بعد مرور أربعة أشهرٍ على الالتزام بما ذكرناه في جدد علاقتك بأكلك وجسدك وهي المرحلة الأولى من برنامجنا العلاجي المعرفي السلوكي المقترح لمشكلة الرضا عن صورة الجسد والعلاقة مع الأكل، يجيء الآن موعد المرحلة الثانية، وليس شرطا ألا تزيد المدة الزمنية للمرحلة الأولى عن أربعة أشهر فمن الممكن أن تكونَ ستة أو أكثر لكنها لا ينصح أن تقل عن أربعة أشهر وظننا الأولي هو أنه كلما كانت مشاكل الإنسان مع جسده ومأكوله أطول عمرا كلما كان انضباط تلك العلاقة أبطأ حدوثا، وعلى أي حال أقول لكل من بدأت معنا والتزمت: يمكنك الآن أن تنظري إلى جسدك في المرآة، وغالبًا سترينه أجمل، ولذلك سببٌ لاحظهُ الأطباءُ النفسيون كثيرًا أثناء علاجهم لمريضات اضطرابات الأكل، وهو أن من لديها مشكلةٌ في علاقتها بالأكل، ومن تتأرجح بين أمواج الحميات المنحفة، غالبًا ما ترى جسدها في المرآة أسوأ بكثيرٍ مما هو في الحقيقة، كما لاحظ الأطباءُ النفسيون أن ذلك الوضع يتحسنُ بعد تحسن سلوكياتها في الأكل، وأنت الآن لم تتحسن سلوكياتك في الأكل فقط، بل أصبحت تأكلين على سنة سيد الخلق عليه الصلاة والسلام.
-1- بعد استمرارك على الخطوات السابقة ثلاث مرات كل يوم لمدة أربعة أشهر على الأقل، ابدئي في محاولة التمييز بينَ شعورك بالجوع، وبين شعورك بالاشتهاء لطعامٍ ما فهنالك فرق بين الحالتين، وإذا وجدت أنك تحسين بالجوع ثلاث مرات كل يوم فاحمدي الله وهنيئًا لك لأنك استعدت القدرة على فهم إشارات جسدك، وأصبحت أكثر إحساسًا به وقبولاً وحبًّا له، ولا تنسي أبدًا أن جسدك أمانةٌ أبدعها وأودعها الله لديك.
ولكن ماذا يكونُ الحل إذا لم تشعري بالجوع؟ أو لم تتمكني من التفريق بينَ الجوع والشهية؟ عليك أولاً أن تعرفي أن ذلك ليسَ أمرًا عجيبًا أو غريبًا أو نادرَ الحدوث خاصةً بينَ ضحايا الحمية المنحفة، فليس من المنطقي أن تتوقعي بعد فتراتٍ طويلةٍ من تجاهل أو مقاومة الإشارات الطبيعية للجسد أن يعودَ الجسد إلى إرسال إشاراته التي توقف عن إرسالها -من طول ما تم تجاهلها- بينَ يومٍ وليلة، الخطوةُ الأولى إذن هيَ أن لا تنزعجي ثم استمري على الأكل بنفس الكيفية السابقة ثلاث مراتٍ في اليوم وافصلي بينَ كل مرةٍ والتي تليها بما بأربعة أو خمسة ساعات من ساعات اليقظة، واسألي نفسك قبل كل وجبة عن مشاعرك لحظتها.
فإذا حدثَ أنك استطعت الوصول إلى التفريق بينَ الجوع والشهية، فأنت الآن بالفعل ستبدئين المرحلة الثانية من البرنامج، إذن يمكنكِ الآن أن تزني جسدك، قد لا يكونُ الهبوط في الوزن كبيرًا، لأننا لم نبدأ المرحلة الثانيةَ من البرنامج بعد، ولكن أهم الفروق بينَ ما يمكنُ أن تكوني قد فقدته من الوزن عند هذه النقطة هو أن هذا الوزن المفقود يختلفُ عن أي فقدِ وزنٍ عرفته أثناء تجاربك السابقة مع الحمية المنحفة لأنه فقدَ دونَ حميةٍ منحفةٍ فأنت لم تمارسي أي حميةٍ في الجزء الأول من البرنامج أصلاً، وأما الفرق الأهم فهو أن ما فقدته حتى الآن ليسَ فقدًا خائبًا تتمُّ استعادته بعد فترةٍ قصيرةٍ أو طويلة، وذلك لسببين أولهما أنهُ فقد بشكلٍ طبيعي دونَ حميةٍ ودون نيةٍ حتى من جانبك، وثانيهما أن التزامك الذي سيستمرُّ إن شاء الله بالخطوات السابقة نفسها لا يمكنُ معه أن تكسبي وزنًا ما دمت قد تعديت مرحلة البلوغ اللهم إلا إن رزقك الله بحمل جديد، واستمرارك حتى في هذه الحالة على نفس الخطوات السابقة يعني أنك ستلدين وترضعين بفضل الله طفلاً صحيحًا، بينما يعود إيقاع جسدك ووزنه إلى الانتظام من تلقاء نفسه فقط تابعي التزامك بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
-2- لا تأكلي في السر أو وحدك أبدًا قدر الإمكان، وأحيطي نفسك قدر استطاعتك بمن لا يقيمون الناس بأشكالهم، وتأكدي أنهم موجودون، ليسَ لأن شكلك سيظلُّ كما هو، فالتحسنُ مضمونٌ بفضل الله ورجوع جسدك إلى طبيعته حادثٌ حادثٌ إذا التزمت بما سبق وما يلي، وأنا أطلبُ منك ذلك لأنني أريدك أن تأكلي مع الناس وليسَ وحدك أبدًا قدر الإمكان، لأن الاجتماع على الأكل أدبٌ إسلامي أصيل، وحبذا لو كانَ المجتمعون ملتزمين بآداب الإسلام ليس فقط في الأكل وإنما في تقييم الناس بعضهم لبعض أيضًا، وتذكري الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا ينظرُ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظرُ إلى قلوبكم" صدق رسول الله عليه الصلاةُ والسلام، رواه مسلم، فألزمي نفسك باتباع السنة النبوية الشريفة وأعلني ذلك لكل من حولك فاجهري بالتسمية أول الأكل وبحمد الله في آخره.
ومن أهمِّ فوائد الاجتماع على الأكل أنهُ يعطي الآكلَ قدرةً أكبرَ على الالتزام بالسلوكيات المطلوبة منه، كما أن إعلانه الالتزام بالسنة سوفَ يدفعُ الآخرين من مَن يأكلونَ معه إلى تنبيهه كلما أخطأ خاصةً في المراحل المبكرة من البرنامج، إضافةً إلى ما في ذلك من حفزٍ لتغيير القيم المعرفية الدخيلة على أسرنا، ولعل فائدةَ ذلك تتضحُ أكثر عندما يبدأ متبعو البرنامج في الحصول على النتائج الطيبة بإذن الله.
-3- إذا كانت لديك ما تزال صعوبةٌ في تفهم إشارات جسدك وطريقته في التعبير عن الجوع لا تنزعجي كثيرًا، فقط راجعي التزامك بالخطوات السابقة من القسم الأول، لأن عليك الآن أن تبدئي في زيادة وعيك بالأكل، بتطبيق ما ذكرته لك كنصائح من قبل، فلم تلزمي نفسك بها لأنها كانت نصائح، لكنها الآن خطوات أصبح يجب الالتزامُ بها وإن كان لك أيضًا أن تختاري، فمثلاً أحسني الوضوءَ قبل الأكل أو اجلسي للأكل في وضعٍ كوضع التشهد في الصلاة، أو استخدمي أصابع يدك اليمنى الثلاثة في الأكل كلما كانَ ذلك ممكنًا، فمن شأن ذلك أن يزيدَ من قدرتك على إدراك ما لم تدركيه بعد.
-4- لا تنامي بعد الأكل، عليك بالتريض، يمكنكِ المشيُّ ويمكنك استخدام أجهزة التريض المنزلية الحديثة خاصةً في الصباح وفي الظهيرة، وأنا أفضل الصلاة التي تطيلين فيها الوقوف والركوع والسجود لله في كل وقت، وخاصةً في الليل، وانتبهي إلى أن التريضَ البدني في عصرنا أصبحَ ضرورةً يعيها كل عاقل، لأن حياتنا العصرية خاملةٌ بدنيا بكل معنى الكلمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر الصحابةَ بأن يذيبوا طعامهم بذكر الله والصلاة ولا يناموا بعد الأكل لكي لا تقسو قلوبهم، وقليلونَ منا اليوم من يقومُون الليل لتصبحَ الصلاة لهم تريضًا بدنيا ونفسيا، لكننا نستنتجُ من ذلك أن التريض بعد الأكل هو واحدٌ من وصايا النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولك في النهاية أن تختاري شكل التريض الذي تفضلين أو تحسين أنك تحتاجين إليه.
لكن المهم هو أن تختاري نوعًا من التريض يدخلُ ضمنَ حياتك ببساطة ولا يحشرُ حشرًا، فمثلاً استبدلي استخدامك للمصعد الكهربي دائمًا بصعود السلم، كفي عن استخدام السيارة يوميا في الذهاب لمكان ما واستبدليها بالسير على قدميك، فقد أعطاك الله جسدًا لكي تستخدميه لا أن تشوهيه بعدم الاستعمال.
وكل ما سبقَ من خطوات هو المطلوب من كل من يريدُ الحفاظ على وزنه أو جعله أقربَ ما يكونُ إلى الطبيعي أو إلى الصورة التي يفترضُ أنها صورة جسده لو أنهُ عاش حياتهُ بصورةٍ صحيحةٍ من قبل، وكل ما سبقَ في نفس الوقت ينتجُ عنهُ فقدانُ وزنٍ دونَ أن تكونَ هناكَ حميةٌ إلا إذا قلنا أنها الحميةُ التي علمها لنا صلى الله عليه وسلم، وهيَ الوحيدةُ التي لا تضر! لأنها الحميةُ الوحيدةُ التي تُعلِّمنا أن نستجيبَ لإشارات الجسد الطبيعية فنأكلُ عندما نجوعُ، ولا نأكلُ لأننا نشتهي، وكل الخطوات السابقة أيضًا هي الخطوات التي ينبغي لمن يريدُ أن ينقصَ وزنهُ أن يطبقها كبدايةٍ لإنقاص وزنه فإذا ما أتمَّها وأصبحت هيَ سلوكياته الدائمةُ في الأكل، بدأ بعد ذلك تطبيقَ الخطوة الأخيرة إذا احتاجَ إليها بعد ستةِ أشهرٍ من بداية البرنامج، فمن يريدونَ إنقاص أوزانهم، مثلا من يريدُ زوجها منها أن تقلل وزنها أو من تريدُ بنفسها ذلك، هؤلاء يحتاجونَ إلى إضافةٍ أدبٍ آخرَ من آداب الأكل في الإسلام وهو الإمساكُ قبل الشبع.
ونحتاجُ أولاً إلى تعليم الشخص كيفَ يتعرفُ على علامات الشبع، فنحنُ وإن كنا كلنا نعرفُ أو بالأحرى نعتقدُ أننا نعرفُ علامات الشبع، فإن الأمرَ ليسَ بهذه البساطة، وعلى الأقل عند ضحايا الحميات المنحفة فهم كثيرًا ما يفقدونَ تلك المعرفة، بالضبط كما فقدوا معرفتهم بعلامات الجوع، وعند الكثيرين والله من الذين لم يجربوا الحميةَ المنحفةَ ولم يصادفوا مشاكل تتعلقُ بالأكل ولكنهم فقط لم يفكروا بالأمر، ولعل ما أقصدهُ يتضحُ بقراءة مقالنا السابق: الجوع والشهية ومعاملُ الشبع.
-5- عليك الآن إن لم تكوني قد دربت نفسك على البدءِ بالفاكهة كما نصحتك في الخطوة الخامسة من الجزء الأول من البرنامج، عليك الآن أن تبدئي في تدريب نفسك على ذلك، كما أن عليك أن تفكري جيدًا في الفرق بينَ الجوع والشهية وأن تستبصري ذلك في نفسك بجدةٍ واجتهادٍ أكثر مما سبقَ أن فعلته في خطوات هذا الجزء الأولي، وكذلك فرقي جيدًا بينَ من يعرفون الشعور بالامتلاء ويسمونهُ بالشبع، وبينَ من يعرفونَ الشبع الذي سبقهُ الجوع كما بينت لك من قبل أو على الأقل فرقي بينَ الشبع والامتلاء، واسألي نفسك بنفسك هل هما متلازمان؟
-6- ابدئي الآن في إضافة صوم التطوع إلى برنامجك الأسبوعي يومين كل أسبوع، مع ضرورة الالتزام بتأخير السحور وتعجيل الإفطار، وعند السحور تذكري جيدًا أن تتوضئي قبل الأكل، فأنا لا أريدك أن تأكلي وأنت غير واعيةٍ تمام الوعي أبدًا، والتزمي بكل ما سبقَ شرحهُ من سلوكيات، ثم ابدئي من بعد صلاة العصر في استبصار الطريقة التي يعبرُ لك جسدك بها عن حاجته للغذاء أي عن الجوع، فإذا حان موعد الإفطار فافعلي بالحرف الواحد ما كانَ يفعلهُ الرسول صلى الله عليه وسلم، أي اكسري صومك بقليلٍ من التمر والماء، ثم توضئي مرةً أخرى لصلاة المغرب، وارجعي بعد ذلك لتناول إفطارك ملتزمةً بما تعلمت من سلوكيات الأكل في الإسلام، وتوقفي عن الأكل عندما تبدئين في الشعور بزوال علامات الجوع وكما قلنا من قبل فإن ذلك سيبدأ بعد عشرين دقيقةٍ على الأكثر، ولا تلقي سمعًا لمن يقول لك: "كلي فقد كنت صائمة" لأنك عندما تبدأ علامات الجوع في الزوال تكونين بالفعل قد أكلت ما يلزم جسدك من الغذاء.
-7- تستطيعين ما دمت على نفس الخطوات السابقة وتأكلين بالكيفية المذكورة، أن تنقصي مدة أكلك ربما للنصف، وتعلمي عند هذه المرحلة أننا مأمورون شرعًا بأن نستجيبَ دائمًا لشعورنا بالجوع لأن ذلك يحافظُ على الجسد، ومأمورون في نفس الوقت بأن نقاوم شهيتنا للطعام، لا أن نتجاهلها تماما ولا أن نستسلمَ لها تماما، مع تذكير نفسك بأن الإمساك قبل الشبع أيضًا من السنة المؤكدة، وحتى لو لم تلتزمي بالسنة منذ البداية فتأكدي أنك ستكتشفين شعورًا بالشبع بعد كميةٍ أقل بكثيرٍ من كل ما تعودت أكلهُ من قبل، مع أنك لم تفعلي شيئًا غير السنة.
-8- إذا كنت بعد مرور ستة أشهر من بدايةِ التزامك بسلوكيات هذا البرنامج بجزأيه الأول والثاني واستطعت الآن إتقان فهمك للغة التي يتكلمُ بها جسدك معك ولكنك لم تصلي بعد إلى الوزن المثالي في رأيك، فتعالي نناقش حكاية الوزن والصورة، عليك إن شئت أن تبحثي بنفسك عن أصل جداول الوزن في مقابل الطول وستعرفين أن القيم المدرجةَ فيها هيَ أرقامٌ اعتباطيةٌ في الأساس (كما يصفها الباحثونَ الغربيون أنفسهم) وضعها واضعوها في خمسينات القرن الماضي في بلادٍ غير بلادنا، وعرفَ العلماءُ الغربيونَ منذ ما يزيدُ على 20 سنة أنها أرقامٌ لا تصلحُ للتعميم على أكثر من خمس النساء الغربيات، فما بالك بالعربيات.
ويتبع:........ نصائح لمتبعي برنامج جدد علاقتك بأكلك وجسدك
واقرأ أيضًا:
أولا لا تعبدي الصورة وثانيا تابعينا / الأصل وصورة المرآة: وما أدراك ما المرآة / هل البدانة مرض؟ / من قال إنها إرادة؟ إنه الجسد صنع الله