كل هذا الضرب والتدمير والتخريب وقتل الأطفال والنساء وهدم البيوت على رؤوس أهلها وقصف الجسور وتقطيع الطرق وإشعال الحرائق وملاحقة الهاربين من جحيم الغارات وقتلهم وإحراقهم فوق أرضهم في لبنان.. كل ذلك من أجل جنديين أسيرين في أيدي حزب الله؟!
تشن إسرائيل حرب إبادة على دولة لبنان وشعبها أمام أعين وأبصار كل العالم الذي يتابع غارات الطيران الإسرائيلي ليلاً ونهاراً دون انقطاع منذ عشرة أيام متوالية مع قصف ثقيل من البحر والبر على جنوب لبنان والعاصمة بيروت..
بل وشمال لبنان وشرقه وغربه دون تفرقة بين أهداف عسكرية وأخري مدنية.. والكل يتفرج ولا يتحرك.. إلا كما تحرك رئيس أكبر دولة في العالم وهو يدق على رؤوسنا لتذكيرنا بأن إسرائيل تدافع عن نفسها دفاعاً شرعياً لأن حزب الله أخذ جنديين إسرائيليين في الأسر.. وهو يعرف أن الجنديين الإسرائيليين كانا ضمن قوات احتلال إسرائيلية لأرض لبنانية، وأن من حق المقاومة اللبنانية الشعبية أن تشن حملاتها على جيش الاحتلال كما تقول كل المواثيق والأعراف الدولية.. ومع ذلك يكرر علينا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ادعاءه الظالم بأن المقاومة الشعبية اللبنانية المحتلة في حزب الله هي منظمة إرهابية.. ويعطي الحق لإسرائيل أن تشن حرب إبادة شاملة واسعة النطاق ضد الدولة الصغيرة المسماة لبنان.. فتحرق وتخرب وتدمر وتقتل كما لو كان الإنسان في لبنان ليس مثل الإنسان الإسرائيلي أو الأمريكي.. وكما لو كان العالم قد أصبح غابة للوحوش الكاسرة بلا أمم متحدة وقانون دولي أو شرف وإنسانية.
إنها إذن.. العنصرية النازية الإسرائيلية الأمريكية التي لا تساوي البشر من العرب بالمخلوق الإسرائيلي أو الأمريكي.. فمن أجل أسيرين إسرائيليين فقط.. شنت إسرائيل غاراتها الوحشية بكل ما تملكه من أحدث الطائرات الأمريكية والأسلحة والذخائر المحظورة دولياً كالقنابل الفوسفورية والعنقودية وانتهاك كل بنود القانون الدولي الإنساني في اتفاقيات جينيف لعام 1949 والبروتوكولين الملحقين بها في عام1977 واتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948واتفاقية الأمم المتحدة عام 1980بعدم استعمال الأسلحة والذخائر التي تُحدث أضراراً مفرطة وعشوائية وخاصة للمجتمع المدني.. ومع ذلك فإن الرئيس الأمريكي بوش ومندوبه في مجلس الأمن يمنعان أعضاء المجلس من إصدار قرار بوقف الغارات الإسرائيلية على لبنان.. بل إن الرئيس الأمريكي يجند الدول الصناعية الكبرى المجتمعة في روسيا للوقوف إلى جانب إسرائيل تأييداً لمطالبها في استعادة الأسيرين الإسرائيليين فقط دون ذكر آلاف الأسري العرب في سجون ومعتقلات إسرائيل.
كما لو كانوا هؤلاء ليسوا من البشر.. مع الإصرار على تنفيذ القرار الظالم رقم 1559الصادر بنفوذ أمريكا في مجلس الأمن لنزع سلاح حزب الله.. أي تجريد المجني عليه من السلاح وهو في وطنه وفوق أرضه بينما يتركون كل السلاح للمحتل للأرض اللبنانية في مزارع شبعا وجيشه الجرار على الحدود اللبنانية الجنوبية التي تدخل في أطماع إسرائيل وخططها للسيطرة على منابع الأنهار.. الحصباني والليطاني ضمن الأطماع الصهيونية بتكوين دولة إسرائيل الكبري من النيل للفرات ومن برية لبنان إلى يثرب في المملكة العربية السعودية، كما تقول كتبهم وصحفهم وبروتوكولات حكماء صهيون.. مع تأييد عقائدي خطير من الولايات المتحدة والرئيس جورج بوش بالذات.. هو وإدارته الصهيونية من القمة إلى القاع..
إنهم جميعاً عنصريون مثلما كانت ألمانيا النازية قبل الحرب العالمية الثانية.. عندما كان هتلر يصرح ليل نهار بأن شعب ألمانيا هو الشعب المختار في العالم.. ولابد من خلق المجال الحيوي له بالتوسع شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً تحت راية ألمانيا الكبري.. وهو ما نفذه فعلاً بغزو النمسا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا في سبتمبر1939 مما أشعل نيران الحرب العالمية الثانية.. ووجه آلته الحربية الجبارة نحو غرب القارة الأوروبية وأشبعها ضرباً وقصفاً وتدميراً حتي سقطت كلها تحت أقدام جيشه الجرار.. وخاصة دولة فرنسا الواسعة الممتدة الأطراف.. ولم يتوقف النازي عند حدود فرنسا، بل تابع عدوانه بالغارات الجوية على العاصمة البريطانية.. فهرع رئيس الوزراء ونستون تشرشل إلى الولايات المتحدة الأمريكية يستنجد بها حتي لا يسقط العالم الغربي الديمقراطي الحر في قبضة النازية العنصرية التوسعية الإجرامية..
فصدر الإعلان الثائر للرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني في 14أغسطس 1941 يعلنان فيه المبادئ التي ستسود العالم بعد هزيمة ألمانيا النازية.. وهي مبادئ موجهة إلينا وتخاطبنا وتمنحنا الوعود بحق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية وديمقراطية دون ضغط الأقوياء وغزوهم وقهرهم للضعفاء.. وتحريم التوسع الإقليمي على حساب الدول والشعوب المستقلة.. وعدم استخدام القوة في حل المنازعات الدولية.. وأطلق على ذلك الإعلان اسم "تصريح الأمم المتحدة" حيث كان البذرة الأولي لإنشاء منظمة الأمم المتحدة عام 1945.. مع مبادئها العظيمة عن الأمن والسلام والحرية وحقوق الإنسان واحترام المعاهدات والقانون الدولي، وبناء العلاقات الدولية على أساس التسامح وحسن الجوار والمساواة بين الدول.. وقال المستر "تشرشل" في مجلس العموم بعد مؤتمر بالتا مبررا إعطاء الدول الخمس الكبري حق الفيتو في مجلس الأمن "بأن ذلك راجع لمسئوليتها الخاصة في حفظ السلام والأمن الدولي وواجبها في أن تكون في خدمة العالم وليس لكي تسود العالم".
أين كل هذه المبادئ مما تفعله أمريكا وإسرائيل في لبنان؟.. لقد استخدم المندوب الأمريكي سلاح الفيتو في مجلس الأمن لمنعه من إصدار قرار في منتصف يوليو لإيقاف العمليات العسكرية الوحشية التي ترتكبها إسرائيل ضد شعب فلسطين في غزة والضفة بعد أسر أحد جنودها بأيدي المقاومة الفلسطينية حماس.. لقد وافق على مشروع القرار عشر دول في مجلس الأمن وامتنعت أربع عن التصويت.. ولم يبق إلا صوت الولايات المتحدة الأمريكية.. فأبت أن تعلن موافقتها أو حتي تمتنع عن التصويت ليتسني للمجلس أن يصدر قراره المشروع بوقف المجازر الإسرائيلية.. وسخرت من الدول العشر التي أرادت إصدار القرار.. ورفع جون بولتون مندوب أمريكا يده عالياً بالفيتو.. وشل يد مجلس الأمن والأمم المتحدة لإيقاف مسلسل القتل والتخريب الدموي الإسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة.. ضارباً بالباطل عرض العالم كله وميثاق الأمم المتحدة الذي بشرنا به زعماء الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وتقرير المصير والعدالة والمساواة في إعلانهم الشهير من فوق البارجة البريطانية "الرمز أوف ويلز" في 14أغسطس1941.. لأن رئيس وزراء بريطانيا العظمي ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية في ذلك الوقت كانا يعانيان من القهر والظلم النازي.. فلما رفع الله عنهما ذلك الغضب واستويا على العدل والسلام والحرية بميثاق الأمم المتحدة عام 1945.. نسياه تماماً بذبح فلسطين عام 1948.. واستمرار عمليات الذبح حتى اليوم.
وامتداده شمالاً في دولة لبنان الصغيرة التي لا حول لها ولا قوة أمام الترسانة العسكرية الإسرائيلية الأمريكية، والتأييد السياسي الأمريكي الدولي لإسرائيل في مجلس الأمن.. بل وتشجيعها على مواصلة ذبح شعب لبنان منذ عشرة أيام بحجة الرئيس الأمريكي ونائبه الصهيوني تشيني ووزيرة خارجيته الذين يقولون "دعوا إسرائيل تواصل حربها" حتى تحقق أغراضها المخطط لها سلفاً بتصفية أي مقاومة شعبية ضد احتلالها وتوسعاتها الإقليمية بإخضاع لبنان تماماً ثم التوجه نحو سوريا ومن بعدها إيران التي تثير لهما المتاعب بنشاطها النووي.
نقلا عن جريدة الوفد
اقرأ أيضًا:
غولدشتاين ... يقدسه اليهود لأنه ذبح العرب / أسباب ظهور النظام العالمي الجديد / شارون.. مسيح مخلص أم دجال؟ / إسرائيل دولة ديمقراطية!!!! / السياسة الإسرائيلية الأمريكية والموقف االمطلوب