في سالف الزمن كان العرب يعمدون إلى توقيت موعد بدء معاركهم مع شروق كوكب الزهرة أو نجمة الصبح.. الكوكب المرصود للربة (عشتار) "فينوس"، الثرى، لتقاطع الأنوثة على نحو حاسم مع التاريخ عبر أكثر من تقليد وطقس يكرس الأنوثة لمظهر من أرث خاص.. استثنائي، يوم كانت القبائل العربية تفتخر بفتاة عذراء ترافق جيوشهم، تسمى تلك الفتاة (بالعمارية) مهمتها أن تنخي الرجال وتستفز كل هممهم القتالية وتصّعدها حتى الذروة، وإذا ما حدث وأن لاحت هزيمة مرّة وأدركت الفتاة العمارية فإنها عند ذلك تمزق ثيابها بخنجرها وتسوق ناقتها عارية صوب العدو كحّل أخير لإنقاذ روح القتال لدى رجال قبيلتها ودفعهم على الشعور بالخزي والعار وليبرهنوا على رجولتهم عبر استردادها وتخليصها من أيدي العدو..
هذه المعلومات حتمًا غابت عن أذهان الناس -الذين لم تنقذهم نباهتهم- أو تسعفهم ثقافتهم المفترضة، فلم يفهموا حقيقة ما فعلت الفنانة التشكيلية العربية (هالة الفيصل)مؤخرًا حين وقفت عارية في قلب أمريكا في وسط أشهر ساحاتها للاحتجاج على الحرب وفق عادة عربية أصيلة وقد كتبت على ظهرها عبارات ترفض احتلال فلسطين والعراق.
مع العلم أن الفتاة العمارية ظلت مستمرة فقط لدى القبائل البدوية تحت اسم فتاة العطفة. ولم تنقطع إلا في أواخر العقد الثالث من القرن الماضي، ربما للجسد الأنثوي قيمة لم يبتكر لها ميزان بعد..
وما فعلته (هالة فيصل) هو نكاية بهذا المناخ الهزائمي الذي نعيشه ولتشاركنا الحلم بأننا لا نكف عن أن نتيح الفرصة للعالم لاكتشافات جديدة بشأننا.. أن هناك نبوءة تقول: سيكون لخلفنا هجمة أصيلة ويكتشف العالم أننا نصمد.. لم تنهكنا يومًا فكرة كوننا شعبًا يؤمن بالأساطير لأننا صنعناها وصدَّرناها.. علّمنا العالم كيف يعجب بالأساطير..
يمكن لكل أجساد العربيات أن ترقص على قرع طبول مجد لن تنساه.. لنحسن يومًا أعادت إنتاجه عبر إعادة فرز قناعاتنا عندما يفهم الجميع ما بدا لغزًا في جسد (هالة) وفضَّلوه مستورًا مثل كل الهزائم التي سطروها بفضل ضيق الرؤية ونوم مثير للريبة.
لا نستطيع أن نتنبأ يومًا بكل ما سيكون ثانية من التاريخ.. نعم كسالف الزمن يا عرب. العذارى يعرين أجسادهن ويقدن الظعائن نحو الهزيمة.. ليقلن عبر ذلك طاب الموت يا عرب... وأضيف كصيحة تواطؤ مع هالة الفيصل:
إن العري براءة.. تجنح صوب القدس عندما تعلن عن نفسها كحالة شغف بصدق مطلق.... وافهموا احتجاج هالة (الفم المجرد من الأسنان خليق به ألا يتناول ببيانه أية حقيقة) كما قال نيتشه يومًا.. وشكرًا.