في مقال نشرته على موقعكم الكريم تناولت فيه الحدث ولكن من جانب سياسي، أما هنا فسوف أتطرق بعون الله لإعدام صدام لكن تحت خيمة التحليل النفسي متمثلا ذلك بمحاور ثلاث سأناقشها معك أخي القارئ واحدا تلو الآخر وهي: صدام والموت، الجلاد، الجمهور.
أولا – صدام والموت
لا يختلف اثنان سواء كانا متخصصين أم غير ذلك -وشهد بذلك الحضور وكلهم من الأعداء له– على أن صدام في اللحظات الأخيرة أظهر شجاعة ورباطة جأش كما نقل التلفاز، لكن هل هذه هي الحقيقة؟ وهل هذه هي شخصيته الحقيقية؟ تعال معي نغوص في داخله كي نتعرف على حقيقة الموقف.
إن الطبيعة البشرية لشخصية كل إنسان وهكذا جبلت تحب الحياة ومتمسكة بها، تحب الحياة متشبثة بها، تكره الموت، ولكن الموت في نظر صدام في هذه اللحظة بالذات ليس ذلك المجهول الذي يبث الخوف والرهبة لأنه بانتظاره طال أو قصر أمده كما أنه قضاء الله وقدره وحكمته في أن يعيش عمرا زائلا في هذه الدنيا ثم بعدها يعيش عمرا خالدا في الآخرة، وكما أن للحياة غاية فان للموت غاية وتكتمل الحكمتان في اختبار الإنسان وامتحانه في حياة أخرى باقية، والموت حادث كلي كلية مطلقة من ناحية وجزئي شخصي جزئية مطلقة من ناحية أخرى، فجميع البشر ميتون ولهذا يقال أن الموت يتبع مع الجميع سياسة ديمقراطية تقوم على المساواة المطلقة –إن صح التعبير– فموت صدام في هذه اللحظة بالنسبة له ممكن تمثيله على أنه قوة تدميرية وإبداعية معا فلكي يحصل على هدف حقيقي ومعنى صادق لابد أن يتقبل معنى لمعاناته وفي النهاية موته ومن هنا أصبح الموت بالنسبة له عاملا ذا أثر هام في إعطاء الحياة معناها ومغزاها، كل هذه أفكار كانت تراوده في كل اللحظات مع أنه شخصية نرجسية كما ذكر الدكتور محمد المهدي –وسأكتفي بتحليله- ملونة بسمات بارانوية وسمات سايكوباثية والنرجسية كما يعرف الأخصائيون هي حب الشخص لذاته وشعوره بأنه مركز الكون، ففي هذه اللحظة عززت هذه النرجسية لديه وكان منشغلا ويردد في ذهنه أنا خسرت كل الجولات وها أنا على مقصلة الإعدام أواجه النهاية المحتومة، فموقفي هذا ورقة أخيرة بيدي وسأستغلها أحسن استغلال، وعلى الرغم من أن هذا الموقف يعد محنة إلا أني سأحوله إلى منحة.
فردد كعادته بفلسطين والعراق مستجديا عطف الناس وندد بالأمريكان والأعوان كما سماهم –وأنا اتفق معه في أنهم كذلك– مستجديا رحمة التاريخ، يعني باختصار لم يكن صدام شجاعا في تلك اللحظات ولكنه كان معززا للكثير من الاضطرابات النفسية التي كان يعاني منها ودللت على ذلك الكثير من الدراسات التي أجريت عليه.
ثانيا- الجلاد ورغبته في تحقيق العدالة
فيا له من مصطلح، بيد أن مصطلح العدالة بحاجة إلى الكثير من التعديل أو إعادة التعريف مادام يتم تحقيقه بهذا الشكل حاله حال التطرف أو الإرهاب وغيرها من المصطلحات المعكوسة أو أن هناك سببا آخر!!!.
يبدو أن قواميس لغتنا باتت مشوشة أو ملغومة بالكثير من الأفكار الدخيلة لذا ينبغي التعديل حتى تصبح هذه الكلمات واضحة بوضوح الفئة المراد توجيه الكلمة ضدها. فهل كان الجلاد ومصادره هنا كثيرة ينوي تحقيق العدالة بهذا الشكل؟ أم هو مجرد انتقام أعمى من شخص طالما شكل تهديدا لهذه الفئة أو تلك، أو لهذا الحزب أو ذاك، أعتقد جازما أن الهدف من تعريف تحقيق العدالة هنا لمجرد الانتقام فلو تتبعنا طريقة الإعدام من البداية إلى النهاية بما فيهم الشخوص لوجدتها تدل على كلامي هذا فهل تعتقد أن مقتدى الصدر عمل جلادا قبل ذلك؟ أنا أظنه رجل دين وسياسي فكيف نراه يلف الحبل على رقبة صدام أم هي صفقة؟ أظنها كذلك!!!.
ثالثا –الجمهور
للجمهور في كثير من الأحوال كما تدلل على ذلك نظريات علم النفس الاجتماعي قوة كبيرة في الدعم خصوصا إذا كانت المهمة متعلمة بشكل جيد، وهنا سأقسم الجمهور إلى فئتين فئة الحضور المباشر كما في كرة القدم هناك حضور في الملعب وحضور غير مباشر يتفرج من خلال التلفاز، دعني أحدثك عن الحضور المباشر فقد قالت وسائل الإعلام أن الحضور من كل الطوائف وبينهم واحد سني، على ماذا يدل هذا الكلام -وهو حقيقي-؟ ألا يدل على أنها صفقة وهنا التنفيذ أو تقسيم الأرباح كما بدا عليهم الفرح الشديد وقد تعلمنا وقلتها أن الإنسان السوي normal يشعر بالرهبة أو الخوف من رؤية الموت أو حتى التحدث فيه لكن عندما يكون متمرسا أو لديه من مشاعر العدائية الكثير هنا يختلف الموضوع فيتلذذ برؤية الموقف، وهذه هي السادية sadism وهي استمتاع الشخص السادي بتعذيب الآخرين أو رؤيتهم يتعذبون فهم ساديون يتلذذون برؤية الموت أمامهم والدلائل على ذلك كثيرة منها ترديد شعارات الكل سمعها وعرفها، كما يدلل على وجهتي النظر السابقتين بأن واحدا من المقنعين الذي يستتر خلف قناعه البائس هو الشخص الذي ذكرته، وأن الموقف لمجرد الانتقام والحادثة مشهورة.
أما الجمهور غير المباشر فقد انقسم بطبيعة الحال أيضا إلى فئتين فئة مؤيدة وأخرى معارضة، أما المؤيدة فكانت لها وجهة نظر بأنه الخلاص من زمن الدكتاتورية وإبداله بزمن كالذي نعيشه الآن عصر الديمقراطية والحرية –القتل المباح، السرقة أمام أنظار الناس، التشريد القسري،...الخ– وليس عليهم هنا أية ملامة فكل ذلك بتأثير غسيل الدماغ Brain wash وآثار الحرب النفسية الأمريكية والصفوية، أما الفئة الأخرى فهم المعارضون فقد كانت لهم وجهتي نظر واحدة تؤيد الإعدام ولكنها ترفض الطريقة والوقت وأخرى تعارض المبدأ أساسا.
ولكل من هؤلاء حججه ودلائله المتشبث بها، ولكن الجانب النفسي لعب دورا كبيرا فالموقف الذي ظهر به الإعدام والوقت غير ملائمين وحركا مشاعر نفسية لكثير ممن يتعارضون مع سياسته فكان الموقف من بدايته حتى نهايته موقفا وطريقة غبية، وتدل على أنها مدروسة جيدا من جانب سياسي فقط أما من الجانب النفسي فلا أعتقد ذلك فقد نفذت بانفعال شديد واندفاعية impulsive كبيرة فاعتبرها المنفذون فرصة ذهبية لن تتكرر وتصفية حساب إن ذهبت لن تعود أبدا.
واقرأ أيضًا:
علم عراقي أم علم هلاكي / من قصيدة لبغداد / سقوط بغداد / عن الانتخابات العراقية ! / من العيد إلى يوم العراق البعيد / على باب الله 13 /3 مع العراق / لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ مشاركة