بينا في مقالين سابقين الآثار الجانبية الجنسية التي قد تحدثُ عند استخدام عقاقير الم.ا.س أو الم.ا.س.ا لعلاج الاكتئاب أو الوسوسة، وأشرنا كذلك إلى أن استخدام عقاقير الم.ا.س.ا لعلاج الاكتئاب غير المصحوب بأعراض الوسوسة قد لا يكونُ مبررا في ظل وجود عقاقير علاجية أخرى، لكننا في حالة الوسوسة لا نملك خيارا آخر غير إضافة أحد عقاقير الم.ا.س.ا للبرنامج العلاجي السلوكي المعرفي، بحيثُ يكونُ تعريض المريض أو المريضة للعقار محدودا قدر الإمكان وبغرض تمكينه من بدء برنامج العلاج المعرفي السلوكي والاستمرار فيه، ذلك أن معظم المرضى لا يجرؤون على أداء خطوات العلاج السلوكي دون مساعدة عقارية، ولما كانت الآثار الجانبية الجنسية لعقاقير الم.ا.س.ا ممكنة الحدوث في كثر من الأحيان فإن على الطبيب النفسي أولاً أن يستعلم من مريضه عن حدوثها من عدمه ولا يكتفي بانتظار شكوى المريض خاصة بعد انقطاع أعراض الاكتئاب، وثانيا على الطبيب النفسي أن يتبع أيا من الاستراتيجيات التالية للتعامل مع تلك الآثار الجانبية الجنسية.
1- انتظار اختفاء الآثار الجانبية تلقائيا:
أشارت دراسة أجريت على عقار الفلوكستين إلى أن بعض المرضى لاحظوا اختفاء أو تحسن الآثار الجانبية للم.ا.س.ا مع مرور الوقت والاستمرار في العلاج (Herman, et al.1990)، وأجريت دراسة أحدث ضمت مرضى يستخدمون أيا من أربعة أنواع من الم.ا.س.ا (Montejo-Gonzalez, et al. 1997) أن نسبة 19% منهم يقرون بتحسن أو اختفاء الأعراض الجانبية بعد أربعة أو ستة شهور من الاستمرار على العلاج، وغالبا ما يكونُ هؤلاء الذين تتحسن أعراضهم الجانبية بمرور الوقت هم أصحاب الشكاوى الخفيفة وغالبا تلك المتعلقة بتأخير الإرجاز لا بفقدان الشهية للجنس، والحقيقة أنني سمعت كثيرين من طالبي العلاج السلوكي من سرعة القذف، يشتكون من غياب أثر عقار الم.ا.س.ا الذي وصفه لهم طبيب الأمراض الجلدية أو أمراض الذكورة وذلك بعد فترة من ما حسبوه تحسنا، ومعنى ذلك أنهم بعد فترة من تأخير الإرجاز (أو القذف) تحت تأثير العقار بدؤوا يشتكون من فقدان العقار لتأثيره، إلا أننا يجب أن نتساءل ماذا عن اختفاء أو تحسن ذلك الأثر الجانبي في الإناث، وأنا شخصيا لم ألحظ ذلك إلا في نسبة قد تكونُ أقلَّ من تلك المذكورة في الدراسة الأخيرة.
2- تقليل جرعة عقار الم.ا.س.ا:
ويعني ذلك أن يلجأ الطبيب بالاتفاق مع مريضته أو مريضه إلى تقليل جرعة العقار بعد حدوث التحسن المنشود أي أن تصبح جرعة الصيانة Maintenance Dose أقل من الجرعة المبدئية التي أحدثت التحسن، ويجب ألا يلجأ الطبيب النفسي لذلك إلا مع مريضة متفهمة وعلى تواصل ومتابعة مع طبيبها المعالج لأن في الأمر مخاطرة ولا شك، خاصة قبل إتمام البرنامج المعرفي السلوكي بنجاح وهناك في الدراسات ما يبين صلاحية هذه الإستراتيجية (Moore & Rothschild 1999)، وينصح أيضًا في هذه الحالة بجعل موعد أخذ جرعة الم.ا.س.ا مباشرة قبل أو بعد اللقاء الجنسي.
3- أخذ عطلة أسبوعية من الم.ا.س.ا Drug Holiday:
وهذه الإستراتيجية تعلمها الأطباء النفسيون من المرضى حيث أقر بعضهم باللجوء لإهمال تناول العقار يومين كل أسبوع من أجل تقليل الآثار الجانبية وتحسين الوظيفة الجنسية ولم يؤثر ذلك على استمرار التحسن (Rothschild 2000)، إلا أن هذه الإستراتيجية تصلح مع بعض عقاقير الم.ا.س.ا وليس كلها فكلما كانت نواتج استقلاب العقار Drug Metabolism قصيرة المكوث في الدم كلما كانت العطلة الأسبوعية أفضل، لكن هذه الإستراتيجية لا تصلح مثلا مع عقار الفلوكستين لأن ناتج استقلابه طويل المكوث في الدم.
4- الاضطرار لاستخدام عقَّار مضاد:
وإذا فشلت هذه الاستراتيجيات الثلاث يصبح اللجوء إلى استخدام عقَّار يضادُّ أثر الم.ا.س.ا الجنسي مطلوبا، إلا أن المسألة هنا ليست أكثر من تجريب مبني على فهمنا الحالي لدور الناقلات العصبية في الوظيفة الجنسية والذي أعطينا نبذةً عنه في مقالنا الأول حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا: الآثار الجنسية(1)، وليست هناك دراساتٌ موضوعية النتائج في هذا الموضوع وإنما نشرت بعض تواريخ الحالات وحاولت بعض الشركات تقديم عقاقيرها كحلِّ لمشكلات الم.ا.س.ا الجنسية، وأجريت بعض دراسات ليس من بينها دراسة مقارنة لكنني لن أخوض طويلا في تفاصيل لا تهمنا هنا، وسأكتفي بالحديث عن ما أعرفُ أنه متاح في عالمنا العربي من العقاقير للتعامل مع المشكلة، ومن الملاحظ في معظم الدراسات في هذا الموضوع أن تأثيرات الم.ا.س.ا الجانبية نادرا ما فصلت في تفاصيل الدراسة بحيث استخدمت فقط عبارة أن آثار الم.ا.س.ا الجنسية الجانبية تحسنت دون تحديد أو ربط بنوعية الأثر ولا بعلاقته بدورة الاستجابة الجنسية.
0 عقار الأمانتادين Amantadine: وهو عقار يزيد من نشاط الدوبامين الدماغي وبضاد أثر زيادة نشاط السيروتونين، وقد يستخدم باستمرار بجرعة صغيرةٍ يوميا أو كبيرةٍ فقط عند اللزوم -قبل يومين على الأقل من موعد اللقاء الجنسي.
0 عقار البوسبيرون Buspirone: وهو عقارٌ طُرحَ في الأسواق لعلاج اضطراب القلق المتعمم، وذلك من خلال تأثيره على السيروتونين ولكن بآلية مختلفة عن عمل الم.ا.س.ا، لكنه لم يحقق المأمول منه عندما جربه الأطباء النفسيون، ثم اكتشفت له عدةُ استخدامات بعد ذلك دعمت موقفه في أسواق الدواء، ومن هذه الاستخدامات استخدامه لإصلاح الآثار الجانبية الجنسية للم.ا.س.ا، -رغم أن هناك من الأطباء والصيادلة من يصفونه لإحداث نفس أثرها المعيق للإرجاز- وقد بينت الدراسات أثرا طيبا للبوسبيرون في تحسين الأداء الجنسي للمعالجين بالم.ا.س.ا، وليس من الغريب أن آلية عمله غير مفهومة وهناك نظريات ترجع أثره العلاجي هنا إلى تأثيره الدوباميني، وغيرها ترجعه إلى تأثيره السيروتونيني المختلف نوعيا عن تأثير عقاقير الم.ا.س.ا، وبعضها لأحد نواتج استقلاب البوسبيرون (Rothschild 2000)، وكل ذلك غير مؤكد.
بعض عقاقير الاكتئاب: وجرب عقار البيوبروبيون Bupropion: وهو أحد مضادات الاكتئاب ويعمل من خلال زيادة حثِّ النور أدرينالين والدوبامين، أي من خلال آلية مختلفة عن مضادات الاكتئاب العاملة على السيروتونين، وقد نشر عنه أنه جرب لتعديل آثار الم.ا.س.ا الجنسية الجانبية، وإن لم يكن أفضل من العقار المموه في دراسة أخرى (Masand, et al.2001)، وجدير بالذكر أن التفاعلات التي يمكن أن تنتج من استخدام البيوبربيون مع الم.ا.س.ا في نفس الوقت قد تنتج آثارا مزعجة أو خطيرة في المريض(Rothschild 2000)، كما جرب كل من عقار الميرتازيبين الذي يعمل على النور أدرينالين والسيروتونين أيضًا، وجرب كذلك عقار النيفازودون كمضافات تضاد أثر الم.ا.س.ا الجنسي (Zajecka, 2001)، وأعطى كل من هذين العقارين نتائج لا بأس بها.
0 عقار السيلدنافيل Sildenafil (الفياجرا): (Zajecka, 2001) ويستخدم عند الحاجة، وقد أثبت العقار الأخير تأثيرا طيبا خاصة في النساء (Berman, et al.,2001) وأيضًا (Caruso, et al.,2001) ويرجعون ذلك إلى قدرة السيلدنافيل من خلال أثره على أكسيد النيتريك على زيادة الدم والسخونة في منطقة الحوض وتسهيل التزليق المهبلي بالتالي، أي تحسين الأداء الجنسي للأنثى وتسهيل الإثارة، ويستخدم قبل اللقاء الجنسي بساعة أو نصف ساعة.
0 عقار السيروهيبتادين Cyproheptadine: وهو مضاد للسيروتونين serotonin antagonist: يستخدم عند الحاجة أيضًا، واستخدام هذا العقار الأصلي هو علاج الحساسية وزيادة الشهية ولكنه يحسن من إعاقة الإرجاز الناتجة عن الم.ا.س.ا، ولعله أكثر الخيارات استخداما في عملنا لأنه أرخص الخيارات، ومن عيوبه أنه يزيد النعاس.
0 مستخلص عشب الجينكو بيلوبا Gingko Biloba Extract: وقد جربته شخصيا مع بعض مريضاتي وكانت النتائج طيبة أيضًا كما أقر آخرون (Zajecka, 2001).
واستخدمت أيضًا بعض المنشطات العصبية العامة كمشتقات الأمفيتامين (Rothschild 2000)، وبعض المنشطات الجنسية كاليوهيمبين (Yohimbine (Woodrum & Brown,1998، وباختصار فإن المشكلة الجنسية التي قد تنتج من استخدام عقاقير الم.ا.س أو الم.ا.س.ا قابلة للحل، رغم ما قد تضعه من أعباء على كاهل المريض، لكن المضطر يركب الصعب والحصيف من يجعل فترة احتياجه للعقاقير أقل، ومفهوم أن كل الآثار الجنسية للم.ا.س.ا عند من تحدث لهم من مرضى الوسواس القهري تنتهي بعد إيقاف استخدامها أي بعد الشفاء، أي أنها إن حدثت تكون عابرة ومربوطة بجرعة الم.ا.س.ا والاستمرار على العقار، وقابلة للشفاء إن عجزَ المريض عن وقف العقار.
المراجع العلمية:
1-Herman JB, Brotman AW, Pollack MH, et al.: Fluoxetine-induced sexual dysfunction. Journal of Clinical Psychiatry 1990, 51:25-27.
2-Montejo-Gonzalez AL, Llorca G, Izuierdo JA, et al. SSRI-induced sexual dysfunction: fluoxetine, paroxetine, setraline, and fluvoxamine in a prospective, multicenter, and descriptive clinical study of 344 patients. Journal of Sexual Marital Therapy 1997, 23:176-194.
3- Moore BE, Rothschild AJ: Treatment of antidepressant-induced sexual dysfunction. Hospital Practice 1999, 34:89-96.
4- Rothschild AJ: Sexual side effects of antidepressants. Journal of Clinical Psychiatry 2000, 61:28-36.
5- Masand PS, Ashton AK, Gupta S, et al.: Sustained-release bupropion for selective serotonin reuptake inhibitor-induced sexual dysfunction: a randomized, double-blind, placebo-controlled, parallel-group study. American Journal of Psychiatry 2001, 158:805-807.
6- Zajecka J: Strategies for the treatment of antidepressant-related sexual dysfunction. Journal of Clinical Psychiatry 2001, 62:35-43.
7- Berman JR, Berman LA, Lin H, et al.: Effect of sildenafil on subjective and physiologic parameters of the female sexual response in women with sexual arousal disorder. Journal of Sex & Marital Therapy 2001, 27:411-420.
8- Caruso S, Intelisano G, Lupo L, et al.: Premenopausal women affected by sexual arousal disorder treated with sildenafil: a double-blind, cross-over, placebo-controlled study. BJOG 2001, 108:623-628.
9- Woodrum ST, Brown CS: Management of SSRI-induced sexual dysfunction. Annals of Pharmacotherapy 1998, 32: 1209-1215.
ويتبع : حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا أعراض الانسحاب(1)
واقرأ أيضًا:
حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ الآثار الجانبية / حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا؟ ضد الاكتئاب والوسوسة