تثبيت (أو تخييط) الفكين رسم توضيحي
يعتبرُ اللجوء للعلاج الجراحي اعترافًا بفشل الوسائل الطبية في معالجة البدانة، ولكن الجراحةَ لا تصلحُ لكل حالات البدانة بل إن لهذه الجراحات العديد من المحاذير Contraindications، أي أنها لا يصحُّ أن يصفها الطبيبُ ولا أن يقومَ بها الجراحُ في العديد من الحالات مثل: أن يكونَ الوزنُ الزائد عند الشخص أقل من 45 كيلو جرام، أو أن تكونَ البدانةُ ناتجةً عن سببٍ عضوي، أن يكونَ العمرُ أكثر من خمسين سنة، أو في حالة وجود أي قصور في وظائف الكلى أو الكبد، أو وجود اضطراب الاكتئاب أو الإدمان أو أي اضطراب نفسي مزمن، أو في حالة عدم مرور المريض بمحاولات حميةٍ طبية سابقة، أي أنهُ يجبُ أن تكونَ البدانةُ مفرطةً في سنٍّ صغيرةٍ، وحالةٍ صحيةٍ عامةٍ جيدة، وليسَ هناكَ اضطرابٌ نفسي؛
والبدانةُ ناتجةٌ غالبًا عن الإفراط في الأكل، إضافةً إلى الفشل في النجاح في، أو الاحتفاظ بنتائج الحمية، وبعض الجراحين أيضًا يشترط وجود واحد على الأقل من المضاعفات الطبية التي تعزى إلى البدانة المفرطة، وبالرغم من ذلك تعددت الوسائل الجراحية لعلاج البدانة، وبشكل عام فإن أعداد عمليات جراحات النحيف تزيد بصورة لوغارتيمية مرعبة في الأعوام الأخيرة على مستوى العالم ففي أمريكا وحدها أجريت 103000 عملية جراحية لحالات بدانة سنة 2003 بزيادة تبلغ 40% عن عام 2002، وليست هناك حتى الآن دراسات موضوعية محايدة أو حتى قليلة الأخطاء تثبت أن لذلك العدد المتصاعد من جراحات التنحيف فائدة في تحسين الصحة الجسدية أو النفسية (Sugerman, & Kral, 2005) .
وبدءًا من الجراحات القديمة التي كانت تبدو مزعجةً أو مهينةً كتثبيت الفكين Jaw Wiring أو خطيرة العواقب مثل قص جزءٍ من المعدة، تطورت الأساليب في العقود الأخيرة إلى جراحات المناظير وتحزيم أجزاءٍ من المعدة دونَ قصِّها من الجسد، فهناكَ الآن وسائلُ لتصغير الحجم المتاح من المعدة، وهناكَ وسائل تعارضُ امتصاص الطعام من الأمعاء وهناكَ وسائل تتجهُ مباشرةً إلى أماكن تخزين الدهون لتتعامل معها.
-1- تثبيت (أو تخييط) الفكين Jaw Wiring : بالرغم من قدم هذه العملية وما توحي به من إهانةٍ للإنسان إلا أنها ما زالت تجرى في بعض حالات البدانة المفرطة وفي وجود أمراض عضوية تستدعي التدخل الجراحي للتعامل مع البدانة، وأكثر استعمالات تثبيت الفكين اليوم هو الاستعمال المؤقت لتقليل الوزن تحضيرًا لنوعٍ آخر من جراحات التنحيف وذلك لتقليل مشاكل التخدير ومضاعفات الجراحة، ويجبُ ألا تتعدى فترة تثبيت الفكين تسعة أشهر لتلافي مضاعفاتها على الأسنان، وغنيٌٌّ عن البيان ما يسببهُ هذا الإجراءُ من ضيقٍ وإحراجٍ اجتماعي.
2- جراحات تصغير المعدة: لتقل كمية الأكل الذي يتناوله الإنسان فيشبع بسرعة، وبما أنه يأكل كمية قليلة من الطعام فإن وزنه ينقص، وهذه الجراحات هي تطوير لعملية تدبيس المعدة التي اتبعت منذ زمن بعيد، وجاءت بعدها عملية تحزيم المعدة Gastric Banding وذلك لتلافي عيوب التدبيس الجراحي، ويوضع الحزام حول أعلى جزء من المعدة ليحولها إلى شكل الساعة الرملية بمعدة صغيرة أعلى الحزام، وبالتالي فمن الممكن الرجوع فيها، وإزالة الحزام.. على عكس التدبيس الذي لا رجعة فيه، وحزام المعدة كما يروجُ له منتجوه ليست له أي أضرار جانبية أيضاً لأن تركيبه لا يحتاج إلى قطع، أو تدبيس، أو استئصال للمعدة، ولكن تجدر الإشارة إلى الطريقة القديمة التي تعتمد على وضع بالونة داخل المعدة حتى يشعر المريض بالشبع السريع، إلا أنه ثبت أن المعدة تستطيع التمدد حول البالونة، وأن هذه الطريقة لم تفد المرضى الذين استخدموها، وتشير أحد الإحصائيات إلى أنه تم تركيب أكثر من 25 ألف حزام عام 1999 ميلادية في أوروبا، والولايات المتحدة.
-3- جراحات منع امتصاص الغذاء: وتعتمد على منع امتصاص الغذاء من الأمعاء الدقيقة، وبذلك لا يستفيد الجسد إلا بجزء قليل من الطعام الذي يأكله الشخص، وتتم هذه العملية باستئصال جزء من المعدة والإبقاء على جزء صغير منها ليكون هو المعدة الجديدة الصغيرة، مع توصيل المعدة الجديدة الصغيرة بجزء من الأمعاء، حتى لا يمر الأكل على الأمعاء كلها وتمتص المواد الغذائية كلها، وهناك نوع آخر من هذه النوعية من العمليات الجراحية هو المجازاة الصائمية اللفائفية Jejunoileal Bypass الذي يسبب نقصاً كبيراً في الوزن، إلا أن هذه العمليات تسبب مضاعفات كثيرة منها:
ـ الاضطراب الشديد في كهارل الدم، الأمر الذي قد يتطلب الدخول للمستشفى مرات عدة.
ـ تكوّن حصوات كلوية نتيجة الامتصاص المتزايد لأملاح الأوكسالات.
ـ التهابات مفصلية قد تكون ثانوية لتنشيط متممة Complement المركبات المناعية ذات الوزن الجزيئي المرتفع، والتي تتكون نتيجة لامتصاص المستضدات Antigens الجرثومية.
ـ تكون حصوات بالمرارة نتيجة لنقص الأملاح المرارية.
ـ التهاب الأمعاء عند موضع التحويلة، وربما انسداد القولون، واحتمال حدوث سرطان بالقولون.
ـ انخفاض محتوى العظام من الأملاح وربما تلين العظام Osteomalacia
ـ الفشل في امتصاص بعض الأدوية والفيتامينات الذائبة في الدهون.
ونظرًا لكثرة مضاعفات هذه العملية فقد استبعدت كعلاج للسمنة المفرطة، كما أنها أيضاً جراحة كبرى وتتم بالجراحة المفتوحة، إذ يقضي المريض بين 3 و7 أيام بالمستشفى، وتشمل العملية أيضاً قطع، وتدبيس الأمعاء، والمعدة، بحيث يصبح حجم المعدة الجديد ثابتاً لا يمكن تغييره، وقد عانى كثير من المرضى من عدم القدرة على أكل الغذاء الصلب واستمرارهم فقط على الغذاء السائل أو اللين! فيما عانى آخرون من الهبوط بعد تناول الطعام الغني بالسكر، وقد لا يكفي إعطاء المرضى أدوية لتعويض نقص المواد الأساسية، كما أن عملية التدبيس لا رجعة فيها، ولا يمكن إلغاؤها إلا بإجراء جراحة كبرى أخرى، لذا فالمريض يُنصحُ بهذا النوع من العمليات فقط إذا فشل في إنقاص وزنه عن طريق التدبيس أو تحزيم المعدة بحزام يمكن شده أو إرخاؤه.
-4- عمليات شفط الدهون: وتقوم على مبدأ واضح هو: تذويب الدهون المتراكمة وشفطها ومن ثم القضاء على الترهل والسمنة، إلا أنها من ناحية عملية تعد من الجراحات التجميلية الكبرى، التي تحمل آثاراً خطيرة وإن كانت نادرة الحدوث، وهي ممنوعة في المصاب بداء السكري أو أمراض الرئة أو أمراض الدم، ومع هذا فهي تحظى برواج واسع لدى المصابين بالبدانة والذين يرونها -وبشكل خاطئ- بديلاً سهلاً لأنظمة الحمية الغذائية المرهقة.
وأحدث عمليات شفط الدهون يتم فيها إحداث فجوة صغيرة في جزء الجسد المراد الشفط منه وتسحب الدهون من مناطق خزنها تحت الجلد باستخدام أدوات طبية خاصة، ومع أن هذه الطريقة لا تحدث تشوهات في شكل الجلد الخارجي مثلما في عملية استئصال الدهون بالمشرط، إلا أن الفراغ الناجم عن سحب الدهن يؤدي إلى ترهل الجلد وتدليه وبالتالي قد تكون هناك حاجة لإجراء عمليات شد الجلد في موقع شفط الدهن بماكينة سحب خاصة.
وفترة النقاهة بعد شفط الدهون تستغرق أسابيع وربما شهور يشتكي فيها المريض من الآلام الموضعية وتنميل وانتفاخ ونزف موضعي يظهر على شكل كدمات، وأكثر المضاعفات خطورة هو حدوث التهاب تحت الجلد وخاصة لدى ضعيفي المناعة مثل مرضى السكري.
ومن المفاهيم الخاطئة التي يحملها كثير من الناس عن عمليات شفط الدهون أنها إجراء دائم وحل نهائي لمشكلة السمنة وهذا غير صحيح على الإطلاق فتراكم الدهون وترهل الجسد يمكن أن يعود إلى مكان العملية إذا تخلى المريض عن الحمية الغذائية أو التمارين البدنية المنتظمة فهذا النوع من العمليات هو حل مؤقت، لأن النسيج الدهني المتبقي في الجسد يقوم وخلال وقت قصير بالنمو السريع ثانية Compensatory Hypertrophy، لتعويض الدهن الذي تم استئصاله، وفي نفس الوقت، فإن عملية استئصال الدهن بالمشرط، تترك على الجلد آثار الاستئصال Lacerations تماما كالتي تبقي على الجسد بعد أية عملية جراحية يتم فيها شق الجلد وهذا معناه بأن منظر الجلد يصبح غير جذاب.
والمتأمل لعلمية وموضوعية ما يجري في مجال جراحات التنحيف سيكتشفُ حقيقةً مؤداها أن التطور السريع الحادثَ في ذلك المجال، وفي ظروف الضغط الواعي وغير الواعي الذي تمارسه متطلبات المجتمع البشري الحديث برمته، ذلك التطور تندفع خطواته وقفزاته مستغلةً التقدم التكنولوجي المعاصر اندفاعات أسرع من أن تسمح بفترةٍ كافية من التقييم خاصةً في مناخ يجعل من أعداد المستعدين لدفع حياتهم ثمنا لجسد كالذي في الصورة أكبر من أن تحصى وفي كل بقاع الأرض، وأصبحنا نقول أن القفزات تجيءُ في معظم الأحيان غير محسوبة بدقة، وفي نفس الوقت علينا أن ننتبه إلى أن العالم الغربي أكثر معاناة في هذا المجال ما يزال، ولذلك يرتفع صوت العقلاء في الغرب مناديا بالتمهل سواءً قبل طرح العقاقير الجديدة أو إجراء الجراحات الجديدة ، لكنه لم يستطع بعد أن يرتفع عن صرخات المستعدين لاتخاذ دور فأر التجارب، لكي يملكوا أخيرا ذلك الجسد المنضبط ولو بالجراحة، وأما عن أحوالنا نحن فإن مراكز جراحات التنحيف آخذةٌ في التكاثر خاصةً وأنها بضاعةٌ رائجة، بل إنني أستطيع أن أقول أن ما يمنع كثيرين في مجتمعاتنا منها هو الفقر قبل أن يكونَ أي تفكر أو تدبر.
المراجع:
1. Sugerman, H.J. & Kral, J.G.(2005) : Evidence-based medicine reports on obesity surgery: a critique. International Journal of Obesity (2005) 29, 735−745
ويتبع: ..............جراحات التنحيف الآثار الجسدية والنفسية
اقرأ أيضاً:
أكذوبة الأيزو الإنساني: تصحيح مفاهيم/ العلاج السلوكي لإنقاص الوزن/ أكذوبةٌٌ اسمها (الريجيم) الحميةُ المنحفة