معروفٌ أن هناك اختلافاتٍ كبيرةً بينَ البشر فيما يتعلقُ بأوزان أجسادهم، ويرجع سبب ذلك في الأساس إلى اختلافاتٍ في المُوَرِّثات بينَ البشر، إضافةٍ لعوامل أخرى ربما تحدثُ أثناءَ فترة الحمل أو الطفولة، وتعملُ هذا الاختلافاتُ عملها من خلال ترجمتها إلى اختلافاتٍ في كيفية التعامل مع السعرات الحرارية التي يتناولها الشخص (أي كم منها يتحولُ إلى طاقةٍ تحرق وكم منها يتحول إلى دهون تختزنُ في الجسد)، كما أننا نلاحظُ أن معظم الأفراد يظهرونَ نوعًا من الثبات على وزن ما أو في حدود هذا الوزن، كما يرجعونَ إلى هذا الوزن كلما حدثَ تغيرٌ فيه لسببٍ أو لآخر أثناء حياتهم، وقد أدت هذه الملاحظاتُ، إضافةً إلى أخرى مستمدة من التجارب على الحيوانات إلى افتراض وجود نقطةٍ حيويةٍ محددةٍ لوزن جسد كل كائنٍ بشري يقوم الجسد فيها بوظائفه البشرية على أتم وجه.
وبذلك يصبحُ كثيرون ممن يتبعونَ نظام حميةٍ لإنقاص الوزن إنما يحاربونَ أمام برمجة أجسادهم الحيوية مما يجعل اتباعهم لنظام الحمية المنحفة ونجاحهم فيه أمرًا في غاية الصعوبة، لأن الوزن الذي يصلونَ إليه بعد شهورٍ من الحمية لا يناسبُ وظائفهم الحيوية، مما يحفز الجسد إلى تغيير برنامجه ونسب توزع السعرات الحرارية المتناولة في الغذاء بحيثُ يخزنُ منه في الجسد أكثر مما كانَ عليه الحال وهو عند النقطة المحددة، أي أن رجوع المنتهين لِتَوِّهم من الحمية إلى سابق وزنهم يتم بسهولةٍ لأن ما يتناولونه من غذاء حتى وإن كانَ أقل من المعتاد لا يسمحُ باستهلاكه كطاقة وإنما يتم تخزينه كدهون، وذلك من خلال تغييرات تحدثُ في معدلات توزيع الطاقة الحيوية وعمليات الاستقلاب؛
وتسمى هذه التغييرات "زيادة الكفاءة الاستقلابية Metabolic Efficiency"، والوزن الذي يرجع له بعد وقف الحمية هوَ النقطة المحددةُ حيويا للجسد وإن كان هناكَ اختلافًا بينَ العلماء فيما يتعلقُ بماهية الآليات التي تنظمُ وزن الجسد عند هذه النقطة المحددة المفترضة إلى الحد الذي جعل بعضهم يتساءَلُ عن مدى صلاحية هذه النظرية، فهيَ رغم قدرتها على تفسير ظاهرة رجوع من ينقصونَ وزن أجسادهم بعد فترةٍ من الحمية إلى سابق عهدها لا تحظى بالتأييد المطلق من كل الباحثين فهناكَ من يرونَ أن الجسد قد يدافع ضد النزول عنها، لكنهُ لا يدافع ضد الزيادة عنها بمعنى أن الشخص إذا قل وزنه بسبب مرضٍ أو ما إلى ذلك، فإن الجسد سيحارب من أجل الرجوع إلى وزن النقطة المحددة بعد انتهاء سبب النحول، لكن الجسد إذا زاد وزنهُ لن يفعل نفس الشيء، وإذا ما استمرَّ الوزن زائدًا لفترةٍ طويلةٍ فإن النقطةَ المحددةَ تُعَـدَّل لتصبحَ نقطةً محددةً جديدة، بينما يرى البعض أنه قد تكونُ هناكَ بالفعل نقطةٌ محددةٌ لوزن الجسد لكنها ليست بالشكل الذي نجدهُ مثلاً للنقطة المحددة لدرجة حرارة الجسد أي ليست بنفس المقدار من الثبات.
لكن نتائجَ عددٍ من الدراسات تشيرُ إلى أن الجسد أيضًا يدافعُ عن توازنه عند وزنٍ معينٍ ضد الزيادة، ففي إحدى الدراسات التي أجريت على المساجين الذين تطوعوا للمشاركة في دراسةٍ ضاعفوا فيها من السعرات الحرارية التي يتناولونها لمدة ستة أشهر، وقد زاد وزن معظمهم قليلاً في البداية إلا أنهم سرعان ما زاد معدل حالاتهم الاستقلابية بحيثُ توقفت أوزان أجسادهم عن الزيادة رغم استمرارهم في تناول ضعف السعرات الحرارية المعتادة لكل منهم، إلا أنه تبينَ خلال هذه الدراسة وجود فروقٍ فرديةٍ في استجابة الأشخاص لزيادة التهام السعرات الحرارية، فكان ذوو التاريخ الأسري للبدانة أبطأ في رجوعهم لوزنهم الأصلي قبل التجربة من الآخرين، كما أن دراساتٍ أخرى تبينُ وجود فروقٍ فرديةٍ في معدل التغير الذي يطرأُ على الحالة الاستقلابية استجابةً لزيادة التهام السعرات الحرارية.
وإن كانت هذه التغيرات دائمًا ما تسير في اتجاه زيادة الحرارة المنتجة من الطعام بحيثُ تقلل من الزيادة المتوقعة في الوزن رغم تناول كمٍّ كبيرٍ من السعرات الحرارية وتشيرُ نتائجُ دراساتٍ أخرى إلى أن هذه المقاومة الاستقلابية لزيادة الوزن Metabolic Resistance (عن النقطة المحددة) تكونُ أقلَّ في الحيوانات البدينة بالوراثة Genetically Obese Animals ، وكذلك في البشر البدينين.
وفي نهاية هذا العرض نقول أن لدينا معلوماتٍ تشيرُ إلى النقاط التالية:
- تغيير وزن الجسد عادةً ما يؤدي إلى تغييرات استقلابية توجهُ الجسد نحو استعادة الوزن المفقود بشكلٍ أو بآخر.
- هذا الدفاع التوازنيُّ الجسدي يحدثُ في الحيوانات البدينة وغير البدينة.
- من الواضح أن للعوامل الوراثية دورًا في الحفاظ على النقطة المحددة لوزن الجسد، وعلى إعادة الجسد إليها كلما انحرف عنها بسبب العوامل البيئية المختلفة.
- يبدو أن بعضَ المتغيرات البيئية مثل استساغة الطعام Diet Palatability ومعدل النشاط والتريض وتدخين التبغ واختلافات المناخ وبعض العقَّـاقير تستطيعُ -في حدودٍ معينةٍ- أن تؤثرَ على تنظيم وزن الجسد، فمثلاً يؤدي التريض المنتظمُ إلى خفض النقطة المحددة لجسمٍ ما، بينما يؤدي الإسرافُ في أكل الدهون والسكريات إلى رفعها، وأما الخبر غير السعيد للكثيرين فهو أن الحمية المُنَحِّفَةَ (خاصةً المتكررة) ترفعُ النقطةَ المحددةَ أيضًا، كما أن النقطة المحددةَ ليست ثابتةً طوال العمر فمن المعروف أنها تزيدُ مع التقدم في السن، فليسَ صحيحًا ما تقدمه جداول الوزن والطول على أنهُ مناسبٌ لكل الأعمار وهوَ ما يجعل استخدام تعبير النقطة المحددة أقلَّ تعبيرًا عن الحقيقة من تعبيرٍ مثل الوزن المنظم Regulated Weight.
- لا نستطيعُ إذا التزمنا الصدق (العلمي) أن نقولَ عندما نتحدثُ عن آلية ضبط الجسد عند أو حول النقطة المحددةِ أننا قد فهمنا تلك الآليةَ إلى الحد الذي يمكننا من شرح الكثير من تفاصيل الظاهرة.
واقرأ أيضا:
البدانة من الجمال إلى القبح / مسارُ البدانة من الصحة إلى المرض / تأرجح الوزن (تَـرجافُ الجسدِ) Weight Cycling