أزعم نفسي دائما من دعاة التقريب، وما أحب التفريق مطلقا، غير أنه في ذات الوقت ما أحب التجمع دون حقيقته، ولا أحب مسك العصا من الوسط على طول الخط، بل يجب النطق بالحقيقة مهما تكلف المرء،ولو كان يدرك أن البعض لن يقبل منه، المهم أن نقول الحق الذي نؤمن به عند الله سبحانه وتعالى، وليرض من شاء وليسخط من شاء، المهم رضا الله وسخطه.
وحين الحديث عن "فتح" فنقصد غالب "فتح" وليس كلهم، وبالطبع حين الحديث عن "حماس"، فنقصد غالب "حماس" وليس كلهم، فقد طال الحديث عن الخلاف بينهم، إلى الحد الذي وصل إلى أن ما يحدث بين طرفين هو نوع من الترطل والبعد عن الوحدة الوطنية، وأنه من الواجب على الجانبين أن يجلسا على مائدة واحدة من المفاوضات وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وأن كلا الطرفين يغيب عنهما المصلحة العامة للوطن.
مثل هذا الكلام يكون عند الناس "الطيبين"،أصحاب النيات الحسنة، لكن سياسة التقريب دائما ليست مجدية، وخاصة مع فصيلين مختلفين في مجموعهما بعيدا عن الحكم على الأفراد، ففصيل علماني النزعة، وآخر إسلامي أصولي من الطراز الأول، فصيل قام في صورته الأخيرة على أن الحل في الاعتراف بإسرائيل، والآخر يرى أن الاعتراف جريمة سياسية وكبيرة من الكبائر، وقتل للقضية، وغير ذلك من الخلافات الشهيرة بين الفصيلين الكبيرين.
ومن السذاجة أن يتصور أن كلا الفريقين يسعى لمصلحة واحدة، وقد آن الأوان أن يفصح عما كان يخفى لأجل عدم توسيع الهوة بين الفريقين، أما والأمر قد وصل إلى حد القتال، فإنه من الحق أن يحكم الناس بين الفصيلين على أسس ما عادت تخفى.
فـ"حماس" مغضوب عليها من القوى العالمية، وهي في نظرهم "منظمة إرهابية"، وفي سبيل ذلك هناك سعي عالمي لإفشال تلك الحكومة حتى لو جاءت عن طريق صناديق الاقتراع بصورة نزيهة لا مثيل لها في العالم العربي والإسلامي.
بل تكون هناك حكومة ظل للسيد الرئيس على الجانب الآخر، وتكون "فتح" هي صاحبة القبول العالمي، وصاحبة الشرعية، وصاحبة الحق في إقرار مصير الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية حتى لو كانت هذه ليست رؤية الحكومة، وكأنها حكومة صورية، فيقتل وزراء ونواب من الحكومة، ولأول مرة في تاريخ البشرية نسمع عن حكومة معتقلة، والكل يوافق على اعتقالها حكاما، وكل الشعوب ترفض هذا الهزال السياسي.
ولعل الصور أنطق ما في الموضوع في الحكم، فعباس يذهب ويجلس بابتسامة مع ما يكاد يشبه الأصدقاء، أولمرت، رايس، بوش، الاتحاد الأوربي، وهذه الصور التي نراها في كل وسيلة من وسائل الإعلام هي أبلغ ما في الموضوع للحكم، فأمريكا ودولة الاحتلال الصهيوني وأوربا إن كانوا في كفة مع فئة ضد فئة، فكل عاقل يدرك أن الحق مع الفئة المناهضة لهذا الاستعمار العالمي.
وإذا كان "الفتحويون" تفتح لهم الخزائن والأرصدة في البنوك، ويعاملون معاملة بعض رؤساء دول ودبلوماسين رفيعي المستوى في أوربا وأمريكا في الوقت الذي لا يجد فيه وزراء في حكومة حماس سيارة خاصة يتنقلون بها، أو ثيابا جديدة لأجل أن يعيشوا محنة الشعب، أو أنهم قد لا يجدوا لأولادهم تعليما كما لأبناء فتح، فإن العقل يدرك من صاحب القضية، ومن هو مخدوع على أدنى درجات حسن الظن، أو "الهزال وبيع القضية" بالنظر إلى المآلات أو باللغة الصريحة التي لا تعرف اللف ولا الدوران.
إن التغني بما لـ"فتح" من ماض قديم لا يشفع لها، وإن كنا نعلم أن هناك من هم مخلصون من أبناء فتح، فهناك من هم أقرب للخيانة وبيع الوطن، وإن لغة الحاضر يجب أن تكون سائدة.
إن هناك مؤامرة بين أمريكا وإسرائيل وفتح على إسقاط حكومة حماس، لدرجة أن وزيرا إسرائيليا يصلي لأجل أن ينصر الإله فتح على حماس، والمؤامرة الثلاثية ليست فكرتي أو صنيعتي، وإنما هي فكرة بعض المحللين السياسيين بأمريكا وأوربا، إن أمريكا ظنت أن حماس ستركع مع الوقت، فلما أيقنت أن حماس لن تركع بالسياسة، كان لابد من محاولة لتركيعها بشكل آخر، ومن خلال منظمة فتح التي أتت لأدوار يدركها قادتها، ويخدعون أتباعهم بلافتات وطنية هم أبعد ما يكونون عنها، ويتحرك أولئك المخلصون من أبناء فتح بطيب نية مع سوء عمل ليقفوا وجها ضد أبناء حماس الذين باعوا أنفسهم لله ولرسوله، ثم خدمة وطنهم، وكان الأجدر أن يفهم المرء، ولكن كيف يفهم والبطون خاوية، والرواتب الفتحاوية تقطع إن انحاز فتحاوي مع حماس، وفي إغراء المال يضيع الدين والوطن.
والحل في نظري مع الشعب الفلسطيني الذي يغيب عن المعادلة بين فتح وحماس، وأن يحسم الشعب خياره، فإما أن يكمل مع حكومته التي اختارها، وإما أن يبيع القضية مع عباس، وساعتها يكون اختياره وحسابه عند الله ليجزيه بما اختار.
وإذا كان كثير من الناس لا يعرف الخلفية العقدية لمحمود عباس فلتكن المعرفة حتى نفهم هل يمكن لهذا الرجل أن يخاف على وطنه، إذ الذي يبيع دينه حتما يمكن أن يبيع وطنه.
إن كثيرا من المصادر تشير إلى أن محمود عباس بهائي العقيدة، يعني أنه خارج عن ملة الإسلام إن صدقت تلك المصادر، ومع رفضنا لكثير من سياسة عرفات، لكننا كنا نراه يصلي ويحاول أن يظهر شيئا من شعائر الإسلام، لكننا لم نلحظ أبا مازن يصلي ولو لمرة واحدة.
ولا ننسى أن الرجل "مهندس أوسلو" والتي بمقتضاها تم التنازل عن 80% من فلسطين لدولة الاحتلال، ودور الرجل معلوم صرح به، وهو: نزع سلاح المقاومة، وتحويل عسكرة الانتفاضة إلى سلمية الانتفاضة، بل كما صرح في بعض محاضراته: "إن إسرائيل دولة بُنيت لتنتصر. وإذا كانت قناة العربية. نت قد نشرت على موقعها بتاريخ الجمعة 1 يوليو 2005م، 24 جمادى الأولى 1426 هـ مقالا عن البهائية بعنوان: "حدائقهم في حيفا كلفت 250 مليون دولار، البهائيون.. قبلتهم الأولى في إسرائيل وينفون وجودهم فيها لأسباب سياسية ومع كون المقال حاول أن ينكر علاقة محمود عباس بالبهائية، فإن الكاتب اليساري الفلسطيني عبدالقادر ياسين يقول عنه: "فهو البهائي عباس ميرزا.. اسمه الأصلي محمود عباس ميرزا، وعائلته إيرانية الأصل، غادرت إيران مع اضطهاد الحكومة الإيرانية للبهائيين" (جريدة الأسبوع المصرية 13-1-2000م).
وقد وصل إلى فلسطين قادماً من إيران حاملاً العقيدة البهائية لينال وزر أول من أدخل تلك العقيدة الفاسدة إلى فلسطين... وهناك في حيفا... يقع معبدهم تحت رعاية وحماية الكيان الصهيوني.
إن كثيرا من السياسيين يدرك العلاقة الوثيقة بين فتح ودولة الاحتلال الصهيوني، بل هناك عناصر من فتح معروف عنهم الصلة الوثيقة بدول الاحتلال أكثر من رئيس السلطة، فهل بعد كل هذا نقول: إن فتح وحماس مخطئتان، وهما في الخطأ على قدم المساواة.
إن الحق في أصله لا يتعدد، بل هو واحد، ويجب ألا يصيبنا العمى ونحن نرى بأعيننا على شاشات التلفاز، ولكن إذا جلسنا على مائدة الفكر يجب أن نزوق الكلام وأن نخرج كلا الفريقين مخطئا،فشتان بين من يسعى للإصلاح وبين من سلم فلسطين مع أصدقاء آخرين لشر خلق الله، فهل آن الأوان أن نفهم حقيقة الفريقين، وهل آن الأوان للشعب الفلسطيني أن يختار بحرية تامة أي الطريقين ومع من يسل.