تدين إسرائيل بوجدها للإرهاب، ولكي لا نُتهم بأننا نكرر «اسطوانة مكسورة» نستطيع أن نقول إن إسرائيل هي التي جلبت الإرهاب للمنطقة. فقد قامت إسرائيل بأعمال إرهابية مكثفة، من زرع المتفجرات في الأسواق العربية العامة، إلى تفجير الفنادق والمنازل والقطارات، إلى اغتيالات، بما في ذلك اغتيال مبعوث الأمم المتحدة الكونت برندوت. كما كان عدد من قادتها على لائحة المطلوبين لدى السلطات البريطانية ومنهم من وصلوا إلى رتب عالية، على غرار مناحيم بغين، وإسحاق شامير، ومنهم من أدينوا في المحاكم الدولية على غرار ارئيل شارون وغيرهم.
والمذابح التي قامت بها إسرائيل كثيرة ومتعددة منها مذبحة دير ياسين، ومذبحتا اللد والرملة، ومذبحة كفر قاسم ومذبحة مدرسة بحر البقر في مصر، ومذبحتا قانا، وغيرها من المذابح المعروفة، وبلا شك أن هناك مذابح لم يكشف عنها بعد.
واستطاعت إسرائيل أن تكوّن لنفسها محوراً في حربها النفسية ضد العرب، مستغلة سياستها الإرهابية، ونجحت في ذلك إلى حد كبير. هذا المحور تبلور ليصبح على مر السنين مبدأ ثقافياً أطلقت عليه كنية «ثقافة الهزيمة»، فقد وصلت إلى قناعة انه يجب إقناع العرب شعوباً، ودولاً، انه من المستحيل هزيمة إسرائيل.
واستغلت ضعف الإعلام العربي، وعدم مصداقية بعضه في كثير من الأحيان، خصوصاً إبان حرب عام 1967، لتؤكد مصداقيتها هي وإنما تقوله هو الصحيح. واستطاعت تحطيم ثقة العربي بجيوشه وقادته وإعلامه.
ومن ثم انتقلت إلى «ممارسة الإرهاب» حيث فرضت إرهابها على كثير من الدول العربية، وساعدتها على ذلك دول غربية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وهنا أيضا استطاعت أن تكرس مبدأ «الضرب بيد من حديد»، ولكن في الواقع كان ذلك عملاً إرهابياً.
وواكب «ثقافة الإرهاب» هذه، سياسة الإملاءات، بمعنى أن إسرائيل هي التي أصبحت تملي على الدول العربية ما يجب أن تفعل أو لا تفعل ملوحة بسيفها الإرهابي الحاد. فهي التي تحاول أن تفرض شروطها في كل تحرك سياسي في منطقة الشرق الأوسط، وتحاول أن تملي على شعوب المنطقة مواقفها، وإلا استغلت قوتها العسكرية في تحقيق ذلك، معتمدة على الدعم الإعلامي والدبلوماسي والعسكري الكبير من جانب الولايات المتحدة.
وإذا أردنا أن نضع هذا التصرف في إطاره الصحيح، فإننا نستطيع القول أنه «الإرهاب» بحد ذاته، فهي تمارسه بشكل كامل الآن في فلسطين ولبنان، وتدعمها فيه أمريكا عن طريق وضع الضغوط على الدول العربية للوقوف على الحياد، وكذلك على الأصعدة الدولية.
وتمشياً مع «ثقافة الإرهاب» التي تفرضها إسرائيل، وسياسة الإملاءات التي تحاول ممارستها، نرى أن ما تحاول الدبلوماسية الدولية فرضه على الحرب الدائرة اليوم في المنطقة يسير على نمط الإملاءات الإسرائيلية.
وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزيا رايس، تحمل الشروط الإسرائيلية، والتي هي بمثابة إملاءات إلى الدول المعنية وتقول: تريد إسرائيل أن يكون هناك وقفاً لإطلاق النار حسب الشروط التالية، ثم نسمع أصواتاً غربية تقول إسرائيل تريد تجريد المقاومة العربية من سلاحها كشرط أساسي لقبولها وقفاً لإطلاق النار، ويأتي البعض ليقول أنها تطلب من سوريا أن تفعل هذا وذاك، ومن الحكومة اللبنانية أن تفعل كذا وكذا، شروط وإملاءات لا حد لها.
وعندما ترفض حركة حماس على سبيل المثال، الإملاءات يبدأ الإرهاب الإسرائيلي بكل بشاعته، وعندما يرفض حزب الله هذه الإملاءات، يقوم الإرهاب الجوي الإسرائيلي بحصد المدنيين وقتل الأبرياء، وعندما ترفض سوريا الانصياع لمثل هذه الإملاءات تصبح «دولة مارقة».. وهكذا يستمر سيناريو الإرهاب الإسرائيلي المدعوم كلياً من إدارة بوش وحكومة طوني بلير التي ترى في ذلك سبيلاً يتماشى مع مواقفها هي.
الولايات المتحدة تستعمل نفس الأسلوب في العراق وأفغانستان، وترى في الديمقراطية الفلسطينية أنها ديمقراطية «رفض الإملاءات» ولهذا يجب محاربتها. ولكي تنتصر «ثقافة الإملاءات» الإسرائيلية/ الأمريكية، يتحتم عليها أن تنتصر أولاً على «ثقافة المقاومة» فمثل هذه الثقافة تشكل الحجر الأساسي في تقويض سياسة الإملاءات.
من هذا المنطلق يجب أن نفهم أبعاد الحرب الإرهابية التي تشنها إسرائيل في فلسطين ولبنان، والتي تخوضها إدارة بوش في العراق وأفغانستان، ومحاولات بعض الأنظمة العربية وغير العربية باستعمال الأسلوب نفسه ضد شعوبها بهدف دحر «ثقافة المقاومة».
وهذه السياسة لا تقتصر على الممارسات على الأرض، بل أيضا في المحافل الدولية، إذ كيف يمكننا أن نفسر تعنت أمريكا في منع اتخاذ أي قرار يدين الإرهاب الإسرائيلي، الشيء الذي يفسح المجال أمامها للاستمرار في المجازر التي ترتكبها في فلسطين ولبنان؟ وكيف يمكن أن نفهم الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني؟
إن محاولة تلخيص ما يدور اليوم في منطقة الشرق الأوسط، بأنه حرب ضد الإرهاب، ومن أجل «تعزيز قوى السلام الديمقراطية في المنطقة»، هو تلخيص خاطئ، ومضلل، ومنح أعداء العرب القوة في الاستمرار بممارسة الإرهاب وسرقة ثروات المنطقة واستعباد شعوبها. والواقع أن الحرب في فلسطين وفي لبنان وفي العراق، قد أسقطت الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية من قاموس السياسة الشرق أوسطية.
اقرأ أيضًا:
رسالة إلي غزة / إسرائيل دولة ديمقراطية!!!! / طريد الدار / الطريق إلى غزة.. عندما تسللت إلى وطني / «جريمة» حماس التي لن تغتفر