وصف الرئيس الأمريكي "بوش" إسرائيل منذ عدة أشهر بأنها (دولة طيبة وقلبها أبيض زي الفل).. ونسي مستر بوش أن يقول انها (ملاك) وتصلي علي السجادة ولا تغادر المعبد.. و"بوش" شأنه شأن أي رئيس أمريكي سابق أو قادم معذور في تصريحاته لانه يعلم جيدا ان مستقبله في يد اللوبي اليهودي والذي يملك كل زمام الأمور في الشارع الأمريكي وأن روحه في يده. ويبدو أن "الطيبة" التي وصف بها بوش إسرائيل غير "الطيبة" التي تعارفت عليها كل القواميس..
وهي في أبسط معانيها السماحة والعفو عند المقدرة وحب الآخرين والعيش معهم في سلام ووئام.. ولكن يبدو أن سياسة الاغتيالات وهدم المنازل علي رؤوس أصحابها والتنكيل بالأبرياء والاعتداء علي الأطفال وسحقهم هي "الطيبة" بعينها طالما أن إسرائيل هي التي تقوم بها. وبصراحة كدة وعلي "بلاطة" فإن بوش حيرنا وحير معنا "البرية".. فهو يصاب بالحول حينما تدك طائرات إسرائيل البيوت الفلسطينية وتصطاد سيارات الفلسطينيين بقنابلها.. وتكاد عيناه تخرج من محاجرها وتنهمر منها الدموع.. إذا أصيبت دابة وليس بني آدم في إسرائيل..
ولم تهتز له شعرة.. أو يعقد مؤتمرا صحفيا في بيته "البيضاوي".. حينما مزقت الجرافات الإسرائيلية سيدة أمريكية أي والله أمريكية وهي ناشطة سلام وقفت أمام بلدوزر إسرائيلي كان بصدد القيام بهدم منزل أحد الفلسطينيين.. ولم يأبه بها سائق البلدوزر ولم يهتم وقام بدهسها في مشهد مأساوي يشيب له كل الأجنة في بطون أمهاتهم.. ولقيت المواطنة الأمريكية مصرعها بعد أن نزفت دماؤها الذكية علي الأرض..
وتناقلت وكالات الأنباء العالمية الخبر ولم يتحرك "بوش" بجلالة قدره.. أو أحد من إدارته.. حتي ولو ذراً للعيون بتوبيخ إسرائيل.. أو قرص أذنها.. بلاش عقابها.. ومحاصرتها اقتصادياً.. ولو ان دولة أخري غير إسرائيل ارتكبت هذه الحماقة.. لأقامت أمريكا الدنيا ولم تقعدها.. وربما دكتها بقنابلها الذكية أو حتي الغبية لذا لم يكن غريبا ان تخرج علينا الآنسة كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية بعد خطف أحد الجنود الإسرائيليين وقيام إسرائيل بعمليات قرصنة واحتلال غزة واعتقال ثمانية وزراء و24 نائبا من حماس بأنه من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها..
يا سلام ومن الذي داس علي طرفها؟؟ لقد حفيت اقدام الفلسطينيون وهم ينشدون ويتسولون السلام منها.. لكن رأسها وألف سيف.. ان تمزق وتنحر كل الفرص لإنشاء الدولة الفلسطينية وهل إسرائيل التي تملك القنابل النووية وجيشاً جراراً وأسلحة تملأ عين الشمس في حاجة إلي أن تدافع عن نفسها امام شعب أعزل تم تجويعه ومحاصرته لدرجة أن موظفين يبحثون عن رواتبهم دون جدوي "اتقي الله"..يا ست "كوندي".. وكفاك دفاعاً عن ظلم وجبروت إسرائيل التي نحرت السلام مع سبق الإصرار والترصد تحت العباءة الأمريكية.. ونحمد الله أن ذاكرتك لم تدخل مرحلة الشيخوخة.. وقطعا.. "أنت فاكرة" شارون حينما تبوأ منصبه وراح بمسح "باستيكة" كل ما تم إنجازه من معاهدات وكاد السلام ان يتحقق وكانت الدولة الفلسطينية قاب قوسين أو أدني الي الخروج للنور..
لكن شارون قلبها ضلمة وراح يهاجم "عرفات" الرئيس الفلسطيني السابق بضراوة.. وقد وصلت به الصفاقة أن اصدر قرارا بحاصرته وتحديد إقامته.. ومنع عنه الماء والهواء.. وراح يصفه بالإرهابي وتناسي أنه حصل علي نصف جائزة "نوبل للسلام" التي شاركه فيها "رابين" رئيس وزراء إسرائيل الأسبق..
وبدلاً من ان تعيد أمريكا الأمور الي نصابها الصحيح راحت تؤازر وتبارك كل خطوات شارون.. واعتبرت عرفات الغصة التي تقف في حلق السلام.. ومات عرفات وخرج من قفص الحياة الي رحاب السماء.. واعتقد الجميع ان حجة إسرائيل الواهية ستتساقط وتتهاوي وان خارطة الطريق التي ماتت علي يد شارون وشبعت موتا ستعود من مرقدها وستبعث من جديد.. لكن الجميع اكتشف انهم يبنون قصورا علي أمواج البحر.. فقد بدأ شارون في تنفيذ مخططه الجهنمي في بناء الجدار العازل.. ولم يعبأ بالانتقادات الموجهة اليه حتي الصادرة من محكمة العدل الدولية..
ومرت الأيام وجرت مياه كثيرة من تحت النهر.. ودخل شارون في غيبوبة ومرضه الطويل واستلم أولمرت الراية من بعده.. واعتقد الناس ان عهداً جديداً سوف يبزغ علي المنطقة.. لكن "هزيع الليل" لم ينجل أو يرحل.. فقد سار علي نفس الطريق الذي رسمه شارون.. وفي الوقت الذي طالبت فيه أمريكا الفلسطينيين بإجراء انتخابات حرة لاختيار حكومتهم.. طبقا لألف.. باء الديمقراطية..
نجحت حركة حماس في الفوز بعقل وقلب الشارع الفلسطيني.. وجاء نجاحها ليزيد الطين »بلة« وتلقفت إسرائيل هذا النجاح.. واعتبرته صيداً سميناً.. وراحت تعلن للدنيا كلها أنها لن تتعامل مع حماس من قريب أو بعيد لانها منظمة "إرهابية" ووقفت أمريكا معها في خندقها وفتحت كل ألوان الطيف علي الفلسطينيين وعبأت الدول الأوروبية كلها ضد حماس.. ومنعت عنها كل وسائل الدعم واعتبرت الحكومة الفلسطينية رجساً من عمل الشيطان..
وبدأت في تجويع الفلسطينيين واتبعت إسرائيل سياسة العصا دون الجزرة مع الفلسطينيين.. وبدأت في اتباع سياسة الاغتيالات التي أتقنها شارون من قبل.. وكان من الطبيعي ان يرد الفلسطينين علي إسرائيل وتم خطف جندي إسرائيل.. وتلقفت إسرائيل الخبر كمن تبحث عن ضالتها المنشودة وقامت بعملية قرصنة خطيرة وليست جديدة عليها.. وقامت طائراتها باختراق المجال الجوي السوري.. وقامت بارتكاب فظائع بغزة.. وتعاملت بمنطق العصابات.. وفتحت أبواب جهنم من جديد في المنطقة.. التي أصبحت تعيش فوق بركان ملتهب.. ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما تخبئه الأيام القادمة من مفاجآت..
يا سادة يا كرام.. لم يعد لدينا شيئ جديد نقوله عن علاقة أمريكا بإسرائيل وهي علاقة تشبه الروح بالجسد.. ولولا تدليل الأولي للثانية ما جرؤت علي ارتكاب هذه الجرائم.. صدقوني انهما عينان في وجه واحد.. أما نحن العرب فليس امامنا سوي الابتهال والدعاء لله أن نستيقظ من سباتنا وان نفيق من سكرتنا التي طالت ونعلم ان وحدتنا الحقيقية هي طوق النجاة والسبيل الوحيد لإنقاذ السفينة العربية التي قاربت علي الغرق فماذا ننتظر لغة واحدة ودين واحد وقومية عربية.. والفرقة مازالت تخيم علي سمائنا بسحبها الداكنة السوداء.. ولا ندري متي نفيق قبل ان يدركنا الطوفان.
نقلاً عن: جريدة الوفد المصرية.
بقلم: بهاء الدين أبوشقة