إن لكل شخصية على اختلاف أنماطها وسماتها مفتاحاً، إذا اهتدينا إليه أمكننا قراءة وتفسير أقوال وأفعال هذه الشخصية، وأمكننا أيضاً التنبؤ باستجابات هذه الشخصية في المواقف المستقبلية، وهذا هو الهدف الرئيسي من دراسات وتقسيمات الشخصية في علم النفس.
والشخصية الصهيونية رغم ما تتسم به من مكر ودهاء وخبث إلا أن البحث عن مفتاحها ليس صعباً، بل ربما نكتشف أنها شخصية قريبة المنال من القراءة والتفسير والتنبؤ، وذلك نظراً لثبات سماتها على مدى الزمن وعدم ذوبانها في أي مجتمع بشري آخر مهما طال اختلاطها به.
ومفتاح هذه الشخصية هو عقدة الاضطهاد، ونقصد بكلمة "عقدة" أن عقدة الاضطهاد في هذه الشخصية متغلغلة في أعماقها وليست مجرد فكرة وقتية طارئة. وبما أنها عقدة فإنها عصية على الحل وقد فشلت محاولات حلها على مدار التاريخ القديم والحديث على السواء.
فاليهود دائماً يعيشون في مجتمعات مغلقة ولا يذوبون أبداً في أي مجتمع مهما طال بهم الزمن فدائماً لهم أحياؤهم وشوارعهم وحواريهم وفوق ذلك معتقداتهم وعنصريتهم ولن نخوض في أسباب ذلك فإن شرحه يطول. وإنما الذي يهمنا هو رصد هذه الظاهرة النفسية لدى اليهود وهي ظاهرة الشعور بالاضطهاد والخوف من الاضطهاد فيتبع ذلك انكماش حسي لهم بأن يتجمعوا في حصون أو أحياء خاصة بهم، ثم يجدون أن ذلك غير كاف لحمايتهم فيتجهون إلى امتلاك ناصية القوة في المجتمع الذي يعيشون فيه فيعمدون إلى مصادر الثروة ومصادر السلاح ومصادر التأُثير المعنوي، ولا نحتاج إلى أدلة كثيرة على ذلك وإنما نسوق للمتشكك أدلة عصرية قائمة بأن ندعه يسأل عن أصحاب البنوك والشركات العملاقة وتجار السلاح ومالكي وكالات الأنباء والقنوات التليفزيونية والإذاعية، ولن يجد هذا المتشكك صعوبة في رؤية العقل اليهودي والأصابع اليهودية تحرك هذه المؤسسات.
وربما يقول قائل: إن ذلك يرجع إلى أن اليهود يتمتعون بقدرات عقلية فائقة، ولكن الواقع العلمي لا يؤيد هذا الاستنتاج، فالقدرات العقلية الفطرية تكاد تكون متكافئة في كل الأجناس وإنما تساعد الظروف على نموها وازدهارها أو العكس.
ونعود فنقول إن عقدة الاضطهاد هي التي تدفع اليهود دائماً إلى السعي الحثيث نحو امتلاك ناصية القوة والتأثير، وهذا هو نفس السبب الذي يجعلهم منبوذين مطاردين على مدى التاريخ، فهم الشعب الوحيد الذي لم يمتلك أرضاً ثابتة تحت قدميه، ولا يرجع ذلك إلى ظلم الآخرين لهم في كل العصور وإنما يرجع إلى طبيعتهم الاضطهادية المتوجسة التي تفترض أن لا بقاء لها عن طريق الامتزاج والعيش بسلام مع الآخرين وإنما يرتبط بقاؤها بالحذر وامتلاك القوة والتجمع وفي نفس الوقت تفريق الآخرين والدس بينهم ومحاولة إهلاكهم.
والمتأمل للتاريخ يلمح ذكاء "نعيم بن مسعود" ذلك الرجل الذي قال له الرسول صلى الله عليه وسلم في قمة غزوة الأحزاب "خذّل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة" هذا الرجل تلمس عقدة الاضطهاد وعدم الأمان لدى يهود بني قريظة الذين هموا بخيانة المسلمين بانضمامهم لمعسكر الأحزاب، فأيقظ فيهم هذا الرجل صفة عدم الأمان أيضاً لمعسكر الأحزاب فراحوا يطلبون منهم رهائن حتى لا يتركوهم فريسة لمحمد عليه الصلاة والسلام في حال هزيمتهم، وكانت هذه نقطة إجهاض التحالف الشيطاني.
إذن فهذه شخصية اليهود، ولن يعجز أي باحث عن أن يجد آلاف الأدلة على هذه العقدة الاضطهادية. بل إنهم إن لم يضطهدهم أحد اختلقوا أساطير الاضطهاد أو ضخموا أحداث الاضطهاد النازي لهم وتضخيمهم لذلك الحدث إلى حد يقترب من الأساطير.
وعقدة الاضطهاد تعتبر بمثابة احتياج نفسي للشخصية اليهودية لأنها تضمن لها التماسك والبقاء وسط عالم يعتبرونه عدوانياً على كل يهودي. وهذا الوضع بالتالي يجعل أصابع اليهود دائماً على الزناد، وتجعلهم أكثر أهل الأرض تطرفاً وعدوانية.
وقد حدث إزاحة لكل عقد اليهود بما فيها (وعلى رأسها) عقدة الاضطهاد نحو فلسطين، ولهذا يدفع الفلسطينيون ثمن العقد اليهودية المتراكمة على مر التاريخ ويعانون منها. ونظراً لهذه التركيبة النفسية، فإن اليهود يفرضون على غيرهم الصراع ويدفعون إليه دفعاً بوعي أو بغير وعي حتى لا نكاد نذكر أنهم استطاعوا التعايش السلمي مع المجتمع الإنساني في أي مرحلة من مراحل التاريخ.
ولن نعدم الأمثلة التاريخية العديدة لتأكيد هذه الملاحظة، ولكننا نلفت النظر إلى سلوكهم الحاضر تجاه عملية السلام مع الفلسطينيين والعرب، فكلما تحققت أي خطوة على هذا الطريق يسارعون بالتخلي عنها والعودة إلى دائرة الصراع من جديد، رغم كل الجهود والتنازلات التي تقدم لهم, ورغم كل النوايا الحسنة لدى الطيبين من العرب والذين دعوا إلى نسيان ما فات وبدأ صفحة جديدة من العلاقات الإنسانية مع الإسرائيليين خالية من كل ذكريات الماضى الأليم.
وكلما طالعت نشرة أخبار ورأيت حجم الدمار والقتل والتشريد فى فلسطين ولبنان نشطت الذاكرة تلقائيا لتستعيد صور الدمار فى بورسعيد والسويس والإسماعيلية وبحر البقر وسيناء, وكأن الإسرائيليون لا يرغبون أن يعطونا فرصة للنسيان, بل يدفعوننا دفعا لرؤية الأمور على حقيقتها ومعرفة أن الشخصية الإسرائيلية بطبعها وطبيعتها لا تفهم غير لغة الصراع.
اقرأ أيضًا:
سيكولوجية الصهيونية في حكايات المهدي(4) / الفئران المحبوسة وبلادة الحس العربي / الحق التاريخي لليهود في أرض فلسطين؟ / من هم الصهاينة؟ / بدايات الاستيطان اليهودي في فلسطين؟؟