لستُ أدري كيف ينطلق مثل هذا المفهوم وللأسف من نفر غير قليل من المثقفين في بلادنا وقصدت هنا لا وصفهم للطب النفسي وعلم النفس بأنهما نشئا في الغرب وهذا غير صحيح إلا عند الغافلين أو المتحيزين ضد الحضارة الإسلامية من كتاب الغرب؛ ولكن قصدت جهل مثقفينا هؤلاء بتراث أمتهم وعدم فهمهم لأشياء كثيرة فالإسلام لم يفصل بين النفس والجسد ولذلك أشار إلى أن النفس تمرض وتصاب بعلل كثيرة ومختلفة شأنها في ذلك شأن الأمراض التي تصيب الجسم ومن الآيات الدالة على ذلك "في قلوبهم مرض" إلا أن كثيرين ما زالوا يرون في الطبيب النفسي تابعًا لفرويد يطبق نظرياته دون فكر أو نظر، ويرون أن الطبيب النفسي لا يؤمن بالجوانب الروحية والدينية في العلاج!
وهؤلاء للأسف لا يعرفون تراث أمتهم أصلا ولأن فرويد رجل مشهور فهم قرؤوا عنه ولم يقرؤوا عن سواه فلو أنهم قرؤوا بفهم لواحد كابن سينا أو حتى قرؤوا عنه جيدا لعرفوا مثلا أنه قدم ما سبق به بافلوف الذي يعتبره العالم كله صاحب نظرية التعلم الشرطي والتي كانت حجر أساس المدرسة السلوكية في علم النفس نعم سبقه ابن سينا بعشرة قرون لكن مؤرخي الغرب يغفلون ذلك إما عن عدم فهم أو عن تحيز! ولهم عذرهم ولكنني لا أجد عذرًا لمثقفينا نحن في الحقيقة، عندما ينسبون علم النفس وبالتالي الطب النفسي للحضارة الغربية وكأنهم من فرط إحساسهم بالهزيمة الفكرية يكررون كلام الغرب دون فهم ولا تمييز.
وكما يقول أخي د. طارق الحبيب في مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي (وبغض النظر عن ذلك فإن تعامل الطبيب النفسي المسلم مع أفكار فرويد أو غيره إنما يكون في إطار منظومته الدينية والاجتماعية فالطبيب النفسي المسلم هو فرد من أفراد مجتمعه يدين ما يدينون به ويعتقد ما يعتقدونه، وما دراسته وممارسته للطب النفسي إلا محاولة منه في الانتفاع من هذا التخصص في خدمة مجتمعه واضِعًـا ذلك كله في إطارٍ من ضوابط دينـه.
ثم أنه إذا كان فرويد قد أخطأ في مسألة أو أكثر، سواءً كان ذلك عمداً أو جهلاً منه، فليس معنى ذلك أن نـُـخَطِئ كل ما قاله فرويد، وأن نرفض كلامه جملة وتفصيلاً، فهذه فلسفة العاجز الضعيف في التعامل مع المستجدات، والحقيقة أن المرحلة الحالية من توجهات علم النفس والطب النفسي تتجه كثيرا بعيدا عن توجهات فرويد ولكن بعض ما جاء به الرجل ما يزال صالحا لفهم بعض الحالات. وما يجب على المسلم الواثق من علمه ودينه هو أن ينتفع من كل ما حوله، وأن يبحث ويدقق النظر في كل ما يعرض له، ولعـلـهُ يجد فيه ما يفع به نفسه وأمته.
ونحن حينما نقبل شيئاً من كلام فرويد -رغم كونه علمانيا من أصل يهودي- فليس معنى ذلك أننا نقبل دينه كما يظن بسطاء التفكير الذين لا يدركون روح الإسلام ويتعاملون بحذر وخوف مفرط لم يأمر به الدين مع أبسط مستجدات الحياة. كذلك ليس من الصواب الاعتقاد بأن ما ورد في الكتاب والسنة يغني عن الاستفادة من خبرات الأمم السابقة التي لا تتعارض مع أصول الدين، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد هممت أن أنهي عن الغيلة، ولكني نظرت فإذا فارس والروم يغيلون ولا يضر أولادهم" صدق رسول الله "صلى الله عليه وسلم") (طارق الحبيب، 2001).
المراجع:
1- طارق الحبيب (2001): مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي ... عن موقع bafree.net بتاريخ 24 كانون الأول (ديسمبر) 2001
واقرأ أيضا:
جلسات العلاج النفسي ليست خلوة/ حدود العلاقة بين المريض والطبيب النفسي مشاركة3/ العلاج النفسي مجرد كلام ××/ مقابلة فرويد بينَ الطقوس الدينية والطقوس القهرية