حدثني صديق ذات مرة وهو العائد من أمريكا في زيارة إلى البلد طال أمدها وكثرت آمالها وآلامها بعد أن تغير لونه وتبدلت أحواله إلى جانب أشياء كثيرة داخليه وصارت لغة وأخلاق البلد غريبة عنه وكأنها رجس من عمل الشيطان؟
قال إن الإنسان في أمريكا لا يشبه الإنسان لديكم -ظننت في بادئ الأمر أن أمرا ما حصل وتغير في فسيولوجيا الأعضاء- فهو يتمتع بكل شيء يريده، لا سلطة تضايقه ولا دين يرفضه ولا مذهب يعقده وأنك هناك تأكل كيفما تشاء وتلعن وتسب كيفما تشاء ويمكنك أن تضاجع كل من تحب من النساء، حدثني أيضا وقال أنك هناك ما تلبث أن تلاعب أصابعك الأزرار حتى تجد العالم بين يديك يقول لك (شبيك لبيك) وكأنه قرية صغيرة تسيطر عليها بسهولة.
في أمريكا..... تدرس كيفما تهوى وتحب لا قبول مركزي ولا استثناءات ولا توجد بطالة إلا لمن أراد أن يكون متسكعا برغبته، وهناك تستطيع أن تأكل حتى وان لم تعمل؟!
وان تدافع عن أمريكا فلا عدوان يهددها ولا حروب تجتاحها فهي تحيا في سلام وأمان.
واخبرني أنهم لا يشربون ماء الصنبور ويستعيضون عنه بالماء المعقم أو ربما (البيبسي كولا أو الكوكا كولا) حتى لا يصابون بالضمأ أو التهاب الأمعاء والمجاري البولية، وهناك لا يمرض الإنسان فالمرض بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وهي رجس من عمل الشيطان!!
وقال أيضا: في أمريكا لا مكان للجريمة فكل إنسان هناك يحاسب ضميره قبل أن ينام وكل إنسان رقيب نفسه والآخرين; لهذا لا جريمة ولا خوف فالفرد الأمريكي يلعب (بالدولارات) كما يلعب الأطفال بالأوراق لكثرتها؟
فقلت لنفسي يا إلهي ماذا لو سافرت إلى أمريكا لكنت في خبر الغني والحرية ووجدت كل ما تشتهيه نفسي هناك، ثم عدت لأستدرك ما فكرت فيه فقلت ثانية مع نفسي ماذا لو جاءت أمريكا إلى هنا لكنت أنا وأهلي وأصدقائي نحيا بهذا النعيم والترف وتمنيت أن لا أكون رأسماليا وأكون اشتراكيا مع أمريكا.
وانتظرت الأيام وأنا ارقب الآتي من الزمن وأسمع الأخبار وأخذت أبشر نفسي كيف سأستقبل أولاد ابن عمي (ســـــــام) كل يوم أفكر في هذا وأخيط في خيالي نجمة جديدة في العلم الأمريكي واكتب قصيدة للحرية مرة بالإنكليزية ومرة بالعربية للترحيب بالأصدقاء الأمريكان دعاة الحرية والسلام وصناع الأمان.
وإذا بيوم طل علينا فجره بصاروخ أمريكي، فقفزت من فراشي هلعا وخوفا فهدأت لحظــــة ثم قلــــت (Welcome freedom) أهلا بالحرية، أهلا بأبناء العم سام، قلت إنها حرب نظيفة لا تخدش ولا تجرح ولا تقتل أحداً، يومان لا ثالث لهما وينتهي كل شيء فانقضت اليومان ومر علينا يومان آخران وذهبا وجاء يوم أخر، لكن الحرب لم تنتهي وإذا بالتلفاز يظهر صورا ضحايا الحرب أطفال ونساء اختلطت أجسادهم بتراب الأرض وبقايا البارود فلم يعد لهم اثر ولا ترى لهم قطرة دم واحدة، فاخذ قلبي يلومني متمزقا ما هؤلاء؟! هل أبناء العم سام تغيروا؟ أيعقل أن تكون حربهم بهذا الشكل! وبعد ذلك التمست للحال عذرا فقلت كل حرب لها خسائر وضحايا والله يكفينا شر الحروب.
ومضى شهر انتهى فيه كل شيء وأصبح أبناء العم في عقر داري فهللت كثيرا واستبشرت بأبناء العم هنا! ونظرت حولي لأجد كل شيء مباح سرقة وقتل واغتصاب وحرائق دمرت ما بقي من حطام بلدي كل شيء تطمح له النفس الأمارة بالسوء والعقول الظالمة يمكنها أن تنال بسهولة وتستطيع أن تفعله دون حساب أو رادع. فسألتهم ما هذه الفوضى قالوا: ألا تؤمن بالحرية هذه هي حرية الزمن الأمريكي!
قلت: والقانون؟ قالوا: قيود وضعها الإنسان لتحد من عنفوان الشباب! قلت أيام ويعود كل شيء أحسن مما كان.
وانقضت أيام كثيرة ولا تزال الظلمات تخيم علينا ولا يزال انقطاع التيار الكهربائي مستمرا يردفه قلة الماء.
فسألت مرة أخرى: لماذا هذا الارتباك؟
قالوا لماذا تريد الكهرباء إنها مؤذية تصعق الإنسان وتقتله أحيانا، وأنتم أيها العراقيون لكم مكانة خاصة في قلوبنا لأجلكم عبرنا المحيطات والبحار ولأجل حريتكم أريقت الدماء ونحن لا نريد أن نخسر عراقيا واحدا.
قلت والماء؟ قالوا ويحك أتريد أحسن وأنقى من مياه ربك إنها معقمة بالطبيعة لا بالجينات الوراثية أشربوها واحمدوا ربكم فقد خبرناكم مؤمنين صابرين على كل شيء.
وانتظرت أياما أخرى لأرى ما سيكون عليه الحال ومرت الأيام وانتشرت الأمراض فكلمتهم ثانية وقلت ما هذه الأمراض؟
قالوا ويحك الست مؤمنا بقضاء ربك وقدره فالأمراض من الله تزكي الإنسان من عذاب الآخرة وتخفف عليه من ذنوبه!.
قلت: إنا لله وأنا إليه راجعون.
ومرة أخرى تناثر الرصاص في السماء وطرز الأرض وتصاعدت السنة لهب النيران من الأرض إلى السماء. فذهبت هذه المرة وأنا في خجل شديد من كثرة الأسئلة قلت: هذه أخر مرة أتحدث فيها، قالوا: لا تكثر الكلام فنحن مشغولون بالبناء والاعمار!
قلت: كان الله في عون أبناء العم سام، وما هذا النار والرصاص؟
قالوا تلك العاب نلهوا بها كلما ضجرنا فنحن كما تعرفون (كاوبوي) وهوايتنا المفضلة قتل الناس وإزهاق الأرواح.
وفي كل يوم نجد عدوا جديد للحرية ونحن نلعب معكم هذه اللعبة فنحن دعاة الحرية والأمان، وأنتم لصوص دكتاتوريون سراق!.
ومرت أيام وأيام وقررت أنا ومجموعة من أصدقائي الخروج في مظاهرة سلمية ضد الأمريكان لأن المظاهرات في أمريكا حق عام فوجدت إنه من دواعي الحرية والديمقراطية أن أمارس هذا الحق. فإذا برصاص الموت بانتظاري أنا ومجموعة الأصدقاء، فسألت للمرة الأخيرة لم هذا التشنج والتعصب ونحن في مظاهرة سلمية؟؟؟
قالوا: لم هذه المظاهرات؟ هناك طرق عصرية للتعامل مع الواقع وأخرى للاحتجاج والرفض فقلت كيف هذا؟!
قالوا البكاء، والتوسل والتسبيح بقوة أمريكا الواحدة لا سواها!
قلت: يا إلهي ما أصعب حرية الزمن الأمريكي وما أغربها!
وذات يوم..... وإذا بصديق لصديقي الأول يزورنا فأردت أن أساله عن صحة صديقي وأحواله في أمريكا، فقال: صديقك صباغ أحذية على أرصفة الشوارع في (نيويورك)، وحينما يريد أن ينام يفترش الأرض ويلتحف السماء ويبيع جسده لأفلام الجنس عندما لا يجد الطعام فهو على هذه الحال يردد دائما أنا ميت عندما تركت العراق.
قلت: عاش العراق حرا رغم أنف كل كذاب وعدوا آثم ومتحدث بليد غاشم، عاش العراق .
واقرأ أيضًا:
المواطن البابلي يعتقد بانفراج الوضع الأمني / قراءة نفسية لإعدام صدام / سارة وبوش الشرير ونظامنا الغبي / هذه هي إسرائيل الطيبة يا مستر بوش...