أرسلت د. نجوى عار (47سنة، أخصائية استشارات أسرية، الأردن) تقول:
السلام عليكم ورحمة الله؛
أمس شاهدت فيلم مصري اسمه (كده رضا) والفيلم يصور الطبيب النفسي على انه نصاب محترف يستغل مرضاه واعترافاتهم وأسرارهم في عمليات نصبه. وأعرف أن هذا السلوك قد يحدث ليس من طرف الطبيب النفسي فقط ولكن في كل التخصصات ولكن ما ضايقني جدا, هو أننا نسعى جاهدين لترسيخ وتغيير مفهوم الطبيب النفسي في عالمنا العربي ونحاول جاهدين إظهار أهمية الطب النفس; وأن الإنسان الذي يلجأ إلى الطبيب النفسي ليسس إنسانا مختلا أو مجنونا أو مريضا كما هي الصورة وأن الطبيب النفسي محل ثقة, ونعمل بجهد على تغيير الصورة التي رسمها الإعلام من خلال الأفلام الهابطة عن الطبيب النفسي (أما أنه شخصية مهزوزة- أو أنه معقد ويسقط عقده على مرضاه).
ونحن دائما نسأل هذا السؤال، هل صحيح الطبيب النفسي من كثر ما يتعامل مع الأمراض النفسية يصبح هو شخصيا مريضا نفسيا؟!)، ونعاني من مشكلة عدم الثقة فينا والتخوف من مسألة تسجيل الجلسات للغرض المهني، وما صدقنا أن المجتمعات العربية بدأت تتقبل فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي والأخصائي النفسي والمعالج النفسي إما للعلاج أو المشورة أو الاستعانة, حتى يأتي هذا الفيلم الهابط وغير مدروس ليمسح هذه التقدم والهدف إضحاك الناس، بالله عليكم تابعوا الموضوع فالفيلم مستفز جدا، وخاصة أنني أعمل في مجال الإعلام وأقدم برنامج حواري اسري وعانيت الكثير والكثير حتى أجعل الناس تثق بي وبعملي وبرسالتي وبتخصصي، شاكرة لكم، والله الموفق.
14/10/2007
الأخت الفاضلة الدكتورة نجوى؛ تحية طيبة وأهلا ومرحبا بك على مجانين.
تثيرين موضوعا حساسا جدا وهو علاقة الإعلام بالطب النفسي، هذه العلاقة المتقلبة فأحيانا يرفع الإعلام من شأن العاملين في مجال الطب النفسي، وأحيانا يخسفون بهم الأرض، وقد يتهمون بعض الأطباء النفسيين بالجنون أو الانحراف الأخلاقي كما هو الحال في الفيلم الذي أشرت إليه، وهنا لابد لنا من وقفة حساب مع أنفسنا كعاملين في هذا المجال الحساس، والذي جعلنا الله فيه نتعرف على عورات الناس وسوءاتهم أكثر من آخرين يعملون في التخصصات الطبية الأخرى، لذا وجب على العاملين في ذلك التخصص رعاية تلك الأمانة، وأن نكون على قدر المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتق كل منا، فلا يصح أن نسمع عن طبيب نفسي يبتز مرضاه وينصب عليهم ماديا، ويوجههم وفقا لأغراضه، ولا يصح أن نسمع أن طبيبا نفسيا يقيم علاقات جنسية غير شرعية سواء مع مريضاته أو قريباتهن!،
أو نسمع أن طبيبا نفسيا يستغله أهل السلطة في تعذيب الناس والتسلط عليهم، وأظن أن الجانب الأخلاقي من الجوانب الهامة جدا في حياة أي طبيب وبالأخص في حياة الطبيب النفسي، ولذا نجد أن بعض الجامعات العالمية وفي جامعة عين شمس بمصر مثلا يتم إجراء ما يطلق عليه المقابلة الشخصية أو "كشف الهيئة" - مع عدد من أساتذة الطب النفسي في القسم – لكل من يرغب في العمل كعضو هيئة تدريس للطب النفسي، وهل يجدون في شخصيته المعايير المناسبة للعمل كطبيب نفسي بقية حياته؟!، ولهذه اللجنة الحق في رفض أي طبيب يجدون أنه لا يصلح للعمل كعضو هيئة تدريس في الطب النفسي مهما كانت تقديراته ودرجاته، مثلا إذا كان مصابا من قبل باضطراب ذهاني، أو باضطراب شخصية بينية أو هستيرية أو عدوة للمجتمع ، فمن الأفضل أن يبتعد هؤلاء الأشخاص عن العمل في مجال الطب النفسي لتجنب المشاكل المستقبلية التي يكبرها الإعلام ويفضحها على الملأ، وهناك مقولة عالمية شهيرة علينا أن نتذكرها كعاملين في هذا التخصص ألا وهي: "يجذب مجال الطب النفسي إليه المرضى الذهانيين" أو “Psychiatry attracts psychotics”
بعد كلامي هذا أظن أن مشكلة الإعلام مع الطب النفسي في ملعبنا نحن أصحاب هذا التخصص؛ فيجب علينا التزام المعايير الأخلاقية في كل أعمالنا حتى ولو بعيدة عن الطب النفسي قدر استطاعتنا؛ لأن المفترض فينا أننا قدوة للعامة، وأننا نعالج الانحرافات السلوكية والمعرفية لدى الناس، ولا نُحب أن ينطبق علينا قول الله تعالى: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"، ولا يُعقل أن ينطبق علينا قول الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيف الشفاء به وأنت سقيم
الزميلة الفاضلة؛
أذكر لك أن تلك المشكلة قائمة في الغرب أيضا، ولكنها تتم بصفة موضوعية أكثر من عندنا، فلدى هوليود أفلام تكرهك في الأطباء النفسيين شكلا وموضوعا مثل فيلم "صمت الحملان" لأنطوني هوبكنز وغيره كثير، وهناك أفلام أيضا تمتدح الطب النفسي والأطباء النفسيين، وعند د. وائل أبو هندي كتاب كامل عن الأفلام السينمائية الغربية وما تناقشه من موضوعات وقضايا في الطب النفسي، أتمنى أن نرى بعض الموضوعات منه على مجانين في باب مقالات غير متخصصة أو متخصصة.
سيدتي؛ أظن أن الإعلام أداة رصد لكل ما يثير حفيظة المجتمع، والإعلام قد يضخم بعض القضايا أكثر من الحقيقة، ولكن تظل الحقيقة الأزلية أنه: "من لا يتقِ الشتم يُشتمِ" كما قالها زهير ابن أبي سُلمى في شطر من معلقته الشهيرة، وأننا كعاملين في مجال الطب النفسي لا نملك تكميم أفواه الإعلاميين ولا تكسير أقلام الصحفيين، ولكننا نملك وبالتأكيد إصلاح أحوال أنفسنا قدر الاستطاعة، وأن ننصح الغافلين من زملائنا لينتبهوا، وإن تطلب الأمر أن نواجههم ونكشف فسادهم إن لم يستجيبوا للنصيحة، ولنبدأ بعد أنفسنا بإصلاح المستشفيات النفسية العامة، وما يجري فيها من:استغلال واتهام ورفض للمرضى الذهانيين.
(Abusing, refusing and accusing of psychotic patients)
سيدتي؛
هذا هو ما عندي من رد، ولن ألوم الإعلام عن محاولته فضح المنحرفين، بل وألتمس له العذر في المبالغة أحيانا، فأنا مؤمن بأن إصلاح البيت لا يبدأ من الخارج، ولكن يأتي الإصلاح من أهل العزم بداخل البيت، لا يهم أنهم كبارا أو صغارا ولكن المهم أنهم أولوا عزم؛ ولنبدأ بعمل ميثاق شرف لاحترام المهنة، والذي يجب أن يلتزم به كل من يعمل في مهنتنا، وذلك إن كنا نريد رضا الله ثم الذكر الطيب بين الناس، وهذا عاجل بشرى المؤمن، والمجال مفتوح لمن يرغب في وضع بنود عقوبات نلتزم بها كعاملين في تلك المهنة الحساسة، وذلك لكل من يخل بآداب العمل في تلك المهنة، لأن آداب مهنتنا معروفة للمتخصصين – من خلال دراستهم للطب النفسي - ولا يزيغ عنها إلا المنحرفون.
واقرأ أيضًا:
الفصام بين العلم والسينما مشاركة/ الطبيب النفساني بين الواقع والمتوقع ××/ الطبيب النفسي غير مستقر نفسياً! ××
واقرأ أيضًا:
الفصام بين العلم والسينما مشاركة/ الطبيب النفساني بين الواقع والمتوقع ××/ الطبيب النفسي غير مستقر نفسياً! ××