منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري (4)
أرسل أبو انس (30 سنة، موظف حكومي، السعودية) يقول:
سؤال يخطر على الذهن
أخي المستشار أشكرك على هذا الطرح ولكن عندي سؤال:
س؟ أنا عندما أبول يخرج مني نقطة أو نقطتين فقط وقت الوضوء
1ـ هل هذا سلس بول أم طبيعي عند الرجال
2ـ هل هذا يفسد صلاتي
ماذا أفعل أفيدوني لكي أرتاح جزاكم الله خير الجزاء في الدنيا والآخرة.
25/10/2008
أهلاً بك أخي الكريم، وأنا أشكرك بدوري على متابعتك واهتمامك بما يكتب وينشر على هذا الموقع.
أما ما تسأل عنه فهو أمر طبيعي عند الرجال يحصل بسبب طول مجرى البول، مما يجعل بعض القطرات تبقى فيه بعد التبول ثم تخرج بعد فترة. وهو مختلف عن مرض سلس البول الذي يفقد فيه المريض القدرة على إمساك بوله فيجري دون اختياره في سائر الأوقات وليس بعد التبول فقط.
وبالنسبة لحكم هذه القطرات وتأثيرها على الصلاة:
فالبول نجس باتفاق، وخروج هذه القطرات ينقض الوضوء، فإن خرجت هذه القطرات وجب عليك تطهير ما أصاب الثياب من ذلك، واستئناف وضوئك من أوله. وخروج هذه القطرات يؤثر على صحة الصلاة حتماً، بمعنى أنه يجب إعادة الصلاة التي صليتها في حال عدم إعادة الوضوء، أو أنت تحمل النجاسة.
لكن بالنسبة للنجاسة لك مخرج من الإعادة بتقليد مذهب الحنفية الذين يقولون بالعفو عن النجاسة إذا كانت بمقدار مقعر الكف فأقل، وصحة الصلاة معها. وتستطيع معرفة هذا المقدار ببسط كفك ثم صب الماء فوقه، فمساحة ما بقي من الماء واستقر في قعر كفك هي المساحة المعفو عنها.
وقد نبه الفقهاء على مسألة الاستبراء من قطرات البول (أي إخراج جميع ما في المجرى من البول)، ونص بعضهم أن ترك الاستبراء من الكبائر منهم ابن حجر الهيتمي في "الزواجر عن اقتراف الكبائر". والأصل في ذلك: الحديث الذي رواه البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ –رضي الله عنه- قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِي قُبُورِهِمَا فَقَالَ: «يُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرَةٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ، كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» . ثُمَّ دَعَا بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا بِكِسْرَتَيْنِ أَوْ ثِنْتَيْنِ، فَجَعَلَ كِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا ، وَكِسْرَةً فِي قَبْرِ هَذَا، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا».
ولمذاهب الفقهاء تفصيل يضيق هذا الجواب عن ذكره –في وجوب الاستبراء واستحبابه مطلقاً أو حسب الأحوال-، ولكن باختصار: اتفقوا على أن الذي يتيقن خروج قطرات البول بعد فترة من تبوله وكان ذلك من عادته -كما في حالتك- عليه أن يفعل ما يُخرج هذه القطرات قبل وضوئه وصلاته، كالانتظار مدة حتى تخرج تلك القطرات وكالتنحنح، أو مشي بعض خطوات، أو تحريك الذكر، وغير ذلك... واشترطوا أن لا يبالغ في ذلك حتى لا يصاب بالوسواس أو بعض العلل الجسدية، ويكفي غلبة الظن بخروج البول ولا يكلف التنشيف والاستقصاء، ثم ينضح الفرج والثوب بالماء حتى إذا شعر بالبلل حمل ذلك على الماء الذي رشه، ولا يلتفت لوسوسة الشيطان بخروج شيء منه ما لم يحصل عنده يقين قاطع بخروج البول. والله تعالى أعلم.
* ويضيف د. وائل أبو هندي أهلا بك يا أبا أنس على مجانين... وددت فقط أن أعلق على ما تفضلت به أ.رفيف الصباغ حين قالت: (واشترطوا أن لا يبالغ في ذلك حتى لا يصاب بالوسواس أو بعض العلل الجسدية، ويكفي غلبة الظن بخروج البول ولا يكلف التنشيف والاستقصاء، ثم ينضح الفرج والثوب بالماء حتى إذا شعر بالبلل حمل ذلك على الماء الذي رشه، ولا يلتفت لوسوسة الشيطان بخروج شيء منه ما لم يحصل عنده يقين قاطع بخروج البول.).... فقولها يكفي غلبة الظن بخروج البول سيردُّ عليه الموسوس أو المستكح بالشك قائلا أنا يا دكتور أشعر أنه نزلت قطرات أليس هذا غلبة الظن؟ فأبين له أن غلبة الظن تجيء من غير الشعور في منطقة القبل... أي من ثبوت البلل أو رؤية القطرات إن كانت ترى.... وأكمل له أنك كموسوس يجب عليك أن لا تفتش أو تستقصي لأن في ذلك تعمقا ولأن بالنسبة للنجاسة لك مخرجٌ من الإعادة بتقليد مذهب الحنفية الذين يقولون بالعفو عن النجاسة إذا كانت بمقدار مقعر الكف فأقل، وصحة الصلاة معها....
فهنا يصبح من الصحيح أن نأمر المريض باتباع أسلوبٍ سلوكي قياسا على حكم علامة خروج الريح... والمستند إلى ما رواه البخاري ومسلم: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ» [البخاري: بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده، مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان].
حيث أن خروج الريح أثناء الوضوء أو الصلاة أو التهيؤ لهما لا يستند فيها ولا يُعَوَّلُ على الأحاسيس في منطقة الدبر والشرج والمستقيم.... وأمد إلى ذلك قياسا أنه لا تعويل على المشاعر المحسوسة في منطقة القبل أي الوسوسة في خروج نقطة بول أو مذي أو غيره مما قد يُوَسْوَسُ به من القُبُل... وسندي العلمي هو أن الأعصاب التي تغذي القبل هي نفسها التي تغذي الدبر لأن الإمداد العصبي واحد لهذه المنطقة من القطع العجزية 3 و4 و5 من النخاع الشوكي........
ويتمثل الجانب العلاجي السلوكي في صرف الانتباه عن الشعور بنزول قطرات البول -بعد الاستبراء من البول ونضح الفرج- في حالة مرضى الوسواس القهري، ويجب نهي هؤلاء أثناء علاجهم السلوكي المعرفي ودائما عن اتباع الوسواس بالتفتيش وتغيير الثياب الداخلية وغير ذلك مما هو طرائق شتى... كل هذه الأفعال القهرية ينهى عنها هؤلاء ويؤمرون بالاستعاذة لأنها أحد أهم أسلحة المسلم في مجابهة الوسواس.
وقد ناقشنا مسألة الوسوسة في الطهارة والنجاسة ونقض الوضوء من قبل على مجانين في الاستشارات التالية:
فتوى مجانين : في وسواس الطهارة/ وسواس الطهارة عند المسلمين مشاركة/ سعودية تسأل عن وسواس الطهارة والصيام!/ وسواس الطهارة: هلك المتنطعون مشاركة/ وسواس القولون عند المسلمين م / وسواس القولون عند المسلمين: نموذجٌ أوضح
ويتبع ........................: منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري تعقيب
واقرأ أيضًا:
هل اضطراب الوسواس القهري اضطرابٌ نادر؟ / الاستبصار واضطرابُ الوسواس القهريِّ / علاج الوسواس OCDSD فقهي معرفي ديني Relig