أيها المكتئب) من لا يريد أن يأخذ به فعليك اللعنة !
لا أنكر أن قضية المثليين موجة يركب عليها السياسيون والحقوقيون، لدرجة صار تأييدها عنوانا على التنوير والتحضّر ! وأنها تُفرض على الدول المسكينة المثقلة بالديّون، (وهذا الجزء يحبّه أصحاب تفسير كل شيء بتدخّل الغرب فينا)، لكن لا ينفي هذا وجودها كظاهرة حقيقية بعيدا عن كل إيديولجية أو نفعية (وهذا الجزء الذي لا يُعجبهم لأنه يدفعهم لاعتراف بشيء سيضطرون للتعامل معه ومعالجته اجتماعيا).
ومن الاستشارات ما يوضح ذلك، فالذي يرسل استشارة يعاني فيها من ميول للرجال وحب لهم رغم أنه متزوج، نفترض أنّه حتى لو كان جارك وصديقك وأخاك، فلن ينبس ببنت شفة، هو الذي لم يعرف لا جمعية شواذ ولم يسافر للغرب وليس له ثقافة غربية حتى...
واقرأ أيضاً:
بخصوص الانتحار والدّين / الوعظ والتنمية، أية علاقة؟ الجزء الأول / لماذا لم تأخذ متمرسة في الجنس؟