من خلال بريد المشاركات وصلتنا مشاركتان متتاليتان إحداهما تتعلق بمقال أكذوبة الوزن المثالي على باب البدانة والنحافة، والثانية تتعلق باستشارة: أولا لا تعبدي الصورة وثانيا تابعينا من على استشارات مجانين، ونظرا لتشابه الموضوع فقد قررنا الرد عليهما معا هنا على باب البدانة والنحافة:
فمن ناجح محمد عزت صالح عباس من الأردن وتحت عنوان "الوزن المثالي" وصلنا ما يلي:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
قرأت في موقعكم عن أكذوبةُ الوزن المثالي فما رأيكم في الملاحظة التي تقول أن كل كيلو غرام زيادة عن الوزن الطبيعي "الذي أصبحت لا أعلم ما هو" تزيد من الحمل على المفاصل بمقدار ست أضعاف أي ستة كيلوات فما رأيكم.
أرجو تزيدنا بالمعلومات الوافية عن أكذوبة الوزن المثالي.
وجزاكم الله خيرا.
أخوكم ناجح
14/4/2005
ومن الطالبة المصرية "هدهد" 19 وصلتنا المشاركة التالية:
قرأت على موقعكم استشارة: أولا لا تعبدي الصورة وثانيا تابعينا..، وفاجأتني أشياء كثيرة خاصة في الروابط الموجودة داخل الإجابة، ولكنني أتساءل هل أكيد أنها كذبة؟ وماذا تفعل البنت في مواجهة هذا كله، كل ما حولنا ومن حولنا يطالبنا بأن نكون على المقاس، الناس والأهل والملابس والجرائد والمجلات ووسائل الإعلام كلها ماذا نفعل؟ وما هو البرنامج العلاجي الذي تشيرون إليه؟
18/4/2005
الأخ العزيز والابنة العزيزة أهلا وسهلا بكما على مجانين، وشكرا على ثقتكما وثنائكما على الموقع، وعلى تذكيرنا بهذا المقال الذي كان من أوائل ما كتبنا على مجانين، وكما بينا في ذلك المقال فإن فهما خاطئا أو قل تعميما خاطئا هو سبب انتشار مفهوم الوزن المثالي للجسد Ideal Body Weight والذي يعبر عنه بالوزن كذا يقابل الطول كذا، والحقيقة أن ذلك المفهوم وجد استحسانا في الفكر الغربي فقبلوه وانتشر حتى غزا معظم شعوب العالم كلها، كما فعلت وتفعل معظم مفاهيم الغرب، وصولا إلى الإنسان الحائز على علامة الأيزو!
وعلامة الأيزو الإنساني مع الأسف ليست تعبر إلا باستيفاء مجموعة معايير تساوي ما يستحسنُ مجموعة محدودة من خلق الله الغافلين عن أن التنوع هو سنة الله في الأرض كما سأوضح لك لو أكملت قراءة ردي هذا،.... ومفهوم الوزن المثالي أيضًا، هو أحد تجليات ما حدث من تغيرات في كيف يقيم الناس أنفسهم وبعضهم بعضا. وسبب استحسان ذلك المفهوم في الحس الفكري الغربي العام بالأساس هو تماشيه مع بعض صفات ذلك التفكير، ذلك أنه مما يميز الفكر الغربي أنه تفكير إقصائي Exclusive Thinking بمعنى أن نموذجا معينا لكل صنف من أصناف الموجودات (المادية والمعنوية) هو النموذج المثالي Ideal Model، وما عداه بالتالي أقل مثالية وأقل قيمة، وتحت الضغوط التي يعيشها الناس في المجتمع الغربي الحديث وهو مجتمع التنافس وثقافة الصورة والعناية بالشكل ولو على حساب المضمون، تحت هذه الضغوط ترزح حياة الملايين من الناس في الغرب بين صالات الحمية المنحفة وعيادات التجميل، وهذا هو ما بدأ العقلاء منهم يقولونه وبأعلى أصواتهم، مطالبين بالكف عن تصديق "خرافات Myths" كالوزن المثالي للجسد حسب جداول الوزن مقابل الطول ومعايير الجمال... إلخ، وهؤلاء العقلاء في الغرب يصرخون محاولين إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مفاهيم وسلوكيات الناس فيما يتعلق بأكلهم وأجسادهم، وتقييمهم للآخرين.
إذن هي كذبة فعلا حكاية أن الوزن المثالي: هو وزن يرتبط بالطول بشكل يصلح للتعميم، والحقيقة هي أن الوزن المثالي لأي شخص هو الوزن الذي يشعر فيه بلياقته وهو يؤدي أنشطته اليومية المختلفة، وليس لياقته البدنية لارتداء زي معين مثلا!، وبالمناسبة فإن بعض شركات تصميم الأزياء وبعض منظمي عروض الأزياء انتبهوا في الفترة الأخيرة إلى فداحة الحالة التي أوصل إليها الإلحاح على نموذج واحد للمرأة الجميلة هو النموذج النحيل بل المتناحل بالتدريج على مدار الأعوام، كما ذكرنا في أكثر من مقال مثلا رؤية المرأةِ لجسدها من منظور اجتماعي .
المهم أنه أصبح في فترة ما -وما يزال- من البديهي في الفكر الغربي السائد أن وزنا معينا هو النموذج الصحي الذي يجب على الآخرين أن يتخذوه هدفا للوصول، ومع التطورات التي حدثت في كل المعارف البشرية المادية ووسائل التكنولوجيا الحديثة كان مطلوبا من العلماء والأطباء ومهندسي التقدم الصناعي والتكنولوجي أن يقدموا للناس السبل للوصول إلى النموذج المثالي ولهذا ظهرت آلاف الأبحاث والأساليب والأجهزة من أجل مساعدة الناس على تحقيق أحلامهم بالوصول إلى الوزن المثالي للجسد والحفاظ عليه وأصبح الوعي بالوزن Weight Consciousness جزءًا من الثقافة الغربية.
هكذا إذن أُخذت نتائج أبحاث شركات التأمين على الحياة والتي كانت تبحثُ عن الأوزان التي يتوقعُ لها صحةً أفضلَ وقدرةً على الحياة لفترةٍ أطولَ لكي لا تخسر شركاتُ التأمين، ودون مراجعة ولا كثير من التدبر سرى مفهوم الوزن المثالي، أُخذت النتائج والمقاييسُ إلى صانعي الصور وصانعي النجوم وتجار الجمال وصانعي السينما... وووووو.... وربطت به صفات التفوق والنجاح والتميز والثقة والجمال والأناقة والذكاء.... ووووو... ولم تناقش صلاحية المفهوم المبني على تلك القياسات للتعميم إلا أخيرا مع الأسف.
وبعدما أصبحت هناك شركات كاملة وخطوط إنتاج لمنتجات وأجهزة تساعد في الوصول إلى الوزن المثالي للجسد، وبعدما وزعت آلاف الشركات خلال أنشطتها الدعائية جداول الوزن والطول التي حكينا قصتها في مقال أكذوبةُ الوزن المثالي، على معظم الأطباء وأصحاب مؤسسات التجميل والتخسيس وغيرها، بل إن الأفدح كان أنها درست في كليات الطب في وقت من الأوقات، وأخشى أن بعضًا من ذلك لم يزل على الأقل في بلادنا الواعية.
وقد انتقلت مفاهيم الغربيين في كل شيء لنا واعين نحن وغير واعين، حتى أن معظمنا يستخدم طريقة التفكير الإقصائي Exclusive Thinking في حكمه على الناس والنماذج بالرغم من تنافي ذلك مع أسس الفكر الإسلامي الذي يتميز أصلا بأنه تفكير ضام Inclusive Thinkingأي أنه ليس تفكير نموذج واحد صحيح، بل إن التنوع هو الأصل ويقاس الناس وأفعالهم بمعايير أخلاقية وسلوكية لا شكلية، فكل أشكال البشر مقبولون ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وأحسب المعنى واضحا.
وأما دليل أن التنوع سنة الله في خلقه وآية من آياته سبحانه فخذ عندك: يقول جل وعلا: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ...........} (هود:118، وأول الآية :119) صدق الله العظيم، وأيضًا:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ} (الروم:22) صدق الله العظيم، فهذا دليل على أن تنوع الناس في كل شيء هو سنة الله في الأرض، وأما دليل أن تقييم الناس لأنفسهم ولبعضهم بعضا يفضل أن يكونَ بمضامينهم لا بأشكالهم فيكفيك قوله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13)، صدق الله العظيم، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله لا ينظرُ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم" صدق رسول الله عليه الصلاةُ والسلام أخرجه مسلم في صحيحه
ليست لدي معلومة علمية تؤكدُ أو تنفي ما تقوله من أن: (كل كيلو غرام زيادة عن الوزن الطبيعي.... تزيد من الحمل على المفاصل بمقدار ست أضعاف أي ستة كيلوات)، لكنني أقول لك اقرأ مقالنا السابق عن نظرية النقطة المحددة Set Point ، ولعلك أن تفهم منه أن مقولة كهذه يصعبُ أن تكونَ علمية أو موضوعية وراجع أيضًا ما ذكرناه في مقال:مسارُ البدانة من الصحة إلى المرض، لتعرف أن أشياء كثيرة تقف في الخفاء خلف نتائج الدراسات التي تتلقفها شركات الدعاية وتنفخ فيها من أجل ترويج عقَّار أو آلة تخسيس أو غير ذلك، وما أكثر المستفيدين من صرعى الوزن الزائد الذين يكتشفون بعد حين أن المكان الوحيد الذي يفقدون منه الوزن فعلا هو جيوبهم، وكثيرا ما يفهمون ذلك فقط بعد فوات الأوان.
وأما الإجابة على ماذا تفعل البنت في مواجهة هذا كله فإن الرد موجود ضمن ردنا على صاحبة مشكلة: هاجس البدانة والزواج...هل تساعدونني؟، ومشاركتان في الموضوع:هاجس البدانة والزواج : هل تساعدونني مشاركة، هاجس البدانة والزواج هل تساعدونني مشاركة2 ومتابعة هاجس البدانة والزواج هل تساعدونني متابعة، فأحيلك يا ابنتي إلى تلك الروابط وأما البرنامج الذي أشرنا إليه فإن الجزء الأول منه هو المنشور على باب البدانة والنحافة تحت عنوان: جدد علاقتك بأكلك وجسدك، وقريبا سينشر الجزء الثاني إن شاء الله وأهلا وسهلا بكما دائما على مجانين.
اقرأ أيضاً على مجانين:
جدد علاقتك بأكلك وجسدك / العلاج السلوكي لإنقاص الوزن / لماذا تفشل أساليب الرجيم الغذائية? Why Diets Fail?