نظرًا لأن الحمية المُنَحِّفَـةَ لكل متبعـيها ليست الحالةُ الطبيعيةُ لهم ، ونظرًا لأن فقدان الوزن الناتج عن الحمية هو أيضًا للأسف لا يمثلُ الحالةَ الطبيعية لصاحبه، فإن الكثيرين من الذين (إن لم يكن كلُّ الذين) ينجحون على المدى القصير في التخلص من الوزن الذي يرونه زائدًا، يفشلونَ في الحفاظ على ما حققوهُ على المدى الطويل لتعود أجسادهم إلى حالتها الأولى، ومعنى ذلك هو أن الجسدَ سيتأرجحُ وزنهُ ما بينَ الزيادة والنقصان، وعندما تتكرر هذه الدورةُ ما بينَ الزيادة والنقصان على مر السنين فإن هذا ما يطلقُ عليه تأرجحُ الوزن أو ترجاف الجسد Weight Cycling (واللغةُ العربيةُ في الحقيقة تعطينا مرونةً أكبرَ فتأرجحُ الوزن يمكنُ أن يعبر عن الحالات التي يحدثُ فيها التغير هبوطًا وصعودًا في الوزن على مدى أطول مما يحدثُ في ترجاف الجسد الذي يكونُ فيه التأرجحُ سريعًا أي أننا نستطيعُ تحديد نوعين من الحالات خسب سرعة التغير في وزن الجسد)، ومن الطريف أن الكثيرين من هؤلاء المتأرجحي الوزن يعتقدون أن دورات زيادة ونقص الوزن المتكررة تلك، إنما تكونُ محصلتها النهائيةُ زيادةً في الوزن وكأن لسان حالهم يقول يا ليتنا ما احتمينا! بل إنك تسمعُ بعضهم يقول "جسمي في السنوات التي كنتُ أنسى فيها موضوع الحمية أو لا أهتم به كانَ ثابتًا صحيحٌ زائد الوزن لكنه ثابت، لكنني منذ بدأ اهتمامي بالحمية وأنا أتأرجحُ ناحيةَ الزيادةِ في المحصلة".
بل إن هناكَ من الدراسات ما يشيرُ إلى صعوبةٍ مطردةٍ في النجاح في إنقاص الوزن تزيدُ كلما زاد عددُ مرات التأرجح ما بينَ النقصان والزيادة، ومن التجارب التي أجريت على الفئران ما يبينُ أن الفئران البدينةَ تحتاجُ إلى 21 يومًا فقط لتفقد وزنها الزائد في المرة الأولى للحمية المنحفة، بينما تحتاجُ نفس الفئران إلى 46 يومًا في المرة الثانية أي بعد أن تكتسبَ الوزن القديم ويتمُّ إخضاعها للحمية للمرة الثانية رغم أن كمية الغذاء الذي يقدم لها واحد في الحميتين الأولى والثانية، ولما كانت هذه التجارب تجرى في ظروف المعمل التي يتمُّ التحكمُ فيها بدقة فإن ما يستنتجُ من ذلك هوَ أن الفئران التي تعرضت لأرجحة الوزن قد أصبحت تتميزُ بفاعلية أعلى للغذاء أي أن أجسادها أصبحت أكثرَ قابليةً للبدانة رغم عدم زيادة الغذاء المتناول (Jeffrey etal., 2002).
وأما ما يبدو مخيفًا بالفعل في نتائج الدراسات التي أجريت على متأرجحي الوزن هؤلاء، فهوَ ما يتوافقُ مع ما أوحت به الدراسات التي أجريت على الحيوانات من أن تأرجحَ الوزن يؤدي إلى صعوبة الاستجابة للحمية فيما بعد، وأن التقييد الغذائي والإفراط الغذائي المتكرران يؤديان إلى خلل في تعامل الجسد مع الطاقة مما يسهل حدوثَ البدانة، وأن تغيرًا تركيبيا يحدثُ في الجسم بحيثُ تزيدُ نسبةُ الأنسجةِ الدهنية إلى الأنسجة اللحمية في وزن الجسم، مما يجعلُ الوزنَ أكثرَ، واستعداد الجسم للتنازل عن الدهون أقل، وقد أوحت نتائجُ دراساتٍ كثيرة إنجليزية ودانمركية وأمريكيةٌ بذلك.
وتقولُ نتائجُ دراسةٍ (NTFPTO,1994) تعتبر بمثابة حجر الزاوية في ميدان البحث في تأرجح الوزن أن خمسينَ بالمائة من الذين ينجحونَ في إنقاص أوزانهم يستعيدون أوزانهم القديمة خلال ثلاث سنوات، والباقونَ خلال السنوات الستة التالية، أي أن من ينقصُ وزنهُ اليومَ من 90 كيلو جرام إلى 75 كيلوجرام على سبيل المثال سيعود إلى وزن 90 مرةً أخرى بالتأكيد حتى ولو كانَ قد أمضى ثمانيةَ سنواتٍ على وزنه الجديد!، ثم قارن الباحثون في تلك الدراسة ما بينَ الذين بدأت بدانتهم في مرحلة الطفولة والذين بدأت بدانتهم في مرحلة الرشد، فتبينَ ميلُ أجساد الذين بدأت بدانتهم منذ الطفولة إلى الزيادة عن الوزن الذي كانوا عليه قبل الحمية التي طبقت في الدراسة واختلافهم في ذلك عن أولئك الذين بدأت بدانتهم في الرشد!، هذه بالطبع نتيجةٌ محبطةٌ ولكنها الدراسةُ التي تمثلُ حجر الزاوية في هذا الميدان البحثي.
ومن بين الدراساتِ التي حاولت تفسير ما يحدثُ دراساتٌ أجريت على الخلية الدهنية، لتبينَ أن تغيرًا ما يحدثُ في الخلايا الدهنية بسبب نقص ما تختزنهُ من دهون أثناءَ الحمية، وهذا التغير ربما يؤدي بشكل أو بآخرَ إلى استعادتها لقدرتها على الانقسام، وقد كان المفهوم الثابتُ قديمًا يرى أن الخلية الدهنية المكتملةَ النمو لا تستطيعُ الانقسام ولا تستطيعُ حمل دهون أكثر من حد معين مما يجعلُ لكل شخص حدا لا يتعداه من البدانة، على أساس أن عدد الخلايا الدهنية ثابتٌ وكذلك أن قدرتها على اختزان الدهون لها حدٌ لا تستطيعُ تجاوزه كما ذكرنا في هذا الكتاب من قبل، لكنَّ الذي تفعلهُ الحميةُ في الخلايا الدهنية يضربُ عرضَ الحائط بكل هذه المفاهيم القديمة على ما يبدو، فأحد الدراسات بينت حدوثَ زيادة في عدد الخلايا الدهنية تعادل 5% أثناءَ فترة الحمية و5% أثناءَ فترة استعادة الوزن، أي أن كل دورة من دورات تأرجح الوزن تزيد عدد الخلايا الدهنية بنسبة 10%، وهذا يعني أن الحميةَ المنحفةَ المتكررةَ تؤدي في النهاية إلى البدانة المفرطة، وأن الأشخاص لو لم يكرروا الحميةَ لكانت المحصلة النهائيةُ أفضل!
وعندما نشرت نتائجُ هذه الأبحاث وقفَ المدافعونَ عن الحمية وأصحاب تجارة برامج الحمية المختلفة للدفاع بحماس ضد هذه الدراسات، وقدم كل منهم ما يعضدُ نتائجَ برنامج الحمية الذي يتولى الدفاع عنه، مؤكدًا أن برنامجه يختلف عن تلك البرامج التي تعطي مثل هذه النتائج البشعة على المدى الطويل، وبعضهم كانَ يقدم نتائج دراسات أجريت على مجموعات من الرياضيين حيثُ كان مثلاً على الملاكمين أن يتبعوا الحمية المنحفة للوصول إلى وزن معين قبل كل مباراة ولم تحدثْ لهم تلك النتائجُ البشعة التي تقول بها الدراسات، ولكن معظم دراسات هؤلاء كانت دراساتٌ قصيرةُ الأمد، وكانت الحميات التي يتبعها هؤلاء الرياضيين مختلفةً بحق عن الحميات التي يتبعها الناس هنا وهناك.
المراجع:
1) Jeffrey , R. , Deslypere , J. P. etal (2002): ADIPOSITY 101 http://www.omen.com/adipos.html
2) NTFPTO (National Task Force on the Prevention & Treatment of Obesity, 1993): Very low-calorie diets.JAMA.270:967-974.
واقرأ أيضاً:
اضطراب العقعقة من أين جاء الاسم؟ مشاركة / اضطرابُ القشم القهري Compulsive Overeating / اضطراب نوبات الدقر (Binge Eating Disorder)