كانت الفكرةُ القديمةُ عن العلاقة بين اضطراب الوسواس القهري واضطراب الشخصية الوسواسية أو القسرية هيَ أن وجود اضطراب الشخصية القسرية عند شخص ما إنما يهيئُ ذلك الشخص للإصابةِ باضطراب الوسواس القهري في وقت ما من حياته خاصةً عندما يتعرض لضغوط حياتية أيا كانت تلك الضغوط.
وكان القدماء من الأطباء النفسيين يقدمون العديد من النماذج لهذا المفهوم فمثلاً كانوا يرون أن الشخصية الانعزالية أو الانطوائية Schizoid Personality تهيئُ الشخص للإصابة باضطراب الفصام Schizophrenic Disorder ويرونَ أن الشخصية المزاجيةُ أو النوابيةُ Cyclothymic Personality تهيئُ الشخص للإصابة باضطرابات المزاج Mood Disorders وكذلك الشخصية القسرية Anankastic Personality تهيئُ الشخص للإصابةِ باضطراب الوسواس القهري.
وكانت مراجع الطب النفسي القديمةُ تذكرُ أن ما بينَ الثلثُ والنصف من مرضى اضطراب الوسواس القهري يعانون أصلاً من اضطراب الشخصية القسرية أو على الأقل من عددٍ كبيرٍ من سماتها، إلا أن وجود مجموعتين كبيرتين من المرضى ظل دائما يشككُ الأطباء النفسيين في صحة تلك الفكرة عن ارتباط اضطراب الوسواس القهري سببيًا باضطراب الشخصية القسرية، وأما هاتان المجموعتان:
فإحداهما تمثل مرضى اضطراب الوسواس القهري الذين لا يوجدُ في سمات شخصياتهم ما يشيرُ إلى وجود سمات الشخصية القسرية على الإطلاق، المجموعة الأخرى تمثلُ مرضى اضطراب الشخصية القسرية الذين لا يصيبهم اضطراب الوسواس القهري بالرغم من تعرضهم لكروبٍ شديدة في حياتهم.
وكانت التفسيرات التي تقدمها مدرسةُ التحليل النفسي لا تقدم تحليلاً منفصلاً لكل من اضطراب الشخصية القسرية واضطراب الوسواس القهري وإنما كان التركيزُ على مفهوم الشق السادي من المرحلة الشرجية وكانت أطروحات مدرسة التحليل النفسي في هذا الموضوع كثيرةً في الحقيقة رغم فشلها المتكرر في مساعدة المرضى بالتحليل النفسي.
وهكذا ظل الجدل دائرًا حول تهيئة سمات الشخصية القسرية لمن يحملها للإصابة باضطراب الوسواس القهري إلى ما يقارب بدايةَ العقدين الأخيرين من القرن العشرين (وربما إلى يومنا هذا) إلا أن غالبية الدراسات الحديثة لم تثبت ذلك وأشارت إلى أن ما بين 65%-85% من مرضى اضطراب الوسواس القهري ليسوا من أصحاب الشخصية القسرية ولا من أصحاب اضطراب الشخصية القسرية، بينما لم تزل بعضُ الدراسات الحديثة ترى نوعًا من الصلة ما بين هذين الاضطرابين متماشيةً في ذلك مع توجهات مدرسة التحليل النفسي، أما ما وجده الباحثون المصريون يقسادة الأستاذ الدكتور أحمد عكاشه في دراستهم فقد بيَّـنَ أن سمات الشخصية القسرية توجد في نسبة تصل إلى22% من المرضى بينما توجد في 51% من أقارب المريض باضطراب الوسواس القهري.
ووجهةُ النظر الغالبة الآن هيَ أن اضطراب الوسواس القهري يحدثُ عادةً مع نوعٍ ما من أنواع اضطرابات الشخصية والذي لا يشترط أن يكونَ اضطراب الشخصية القسرية بل هوَ عادةً لا يكونُ اضطراب الشخصية القسرية وأحدثُ الدراسات الآن تبينُ وجودَ نوع من أنواع اضطرابات الشخصية في نسبةٍ تصل إلى 75 % من مرضى اضطراب الوسواس القهري وإن كانَ هناكَ من يتساءلون عن مصداقية ذلك وعن إمكانية أن تكونَ طريقةُ قياس الشخصية أو مقاييسها هيَ التي تتأثرُ بشكلٍ أو بآخرَ بصفاتٍ تكونُ موجودَةً مع اضطراب الوسواس القهري.
* ومن الواضح في حقيقة الأمر أن العلاقةَ ما بينَ اضطراب الوسواس القهري واضطراب الشخصية القسرية ليست علاقةً سببيةً مثلما كانت تحاول نظريةُ التحليل النفسي إقناعنا، لأنهُ رغم وجود تشابهٍ في الأعراض أحيانًا ورغم وجود سماتٍ معينةٍ مشتركةٍ في مرضى الاضطرابين، إلا أننا لا نستطيعُ اعتبارهما لا على نفس المتصل بمعنى أن اضطراب الوسواس القهري يمثلُ تدهورًا في اضطراب الشخصية القسرية نتيجةً مثلاً للكروب التي تواجه صاحبها في حياته، ولا نحنُ نستطيعُ اعتبارهما يمثلان خطين متوازيين وبينهما بعضُ التشابه مثلاً، وإنما الأوقعُ حسب وجهة نظري الشخصية هيَ أن نقاط الالتقاء ما بين هذين الاضطرابين إنما تنتجُ عن تعامد هذين الاضطرابين مع بعضهما أو تلامسهما بشكلٍ أو بآخرَ عندَ الصفات المتعلقة بالرغبة في الكمالية Perfectionism، وكذلك الصفات المتعلقة بالإحساس بعدم الاكتمال Incompleteness وكذلك صفةُ التردد Indecisiveness وربما صفةُ البخل أيضًا والتخزين القهري، Hoarding بينما يوجدُ من بين أشكال اضطراب الوسواس القهري ما لهُ علاقةٌ بأنواع أخرى من الشخصيات.
وفي دراسةٍ حديثةٍ للأستاذ الدكتور أحمد عكاشه على مرضى اضطراب الوسواس القهري من العرب المصريين أظهرت النتائجُ أن نسبةَ 66% من مرضى اضطراب الوسواس القهري لا يعانونَ من اضطراب شخصيةٍ قبل مرضية أصلاً وإن كانتْ لديهم سماتُ شخصيةٍ مرضية متباينة لكنها لا تكفي لتشخيص اضطراب شخصيةٍ معين، بينما كانَ اضطراب الشخصية القسرية موجودًا في نسبة 14% فقط من المرضى، وفي المقابل كان 10%من المرضى يعانونَ (ومازالوا طبعا) من اضطراب الشخصية التجنبية Avoidant Personality Disorder ، كما كان10 % أيضًا منهم يعانونَ (ومازالوا بالطبع) من اضطراب الشخصية الزورانية (أو البارانويدية) Paranoid Personality Disorder، كما يذكرُ عكاشه نتائج بعض الدراسات التي بحثت في علاقة اضطرابات الشخصية بالوسواس القهري وعرضت في المؤتمر العالمي الأول لاضطراب الوسواس القهري الذي عقدَ في كابري بإيطاليا عام 1993 وكلها تتفقُ مع نتائج دراسته الأخيرة ويستنتجُ أحمد عكاشه من ذلك عدم اشتراط وجود اضطراب الشخصية القسرية في المرضى الذين يصابون باضطراب الوسواس القهري.
واقرأ أيضًا:
هل أنت شخصيةٌ قسرية؟ / الكمالية والإتقان بين السواء والمرض م / صاحبة الضمير الحي، أهلا بأمثالك