الفصل التاسع عشر
من الجميل أن نشارك أولادنا واقعهم، والأجمل ألا ننسى أن نشاركهم حتى بعض أحلامهم، فليست أحلامهم دائمًا أحلام عصافير، فربما كان لها جذور تمتد بهم إلى الواقع أو تعديل المسار.
عن ابن عمر قال: إن رجالاً من أصحاب النبي كانوا يرون الرؤيا على عهد رسول الله فيقصونها على رسول الله فيقول فيها رسول الله ما شاء الله، وأنا غلام حديث السن وبيتي المسجد قبل أن أُنكح، فقلت في نفسي: لو كان فيك خير لرأيت مثل ما يرى هؤلاء، فلما اضطجعت ذات ليلة، قلت: اللهم، إن كنت تعلم فيَّ خيرًا فأرني رؤيا، فبينما أنا كذلك إذ جاءني ملكان، في يد كل واحد منهما مِقمعة من حديد، يقبلان بي إلى جهنم، وأنا بينهما أدعو الله: اللهم إني أعوذ بك من جهنم، ثم أراني لقيني ملك في يده مِقمعة من حديد، فقال: لن تراع، نعم الرجل أنت لو كنت تكثر الصلاة، فانطلقوا بي، حتى وقفوا بي على شفير جهنم، فإذا هي مطوية كطي البئر، له قرون كقرن البئر، بين كل قرنين ملك بيده مقمعة من حديد، وأرى فيها رجالاً معلقين بالسلاسل رؤوسهم أسفلهم، عرفت فيها رجالاً من قريش، فانصرفوا بي عن ذات اليمين، فقصصتها على حفصة؛ فقصتها حفصة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبد الله رجل صالح لو كان يصلي من الليل"، فقال نافع: "فلم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة".
التنافس في حب الرسول
إن الأطفال لبنة أساسية في بناء المجتمع ومع كونه طفل، فلا ينبغي أن نتجاهله عندما يكون بين عالم الكبار، ويحترم رأيه الذي ذهب هو إليه خاصة إذا خير بين أمرين واختار بينهما لحكمة ما يراها هو.
عن سهل بن ساعد رضي الله عنه قال: أُتي النبي بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم والأشياخ عن يساره فقال: يا غلام، أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ، قال: "ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله"، فأعطاه إياه.
وأخيرًا إن الطفل صفحة بيضاء ناصعة، وعلى قدر ما يكتبه الآباء والمجتمع في هذه الصفحة على قدر ما تتحدد معالم هذه الصفحة بعد مشيئة الله تعالى.
الطفل العنيد والطاعة الموجهة
عندما يتم مساعدة الطفل على إدراك أنك المسيطر تماما من خلال الأوقات المستقطعة والتقييد يمكنك أن تعمل على غرس مبدأ الاستعداد للطاعة والإذعان وتقليل الجدل لديه بالنسبة للأطفال دون التاسعة العنيدين تكون الطريقة الفعالة هي الطاعة الموجهة. وتساعد الطاعة الموجهة على تدريب الأطفال على مبدأ الطاعة ومهاراتها.
كي تستخدم الطاعة الموجهة لا بد من اتباع أربع خطوات:
الخطوة الأولى: أبدأ بأمر بسيط لا يستغرق إلا خمس عشرة ثانية لإنجازه مثل خذ الكرة من على الأرض.
لا ضرورة أن يكون الأمر أو الطلب هو ما تحتاج عمله بالفعل في هذه اللحظة؛ فهذا تمرين للتدريب، إن الأمر يجب أن يكون مباشرا وليس بصيغة رجاء، لأنك إذا رجوته فسيعطيك إجابة لا تحبها، فإذا قلت أرجوك ممكن أن تأتي لتساعدني؟ فستكون الإجابة ب "لا".
أيضا يجب ألا تطرح أسئلة بلاغية متكلفة ولكن يجب أن تكون مجرد جمل وعبارات بأن تطلب من ابنك الطاعة وتجعل الأمر مختصرا ولا تعطي أوامر متعددة.
تذكر أنك تقوم بتدريب نفسك وابنك معا ولذلك عليك أن تعطي ابنك شيئا سهلا ليقوم به مثلا ناولني الملح.
الخطوة الثانية: إذا أذعن الطفل لأمرك فلا بد أن تشكره على طاعته، ولكن كن حذرا ولا تبالغ مثلا تقول حسنا فعلت إنك مطيع بالفعل ولكنك لست مجبرا على إثارة الصخب أو أن تقفز هنا أو هناك لأن ذلك سيبدو كعمل زائف، إذا لم يتبع الطفل أوامرك فعليك أن تنتقل إلى الخطوة التالية.
الخطوة الثالثة: إذا لم يتبع الطفل أوامرك خلال خمس ثوان عليك أن ترشده بدنيا لتنفيذ الأمر عد إلى خمسة، وكأن ذلك تحذيراً أو إنذاراً للطفل، عليك أن تكرر الأمر بنفس الكلمات والنبرات أعطني الملح، وأنت تكرر الأمر، تقدم إلى الطفل وضع يدك على ذراعيه، وأرشده إلى العمل الذي طلبته، ساعده واجعل يده تلتف حول الملح، وأحضره هو والملح إلى المكان الذي تجلس فيه.
الخطوة الرابعة: بعد أن ترشده عمليا لتنفيذ الأمر امدح الطفل وجامله، وقد يبدو من الخطأ مجاملة الطفل بعد أن أجبرته على السلوك ولكن هذا ضروري، إن الفرق بين الأمر الأول والثاني هو أنك قمت بإرشاده وتوجيهه عمليا وبدنيا (وهذا هو مصطلح الطاعة الموجهة)، وسواء قام هو بمساعدتك أو تصرف بنفسه فلا بد أن تمدحه؛ لأن ذلك سوف يغريه بأن يقوم بعمل الأشياء الصحيحة في المرة التالية، "عليك أن تحل المشكلة أو سوف أحلها أنا"، هل فهمت؟!.
إن هذه السياسة الجديدة قد تزعج الطفل إلى حد ما طالما أنك تمدحه، حتى لو أنك أنت الذي تقوم بكل الأعمال، بينما يدور صراعا في عقل طفلك، إنه يقول لنفسه: "إنني لا أريد أن تجبرني أمي على فعل ما تريد، وسوف أفعل أي شيء يمكنني أن أفعله لأمنعها من إجباري وجعلي أفعل مالا أريد؛ لذا سوف أفعل ما تريده، وبيدي لا بيد عمرو، وهذا بوضوح ما تريده في المقام الأول، ولكن يجب عليك أن تسمح للطفل أن تعتقد أن الطاعة تفيده وفي النهاية سوف يفهم أمرين:
1- يجب أن يطيع ويعلم أنه من الممكن أن يؤدي العمل بإرادته أو رغما عنه.
2- إذا آثر الطاعة من تلقاء نفسه فسوف يظل مسيطرا، وهذا دافع كبير لطفل شديد العناد لا يحب أن يتخلى عن سيطرته.
يتبع >>>>>>>>>>> ممارسة الطاعة الموجهة