كثيرًا ما نسمع في أحاديث الناس بما فيهم الأطباء والإعلاميون تعبير الوزن المثالي، وإذا تكلمت مع أي شخص في مجتمعاتنا الحديثة عن الوزن المثالي فإنهُ يبادرك بالقول أنهُ الوزن المفروض للإنسان وهو أن تزن بالكيلو جرام ما يساوي طولك بالسنتيمتر مطروحًا منه 105 بالنسبة للرجال أو 100 بالنسبة للنساء، فإذا سألت لماذا؟ أو على أي أساس فإن الإجابةَ الحاضرةَ على ألسنة الجميع هيَ أن هذا هو الوزن الصحي!، والناس في واقع الأمر غير ملومين في ذلك لأنهم يرددون ما سمعوه من طبيبٍ في أحد المرات أو ما سمعوه وشاهدوه مدعما بالصورة والتعليق في أحد أجهزة الإعلام المرئية، ومن كثرة ما تكررَ هذا المفهوم لم يعد أحدٌ يفكرُ في أصل هذا المفهوم وفصله.
ولما كنا معنيين بالبحث عن أصول المفاهيم المتعلقة بالأكل وبالوزن وصورة الجسد فقد تقصينا مفهوم الوزن المثالي لنجدَ أن أصل هذا المفهوم إنما نبعَ من جداول أعدها خبراءُ شئون التأمين على الحياة في إحدى شركات التأمين الأمريكية Metropolitan Insurance Company، منها ما وضعَ في الخمسينات من القرن الماضي، ومنها ما اعتبرَ تعديلاً وضعَ في الثمانينات من ذلك القرن أيضًا، وهذه الجداولُ المبنيةُ على أبحاث شركات التأمين على الحياة والتي كانت تبحثُ عن الأوزان التي يتوقعُ لها صحةً أفضلَ وقدرةً على الحياة لفترةٍ أطولَ لكي لا تخسر شركاتُ التأمين بالطبع، هذه هيَ أصولُ مفهوم الوزن المثالي والذي يرغبُ الناسُ جميعًا وعلى مستوى العالم في الوصول إليه والبقاء في حدوده، فإلى أي حدٍّ كانت المعلومات التي بنيت عليها هذه الجداولُ صحيحةً؟
إن الباحثَ في مدى موضوعية وصلاحية هذه الجداول ليصدمُ بأن الدراسات التي وضعت هذه الجداولُ بناءً عليها لم تكن بالدراسات التي تعطي نتائج يوثقُ بها ويمكنُ الاعتمادُ عليها! فبدءًا من طرق أخذ العينات ومرورًا بطرق قياس الكفاءة البدنية الصحية وطرق قياس الوزن وحتى المعلومات عن نسب الوفيات، كل ذلك مشكوكٌ في صلاحيته للتعميم على المجتمع الذي أجريت فيه هذه الدراسات (أي المجتمع الأمريكي) فما بالكم بتعميمها على كل المجتمعات البشرية؟ علمًا بأن هذا التعميم هو الحادثُ بالفعل!
كل ذلك فضلاً عن أن تلك الجداول لم يأخذْ واضعوها في اعتبارهم الكثير من الفروق الفردية بين البشر فيما يتعلق على سبيل المثال بتوزع الدهون في الجسد وبحجم الهيكل العظمي وغير ذلك، بل إن من أهم الانتقادات التي توجه لتلك الجداول أنها استندت لا إلى معلومات من علم قياسات الجسد البشري وإنما إلى ما يوصفُ بأنهُ توليفاتٌ اعتباطيةٌ للمعلومات!.
ومن الملاحظ أن المعنيين بالصحة البشرية على اختلاف مواقعهم عندما يتحدثونَ عن الصفات البشرية سواءً النفسية أو المعرفية منها أو الجسدية فإنهم يتحدثونَ عن مثالٍ يتوزعُ حوله الأفراد ما بينَ الزيادة عن المثال أو النقصان عنه، ويعتبرُ هذا التوزع طبيعيا، فإذا ما كانَ الحديثُ عن الوزن فإن الرجوع إلى جداول الوزن والطول لا يسمحُ بذلك التوزع أو التدرج لأن الوزن كذا يناسبُ الطول كذا أو العكس، وتصبحُ الرسالة التي تصل إلى الناس هيَ أنكَ إذا أردتَ صحةً جيدةً وأداءً جسديا أفضل ما يكونُ وعمرًا أطول فإن وزنك يجبُ أن يكونَ كذا!، وإلا فأنت تعرضُ نفسك للخطر، وليسَ هناكَ بالطبع من يقولُ لك ما مدى صدق الارتباط ما بين الابتعاد عن الوزن المثالي وبينَ الأمراض أو التأثيرات السلبية المزعومة على الصحة، ولا من يقولُ لك عند أي قدرٍ من الابتعاد عن الوزن المثالي تصبحُ في خطرٍ حقيقي! بل إن نتائج الدراسات التي تبينُ أن الخطر المزعوم إن تحققَ فإنما يتحققُ عند انحرافاتٍ بعيدةٍ عن الوزن المثالي المزعوم، وأن حيزًا كبيرًا من الاختلاف ما بينَ الأجساد إنما يبقيها بعيدةً عن التأثير السلبي على الصحة!، مثل هذه النتائج لا تحظى بالكثير من النشر أو الاهتمام مثلما تحظى به نتائج الدراسات التي تحاولُ بثَّ الخوف من البدانة في نفوس الناس.
اقرأ أيضاً على مجانين :
ما هيَ صورة الجسد Body Image?/ هل البدانة مرض؟/ البدانة من الجمال إلى القبح/ جدد علاقتك بأكلك وجسدك