منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري مشاركة8
منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري(1)
أرسل أنس (28 سنة، معلم، السعودية) يقول:
الأستاذة رفيف الصباغ سلمها الله أنا مصاب بالوسواس القهري منذ 7 سنوات كما تقدم لي في رسالة مسبقة. أختي أ. رفيف الصباغ، أنا أريد تقسيم أطروحاتي إلى أقسام وأرجو الرد على كل قسم على حده حفظك الله وجزاك خيرا وسددك إلى الصواب يا حفيدة خديجة وعائشة وفاطمة (رضي الله عنهن) حشرنا الله وإياك في زمرتهن علامات الاستفهام عندي كثيرة.
بداية أقول: أعتبر أنه من الواضح لدي وحسب تشخيصي لحالتي أنه (70% سبعون بالمائة) من مشكلتي يتعلق بالنية وصعوبة تحصيلها رغم سهولتها عند الأسوياء (غير الموسوسين)
1- نورتني بمعلومة وهي جواز الترخص للموسوسين وعلمت أن الحنفيين اختاروا الاستحباب بالنسبة لنية الوضوء وهذه حلت عندي مشكلة بلا شك,,
* النية للصلاة والتلفظ بها بدعة عندنا فعندما آخذ بقول المالكية في استحبابها للمستنكح (الموسوس) ليثبت نيته, يبقى هناك سؤال وهو إلى متى أتلفظ بها؟؟ فإذا استمريت على التلفظ لم أشف من مشكلتي وما هي الطريقة لكي لا أتلفظ بها؟؟
2- عندما أريد الوضوء مثلا يأتيني تساؤل:
فمثلا عند غسل أي عضو من أعضاء الوضوء يقول لي التساؤل هل أنت تغسله من باب النظافة أم تغسله أم من باب الوضوء؟
فعند المضمضة أو الاستنشاق أو غسل الوجه أو غسل اليدين إلى المرفقين أو الرجلين يأتيني التساؤل المذكور آنفا فأقف دقيقتين لأقنع نفسي أنني أفعل ذلك وضوءً وليس نظافة ولو بالتلفظ.
3- كذلك عندي مشكلة في غسل اليدين إلى المرفقين فمن المعلوم أنهما تغسلان من أطراف الأصابع إلى المرفقين, فعندما أريد غسل الكف والأصابع في غسل اليدين إلى المرفقين أقول: لعل الماء الذي على الكف والأصابع من الماء القديم أو أنه بقيت أجزاء لم يصلها الماء الجديد والذي عليها هو الماء القديم, فتجدينني أفرك الكف فركا وأدلكه دلكا وبدقة لأضمن وصول الماء الجديد إليه, فماذا أفعل؟؟
4- كذلك غسل الجنابة أطيل فيه لأضمن وصول الماء إلى جميع أجزاء الجسم فكيف أضمن وصول الماء بدون إطالة؟؟
5- منذ 6 شهر استجدت عندي مشكلة وهي التقطير بعد الانتهاء من التبول حيث أنني لا أحس بخروجه والخارج بسيط جدا يقدر بقطرة واحدة تقريبا أعتقد ذلك، وعندما أريد الاستراحة مدة ساعة أو 3 ساعات مثلا وأردت الوضوء فهل أستنجي من هذه القطرة أم أتوضأ مباشرة دون أن أستنجي؟؟ فأفتاني شيخ بالاستنجاء، وأنا الآن علي صلوات 28 يوما أو أكثر أجلتها لحين شفائي.
آسف على الإطالة وتشتت الأفكار،
فشكرا معطرا بالاحترام للأستاذة رفيف الصباغ، أنتظر إجابتك على أحر من الجمر.
26/2/2010
الأخ الكريم "أنس"؛
إنما أقوم بواجبي تجاه رواد الموقع من الموسوسين وغيرهم، فلا شكر على واجب...
1- بالنسبة للنية: لماذا تجد حرجًا من التلفظ بها؟ ولماذا تريد أن تكون في غاية المثالية في التزامك بمذهبك، حتى وإن كان يسبب لك مشكلة؟ إن شعورك بأنك لا تأتي بالأفضل، دليل على طبيعتك الوسواسية، ولن تتخلص منها إلا بأن لا تجد حرجًا من تغيير ما اعتدت عليه، وتغيير ما كنت تعتقده الكمالَ في حياتك... هذا أولاً..
وثانيًا: إن ما ذكرته لك كان لتنبيهك على ناحية مهمة عندك وفي طريقة تفكيرك. أما إذا أردت خير وسيلة لإزالة وساوسك في النية، فهي أن تكبر فورًا وتتابع صلاتك، دون مناقشة نفسك هل نويت بشكل صحيح أم لا، إنك يا أنس لا تتعامل في صلاتك مع بشر يحتاجون للتوضيح والبيان! إنك تتعامل مع الله عز وجل الذي يعلم السرّ وأخفى، وهو يعلم منك أنك تصلي فرض كذا، أو سنة كذا... ولا حاجة لأن تعصر النية عصرًا لتخرجها من قلبك.. الله أعلم ما تريده عند قيامك للصلاة، فكبر وصلّ وأنت مطمئن، ولا تقطع صلاتك وإن كدت تموت من القلق...
2- وأما بالنسبة لنيتك عند غسل أعضائك: فكما قلت لك سابقًا: إن النية عند الحنفية سنة، بمعنى أنك حتى لو غسلت أعضاءك بنية النظافة طهرت، وكنت متوضئًا بذلك... فلا تكثر لهمك، وتابع وضوءك مهما كانت نيتك...
3- مشكلة هل الماء قديم أم جديد: فجرب ولمرة واحدة واغسل يدك الجافة وانظر كيف أن الماء يعمها دون كبير عناء أو دلك... وهذا يعني أن الغسلة الثانية ستعمها أيضًا دون كبير عناء ودلك... فإذا رأيت هذا فلا تدع لنفسك مجالاً لمتابعة الوسوسة وتابع وضوءك رغمًا عن أنف وسواسك.
4- كذلك لا داعي للعناء في غسل الجنابة، فإذا كان غير الموسوس يكفيه غلبة الظن بوصول الماء إلى الجسد (80-99%)، ولا يكلف أن يتيقن (100%) أن الماء وصل إلى كل ذرة من جسده...، فإن الموسوس متى ما صب الماء، بشكل يمكن أن يعم الجسد كله فلا داعي أن يحصل لديه اليقين بوصوله.
5- وأما الاستنجاء، فأنا أقول لك أيضًا: عليك أن تستنجي، ولكني لا أقول لك بحال من الأحوال: اجلس ساعة في الحمام، أو صبّ برميل ماء وأنت تفعل ذلك!! الأمر لا يحتاج أكثر من ثوانٍ... وإياك ثم إياك من تأجيل صلاتك، فإن هذا قد يستمر معك كحال كثير من الرجال، فإلى متى تؤجل؟؟ قم وسارع بقضاء صلاتك قبل أن يجرك الشيطان إلى ما لا تحمد عقباه...
وأخيرًا، وبعد هذا التفصيل: فإنك لن تتخلص من وساوسك، -أو على الأقل تقللها وتمنع زيادتها-، إلا إذا تركت التدقيق في كل شاردة وواردة في أفعالك، وتابعت عباداتك على أيّ حالٍ كانت، أعني سواء كانت كاملة أم ناقصة باطلة في ظنك، وإلا إذا اقتنعت أنك لو فعلت هذا فعبادتك صحيحة، (كما قرأت في هذه المقالات)... فإن استطعت أن تجبر نفسك على هذا فلا داعي لسؤالك عن أي وسواس بعد ذلك، فقد عرفت الإجابة عليه. وإن لم تستطع، فسارع إلى الطبيب لتناول دواء مناسب لك... عافاك الله تعالى وشفاك.
واقرأ أيضاً:
فقه المُسْتَنْكَح!: سلاسلُ ذهبيةٌ في علاج الوسواس/ اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية/ هل هناكَ أنواعٌ من اضطراب الوسواس القهري؟