بينما تعتمد أساليب إنقاص الوزن التقليدية على تقليل الداخل من السعرات الحرارية عن المفقود بشكل أو بآخر، وتكونُ واضحة في أن هدفها المحوري هو إنقاص وزن الجسد كهدفٍ قريب باعتباره طريقا للسواء الجسدي والاجتماعي، فإن الأساليب السلوكية الحديثة للتعامل مع مشكلة البدانة تضع السواء النفسي الجسدي الاجتماعي هدفا مبدئيا وإن كان على المدى البعيد، وبالتالي تصبح الأساليب السلوكية المعرفية الخالصة كاذبة إن ادعت أنها ستحققُ نتائج سريعة ملموسة ودائمة في إنقاص الوزن، لكنها صادقة حين تدعي أنها تعطي زبائنها نظرةً أخرى وموقفا آخر من العلاقة مع الأكل والجسد ويتم ذلك من خلال تغيير المفاهيم وتحديد السلوكيات المعززة للبدانة من أجل تغييرها بالتدريج وإلى الأبد -وليس لفترة محدودة بوقت البرنامج- فذلك هو الشرط لكي يكونَ ممكنا أن تفقد وزنا وتحفظَ جسدك من استعادته على مدى السنوات، وبالتالي فإن فقد الوزن الناجح والمستديم لا يكونُ إلا من خلال عملية تغيير سلوكية مركبة وغير محدودة بوقت البرنامج.
إذن تتلخصُ الافتراضاتُ المبدئيةُ لبرامج العلاج السلوكي لإنقاص الوزن في إمكانيةِ تغيير وزن الجسد من خلال تغيير عادات الأكل والتريض أو المجهود البدني، وهذه العاداتُ حسبَ الفهم السلوكيِّ هيَ سلوكياتٌ متعلمةٌ وقابلةٌ للتغيير، وإن كانت تحتاجُ لتغييرها على المدى الطويل إلى تغييرات في بيئة الشخص الذي نريدُ تغيير عاداته، فمثلاً نجدُ من ترتبطُ مشاهدةُ برامج التليفزيون عنده بتناول الطعام، فإذا استطعنا فك هذا الارتباط قللنا من كمية الطعام التي يتناولها ذلك الشخص في كل وجبة، وما تزال دراسات تجرى لإثبات ترابط سلوكيات معينة يعتادها الشخص البدين مع ما يشتكي منه من بدانة، فمثلا بينت دراسة حديثة أن العادات الشخصية التالية ترتبط بالبدانة:شرب العصائر والمياه الغازية، تفضيل الأحجام الكبيرة من الشطائر والسندوتشات في محلات الأكل، الأكل أثناء ممارسة أنشطة أخرى كالقيادة أو الجلوس أمام جهاز الكومبيوتر أو التليفزيون، قضاء ساعات أطول أمام الشاشات، عدم اعتقادٍ كبير في أهمية المجهود البدني للصحة، وهذا ما بينته الدراسة الأولى (Liebman, et al.,2003)، وأما الدراسة الثانية فكانت أشبه بمسح ضم عددا كبيرا من الجمهور فظهر ارتباط بين البدانة والعادات التالية: عدد مرات أكل أقل خلال اليوم أي أن البدانة أقل في من يأكلون ثلاث مرات يوميا عن من يأكلون مرة أو مرتين في اليوم!، إهمال وجبة الإفطار، الإفطار أو العشاء خارج البيت (Ma et al., 2003).
وفي حين تبين الدراسات الحديثة أن نتائج البرامج التقليدية لفقد الوزن، لا تتجاوز حالاتها الناجحة على المدى الطويل تعد على الأصابع على مستوى العالم ولا تزيد نسبتها عن 3% أو أقل (Rapoport,1998)، فقد بينت دراساتٌ عديدةٌ أن البرامجَ السلوكيةَ لإنقاص الوزن تستطيعُ إحداثَ نقصٍ يعادلُ10% من الوزن المبدئي خلال فترةٍ تتراوحُ بينَ أربعة شهورٍ وسنةٍ كاملة، وإن كانَ الحفاظُ على الوزن الجديد يحتاجُ إلى استمرار العلاقة مع المعالج واستمرار الالتزام بالسلوكيات المتعلمة مع عدم العودة إلى عادات الأكل والتريض القديمة،
* وبشكل عام نستطيع تقسيم ما يجري في أي برنامج سلوكي معرفي ناجح لمشكلة البدانة على أربعة مراحل:
المرحلة الأولى: هي مرحلة التقييم حيث تلاحظ وتقيم السلوكيات الشخصية لكل فرد من الداخلين في البرنامج، وكلما أديت هذه المرحلة بإحسان كلما تمكن المعالج والمعالج من وضع أو تفصيل خطة مناسبة ومتوافقة مع الفرد ككيان نفسي قائم بذاته.
المرحلة الثانية: هي مرحلة الزخم العلاجي السلوكي حيث يتم تعديل السلوكيات الخاصة بكل فرد مع متابعة ومراقبة مشتركة بين نفسه وبين المعالج، بحيث يصلان معا إلى أفضل التغيرات السلوكية التي يمكن الحفاظ عليها، ويتم تغيير وتعديل المفاهيم المتعلقة بالأكل والجسد وثقافة الصورة في خلال نفس المرحلة عبر جلسات العلاج المعرفي، وتطول هذه المرحلة أو تقصر حسب استجابة وقدرة الفرد.
المرحلة الثالثة: هي مرحلة الفطام التدريجي، ذلك أن من عوامل نجاح المرحلتين الأولى والثانية أن يشعر الفرد بشيء من الاعتماد النفسي المعرفي على المعالج، وفي المرحلة الثالثة يتم تحميله مسئولية الحفاظ على ما وصل إليه بالتدريج أيضًا، ولا يقيم ما تم الوصول إليه بكمِّ فقدان الوزن الحادث وإنما بتغيرات السلوك والمشاعر والآراء تجاه الأكل والجسد.
المرحلة الرابعة: هي مرحلة السواء المستمر في العلاقة مع الأكل والجسد، بحيث تصبح السلوكيات الجديدة في الحياة والتي ينتج عنها انضباط لسلوك الأكل وللعلاقة مع الجسد تصبح جزءًا رئيسا من حياة الشخص اليومية، وهكذا يفترضُ أن يبقى، ومن الممكن أن يجد بعض الأفراد استمرارا في فقد الوزن بينما يجد آخرون الثبات.
ويعتبر الهدف المحوري لأي برنامج علاج سلوكي معرفي ناجح على المدى البعيد لمشكلة البدانة أن نعلم الشخص مهارات الحفاظ على سلوكياته الصحيحة الجديدة التي صاحبها انضباط الأكل والجسد، ويتم ذلك كله من خلال خليط مناسب من الأساليب السلوكية المختلفة، والتي يمكننا عرضُ الأفكار الجوهرية لاستراتيجيات العلاج السلوكي المتبعة في مثل هذه البرامج تحت العناوين الثلاثة التالية:
(1) أساليبُ تركزُ على السلوك:
مراقبةُ النفس Self-Monitoring: ويقصدُ بها تدريب المُعـالجين على تسجيل ما يتناولونه من طعامٍ خلال اليوم مع الوعي بمحتواه من السعرات الحرارية، إضافةً إلى تسجيل المجهود البدني وأنشطة التريض المختلفة مع ما تستهلكهُ من سعراتٍ حرارية أي أن المعالِجَ يضعُ المُعَالَجَ أمام نفسه ويطلبُ منهُ مراقبتها، لكي يزيدَ من وعيه بما يفعل، ويساعدهُ على اكتشاف السلوكيات الضارة التي قد تكونُ غائبةً عنه خاصةً عندما يتمُّ ربط هذه الأنشطة بالأحداث اليومية والمشاعر المصاحبة لسلوكيات الأكل والتريض(Wadden ,1993).
تحديدُ الهدف Goal Setting: حيثُ يتعلمُ المعالَجُ كيف يضعُ لنفسه أهدافًا قريبةً وممكنةَ التحقيق وإن كانت أهدافًا تتسمُّ بتحدي الذات، كأن يفقد نصف كيلو جرام أسبوعيا، أو أن يزيد من مقدار الوقت الذي يقضيه في التريض.
حَلُّ المعضلة السلوكية Problem solving: ويقصدُ بها دفعُ الشخص إلى تصحيح مشكلتهِ السلوكية المتعلقة بالأكل أو التريض بنفسه، وذلك من خلال تبينِ المشاكل المتعلقة بالوزن، والأسباب السلوكية التي أدت لها، ثمَّ يتمُّ استعراضُ الخيارات العديدة الممكنة لتصحيح الخطأ فيها، ثم التخطيطُ والتنفيذُ للخيار الأكثر صحيةً والذي تم الرسُوُّ عليه، مع تقييم النتائج النهائية للتغييرات الممكنة في السلوك، مع تعليم الشخص كيفَ يواجهُ العقبات ومرات الفشل بالنظرِ إلى ما تعلمَ منها واعتبارها خبرةً أفادته على أي حالٍ، لا أن يلجأ للوم نفسه ومعاقبتها(Wadden ,1993) مثلما يفعلُ الكثيرون.
(2) أساليبُ تغيير المشعرات السابقة للسلوك Changing Cues:
ضبطُ المثيرات Stimulus Control: حيثُ يتعلمُ المعالَجُ كيفَ يزيلُ مثيرات السلوك غير المرغوب فيه، وكيفَ يعرضُ نفسهُ لمثيرات السلوك المرغوب فيه، كأن يتعلمَ ألا يشتري عبوات الآيس كريم العائلية مثلاً، أو أن يضعَ جهاز التريض في مكانٍ ظاهرٍ في غرفة المعيشة (Wadden ,1993).
التعديل المعرفي Cognitive Restructuring: ويقصدُ به تغير الطرق التي عادةً ما يفكرُ بها المتبعونَ للحمية عندما يفلتُ زمامُ الأمور من أيديهم لسببٍ أو لآخرَ فهناك مثلاً من إذا تناولَ حبةً من فاكهةٍ ممنوعةٍ، قالَ لنفسه إذن أنا ضيعت النظام اليوم ولا مانع من التهام عشرة حبات من هذه الفاكهة فلا فرق في النهاية، ومثل هذا الشخص يحتاجُ أن يفكرَ بطريقة أخرى مثل، لقد أكلتُ الآن إصبع الموز وكسرتُ الحمية، لكنني أستطيعُ أن ألتزمَ بقيةَ النهار، كما تعنى أساليب التعديل المعرفي كذلك بتغيير الأفكار والمعتقدات الخاطئة الخاصة بالوزن وبصورة الجسد (Wadden ,1993)، وكذلك تغيير التوقعات غير الواقعية التي غالبًا ما تسببُ الإحباط مثلَ مادمتُ لم أستطع إنقاص وزني مثل الآخرين فلن أستطيع، أو مثل يجبُ أن أنقصَ الوزن بصورةٍ أسرع مما يحدثُ الآن.
التعاملُ مع الكروب Stress Management: نظرًا لأن الكرب في الكثير من ضحايا البدانة دائمًا ما يكونُ مصحوبًا بالنزوع إلى الأكل (وربما إلى القشم Over-Eating أحيانًا)، ونظرًا لأن التعاملَ الصحيحَ مع الكربِ بملابساته المختلفة يمكنُ أن يكونَ بمثابةِ نزعٍ لفتيل الأزمة (المتمثلةِ في الانفلات تجاه الأكل)، فإن أساليب مكافحة الكرب المختلفةَ مثل تدريبات الاسترخاء Relaxation Techniques، وغيره من أساليب مكافحةِ Coping strategies الكرب التي تعتمدُ أساسًا على العلاج السلوكيِّ المعرفي هيَ أحدُ الأساليب التي تدمجُ في خطة البرنامج السلوكي لتشتيتِ ملابسات الانفلات تجاه الأكل.
(3) أساليبُ تغيير المُدَعِّمات Changing Reinforcers:
تدعيمُ النفس Self Reinfocement: ويقصدُ بها أن يكافئَ المعالَجُ نفسهُ كلما أفلح في الوصول إلى هدفٍ محدد مسبقًا، كأن يدخرَ ثمنَ وسيلة المواصلات كلما استغنى عنها بالترجل (المشي) ، ليشتري ثوبًا جديدًا على سبيل المثال.
التعاقدات المشروطة Contingency Contracts: كأن يوقعَ المُعَالَجُ اتفاقًا مع المعالِجِ أو مع أحد أصدقائه أو أفراد عائلته بحيثُ يشترطُ فيه الحصولُ على مكافأةٍ ما فقط إذا نجحَ في الوصول إلى هدفٍ محددٍ كوزنٍ معينٍ أو الامتناع عن تناول طعامٍ ما مثلاThomas ,1995)) و(Wilson & Fairborn ,1997).
وتضيفُ بعضُ البرامجِ السلوكيةِ نوعًا من الدعم الاجتماعي Social Support من خلال الاستعانة بأعضاء الأسرة أو الأصدقاء للحفاظ على دافعية المُعالَجِ للاستمرار في البرنامج أو الحفاظ على ما نجحَ في تحقيقه من خلال تقديم الدعم الإيجابي Positive Reinforcement، كما أن الانضمام إلى مجموعةٍ علاجيةٍ من مجموعات دعم مُنقِّصي الوزن Weight Reduction Support Group يساعدُ الكثيرين منَ المعالَجين.
وتعتبرُ برامجُ إنقاص الوزن التي تجمعُ بينَ الحمية المنحفة والعلاج السلوكي هيَ أفضلُ برامج علاج البدانة نجاحًا خاصةً من ناحية الحفاظ على النتائج، ومثلما هو الحالُ في برامج العلاج السلوكيِّ المختلفةِ فإن أهمَّ نقطةٍ هيَ اختيارُ الأساليب المناسبة لكلِّ مريضٍ على حدة (Wadden & Foster,1992)، وأما الأساليبُ التي يتمُّ من خلالها تطبيقُ مبادئ العلاج السلوكي فهيَ عديدةٌ وهذا ما يمكنُ المعالج من اختيار ما يناسبُ كلَّ حالةٍ على حدة، كما يمكنُ تطبيقُ البرنامج بصورةٍ فرديةٍ أو جماعيةٍ حسب احتياجات كل مريضٍ أيضًا.
وقد أظهرت نتائج دراسة تتبعية حديثة أنه كلما زادت السلوكيات التي يتم تغييرها أو تعديلها إلى سلوكيات أكثر صحة، وكلما تعلم الشخص التحكم المرن في سلوك الأكل، والتعامل مع الكروب، كلما كان أكثر قدرة على الاحتفاظ بما وصل إليه من نتائج بعد ثلاث سنوات من المتابعة (Westenhoefer, 2004).
المراجع:
1- Liebman, M., Pelican, S., Moore, S.A., Holmes, B., Wardlow, M.K., Melcher, L.M., Liddil, A.C, Paul, L.C., Dunnagan, T., & Haynes, G.W. (2003). Dietary intake, eating behavior and physical activity-related determinants of high body mass index in rural communities in Wyoming, Montana and Idaho. International Journal of Obesity, 27, 684-392.
2- Ma, Y., Bertone, E.R., Stanek, E.J., Reed, G.W., Hebert, J.R., Cohen, N.L., Merriam, P.A., & Ockene, I.S. (2003). Association between eating patterns and obesity in a free-living U.S adult population. American Journal of Epidemiology, 158(1), 85-92
3- Rapoport L. (1998). Integrating cognitive behavioural therapy into dietetic practice: a challenge for dietitians. J Hum Nutr Diet; 11: 227 ± 237.
4- Wadden TA. (1993) : The treatment of obesity. In:Stunkard AJ, Wadden TA, eds. Obesity: Theory and Therapy. New York: Raven Press; 1993:197-217.
5- Wilson GT& Fairborn CG. (1997) : Treatments of eating disorders. In: Nathan PE, Gorman JM, eds. A Guide to Treatments That Work. New York: Oxford University Press; 1997:501-530.
6- Thomas PR, ed. (1995) : Weighing the Options. Criteria for Evaluating Weight-Management Programs. Washington, DC: National Academy Press; 1995.
7- Wadden TA and Foster GD. (1992) : Behavioral assessment and treatment of markedly obese patients. In: Wadden TA, VanItallie TB eds.Treatment of the Seriously Obese Patient. New York: Guilford Press;:290-330.
8- Westenhoefer, J., Falck, B. V., Stellfeldt, A., & Fintelmann, S. (2004). Behavioral correlates of successful weight reduction over 3 y. Results from the Lean Habits Study. International Journal of Obesity, 28, 334-335
اقرأ أيضاً على مجانين:
أكذوبةٌٌ اسمها (الريجيم) الحميةُ المنحفة / أكذوبةٌ اسمها أغذيةُ الحمية المنحفة / أكذوبةُ الوزن المثالي Ideal Weight