مُنذ اتفاقية أوسلو وحتى يومنا هذا والقضية الفلسطينية في حالة تراجع وانحدار نحو الأسوأ على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا بل إن الواقع السياسي الفلسطيني الراهن أصبح في حالة يرثى لها إلى حد دخول المشروع الوطني الفلسطيني نفق سياسي مظلم لا يبدو فيه النور في آخر النفق ولا حتى إشارة مرور تشير إلى طريق النور, والحقيقة إن ما جرى بعد أوسلو هُو أن الإعلام الإسرائيلي وإلى حد كبير الإعلام الفلسطيني والعربي الرسمي قد تَناسى عَمدا وقصدا التاريخ الفلسطيني قبل أوسلو وبَدأ يُعطِي صُورة مشوهة ومزيفة عن الواقع والتاريخ الفلسطيني مع الإيحاء بِأن لُب وجذور القضية الفلسطينية ينحصر في تاريخ ومُسميات ما بعد أوسلو من مُصنعات سياسية زائفة وللمثال لا للحصر بَدأ ومازال الإعلام بعد عام 1993 يتناول مصطلح "السلطة ومناطق السلطة الفلسطينية" دون أن يُحدِد صلاحيات ومساحة مناطق السلطة أو حتى تحديد مهام هذه السلطة حتى يومنا هذا ضِمن.
إستراتيجية إعلامية وسياسية جوهرها اختزال تاريخ القضية الفلسطينية في قالِب جديد ومُحدد تتحكم فيه إسرائيل ومشتقاتها من فلسطينيين وعرب ينحصر بين التفاوض على مساحة مناطق وصلاحيات سلطة فلسطينية لا وجود لها أصلا إلا في إطار الثلل الفاسدة والعاجزة التي أفرزتها كارثة أوسلو وقامت بتحويل القضية الفلسطينية إلى ورشات مصالح وتجاره وقضية ربح وخسارة من جهة وبؤر توتر بين فصائل وحمائل فلسطينيه من جهة ثانية وبالتالي ما جرى ويجري هو ليس مجرد دعم مجاني ومدفوع للاحتلال الإسرائيلي لا بل هو تكريث مبرمج للكارثة الوطنية الفلسطينية الحاصلة كواقع يعيشه الشعب الفلسطيني وطنا ومهجرا.... التيه والشعور بالضياع وفقدان الأمل والبوصلة هو ما يصبغ الواقع الفلسطيني الراهن!!
من هنا لابد من التذكير والتنبيه إلى أن أسلوب إحياء ذكرى النكسة في الإعلام الفلسطيني والعربي الرسمي والفضائي المأجور قد أخذ منحى سياسي يتناسى فيه المُطبعون والانبطاحيون كون النكسة والنكبة تاريخان لا يفترقان وتوأمان لا يمكن فصلهما وأن الاحتلال الإسرائيلي لم يبدأ في عام 1967 لا بل في عام 948 والسؤال البسيط المطروح هو: كيف يمكن أن تنشأ قضية اللاجئين وحق العودة لولا الاحتلال والإحلال الذي جرى في عام 1948 وليست في عام 1967 فقط؟! وبالتالي ما هو جاري الآن هو محو تواريخ ومحطات القضية الفلسطينية وحصرها في أقل من أوسلو, واعتبار أوسلو كبداية لِتاريخ القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
بمعنى ما هو قبل 1993 وتحديدا عام 1948 وعام 1967 هو تاريخ وواقع إسرائيلي مفروض على الأرض ولا علاقة لَهُ بالقضية الفلسطينية, والصراع بِتاريخه الجديد ينطلق من مَدى تَثبيت إسرائيل لوجودها وتواجدها وضمها لأراضي من مناطق الضفة والقطاع [مناطق مُتنازع عليها وليست مُحتله] من جهة ومن مَدى قُدرة إسرائيل الإعلامية في تَشويه صورة جُذور القضية الفلسطينية من خلال جَعِل الصراع يبدو بين فَرِيقين على أساس تاريخ عام 1993 ولا علاقة لَه بقيام دولة إسرائيل القائمة كواقع والتي ُتفاوض على جُزء من أراضيها! [في مناطق الضفة والقطاع] بِاعتبار هذا تنازُل "مُؤلم" من أجل "السلام" مع الفلسطينيين! من جهة ثانية.
والسؤال المطروح في هذا الشأن هو: إلى أي مدى ساهم نهج السلطة الفلسطينية العاجزة والفاسدة في دعم إسرائيل في عملية تَشويه الواقع الفلسطيني وتزييف التاريخ الفلسطيني؟؟ وإلى أي مدى وصلت عملية تكريث الكارثة الوطنية الفلسطينية؟؟؟
من المؤسف القول أن القضية الفلسطينية أصبحت مريضة بمرض أخطر من خطير وتحتاج إلى علاج جذري وليست لعملية تجميل أو ترقيع, والقضية أكبر بكثير من نقطة نظامية أو إطفاء بؤر التوتر هنا أو هناك بين حماس وفتح [كلاهما مشارك في السلطة الفلسطينية] لا بل إن الحاصل هو كارثة تسونامية وطنية فلسطينية سائرة في اتجاه عيون العواصف إن لم تكن نظريا وعمليا منذ زمن في عين العاصفة ومهب الرياح العاتية, وهذا ما يقودنا في البدء للقول أن الفلسطينيين اللذين وَقَّعوا على اتفاقية أوسلو وشَكلوا فيما بعد السلطة الفلسطينية قد سَلّمُوا[المعنى سياسيا] على المعايير الإسرائيلية الأوراق الثُبوتية الأصلية والتاريخية لِميلاد القضية الفلسطينية, وانتحلوا شخصية سياسية جديدة وتاريخ "ميلاد" جديد ومُنتحَل للقضية الفلسطينية بِكُل مُقوماتها ومُكوناتها سواء الجغرافية أو الديموغرافية أو السياسية أو التاريخية.
بمعنى أن تاريخ التوقيع على أوسلو كان من وجهة نظر إسرائيلية وأمريكية وفلسطينية تفريطية هو: التاريخ المُعتمد لِبداية التفاوض على حل القضية الفلسطينية انطلاقا من المُعطيات الإسرائيلية على الأرض في عام 1993ومابعد هذا التاريخ وليس بأي حال من الأحوال من مُنطلق المُعطيات التاريخية لِعام 1948 أو عام 1967 أو حتى ما يُسمى بقرارات الشرعية الدولية, وسواء شاء البعض أم لم يَشاء أو اختبأ المنبطحون أو لم يختبئوا وراء كذبة "المصلحة الوطنية والدولة الفلسطينية" شاركت السلطة الفلسطينية ومشتقاتها من فاسدين وعاجزين [عمليا وموضوعيا] إسرائيل وأمريكا وجهة النظر هذه وانسجمت إلى حَد بعيد مع ما طرحته وفرضتهُ أمريكا وإسرائيل من تصورات وأفكار سياسية تتعلق بالوضع الديموغرافي والجغرافي في مناطق الضفة والقطاع لا بل إن الفاسدين والتفريطيين قد مدوا أياديهم وأصابعهم إلى صلب القضية الفلسطينية وهو اللاجئين وحق العودة الذي لم تكن وثيقة جنيف واتفاق عبدربه بيلين[2003] سوى جزء من مخطط تفريطي يشمل البلاد والعباد والأرض والشعب والقدس وكل ما هو فلسطيني!!
استغلت إسرائيل سياسيا وإعلاميا الوضع القانوني والسياسي المُهلهل لأوسلو بالترويج "للسلام" كما هو كامن في مُخططاتها من خلال تَدجين قيادات السلطة وإقامة علاقات عامة وأمنية وتجارية مع الطبقة الفلسطينية الحاكمة يتخللها شكليا مُفاوضات على الوضع النهائي وإقامة "الدولة" الفلسطينية وفي المُقابل استمرت إسرائيل في فرض الوقائع على الأرض بِتكثيف الاستيطان ومُصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة التي تعتبرها إسرائيل جزء حيوي من "وجودها", وشق الطرق الالتفافية, وبِناء حزام استيطاني مُحكم حول القدس وأقامت جدار الفصل الذي دمر القرى الفلسطينية والأرض الفلسطينية!!.
والحقيقة أن ما جرى بعد وقبل أوسلو كان ومازال دعاية إسرائيلية إعلامية مُكثفة عن "السلام" بينما الواقع على الأرض كان ترسيخ للاحتلال وتوسيع مُبرمج لِحدود دولة "إسرائيل" من جهة وتَسلُط وسيطرة إسرائيل على السلطة الفلسطينية نفسها التي تَحتاج إلى موافقة إسرائيلية في أي نشاط أو قرار سياسي أو حتى تَحَرُك أعضاءها داخل وخارج مناطق السلطة من جهة ثانية وبالتالي ما جرى هو أن إسرائيل جَرَّت القيادة الفلسطينية الانبطاحية إلى ملعب مُخططاتها, بتعريف وتأريخ القضية الفلسطينية كما تَشاء, وبسحب القضية الفلسطينية من عُمقها العربي [كانت أوسلو بِمثابة الفرصة الذهبية لِتَخلُص النظام العربي من القضية الفلسطينية وتَحميل المسؤولية والنتائج للفلسطينيين], وسحب قرارات هيئة الأمم المتعلقة بالقضية الفلسطينية وإحلال مكانها المفاوضات والوساطة الأمريكية وما يتمخض عنها من نتائج بين الطرف الفلسطيني المُجَرَّد سياسيا وعربيا ووطنيا وبين الطرف الإسرائيلي المدعوم أمريكيا.
وما جرى في النهاية وتحديدا بعد عام 1996 وحتى يومنا هذا هو نهج إعلامي أمريكي وإسرائيلي مُبرمج ومُتواصِل وهو "تَحميل السلطة" والفلسطينيين مسؤولية فشل جميع اللقاءات ومُفاوضات "السلام" تحت "الرعاية" الأمريكية من جهة واستمرار إسرائيل وبدعم أمريكي في فرض الوقائع والاستيطان المُكثف في الضفة والقطاع من جهة ثانية. وبالتالي ما جرى أن السلطة الفلسطينية العاجزة والفاسدة بمركباتها قد خضعت للابتزاز الإسرائيلي والأمريكي والعربي العميل [إن لم تكن هي نفسها "السلطة" جزء من عرب واشنطن وتل أبيب!!] وأصبح شُغلها الشاغل الحفاظ على بقاء السلطة والحفاظ على مصالح أعضاءها بينما أصبحت القضية الفلسطينية موضوع ثانوي ضمن برنامج سياسي عقيم ومُتخاذل ويدور في حلقة صراع المصالح والوزارات [التزوير] والتوظيف والمحسوبية بين أجنحة السلطة المرتبطة مصالحها إلى حد كبير بإسرائيل وأمريكا وبين أجنحة أقل ارتباطا بإسرائيل.
ولكن ما هُو أنكى أن رئاسة السلطة الفلسطينية الغابرة والحاضرة ومن أجل ضمان الولاء لها قد مارست ومازالت تُمارس نهج قبلي مُتخلِف يرتكز على حصر المراكز والمناصب السياسية بين أبناء القبيلة والحاشية الملتفة حول رئيس القبيلة "السلطة" الفلسطينية التي قامت سياسيا بفرض "العُقم" السياسي على الشعب الفلسطيني لا بل ما هو أنكى دخول حماس على خط تقاطعات السلطة وزيادة الطين بلة حيث من الواضح إن القضية الفلسطينية قد دخلت أو أدخلت في مهاترات ومتاهات لم تمر بها هذه القضية والشعب الفلسطيني في يوم من الأيام منذ النكبة ومرورا بالنكسة ومشتقاتها من مجازر حصلت بحق الشعب الفلسطيني وطنا ومهجرا، وحتى أوسلو وما بعد أوسلو وواقع الشعب الفلسطيني في الوقت الراهن.
ويبدو لي أنَّ الفكر الفصائلي والفئوي والجهوري وهَول مُمارسات الاحتلال الإسرائيلي والطوق العربي المضروب على الشعب الفلسطيني، قد أفرَزَ حالة فريدة في تاريخ الشعب الفلسطيني تتسم بالتعصب الفئوي والفصائلي والتخبُط السياسي والوطني الذي يصول ويجول للأسف بوجهه القبيح وأدائه الرديء في مناطق القطاع والضفة الفلسطينية ويَحُول دون تبلور قُوي فكرية وسياسية من خارج القوى الجهوية والفِئوية القائمة على الساحة السياسية الفلسطينية!! بمعنى وبصورةٌ أوضَّح يبدو جَلياً أن السلطة والحكومة الفلسطينية و"حماس" و"فتح" مُنهَمِكتان حاليا فقط في نزاع إعلامي وسياسي وعسكري لإثبات فقط أن "حماس" أو "فتح" على حق!!
ويبدو أيضا ورغم قسوة هذا الوصف أن حالنا الفلسطيني المحاصر في غزة والضفة قد بدأ يأخذ شكل ومنحى الميليشيات والعصابات المسلحة التي هي في واد والقضية والفلسطينية في واد آخر، وبالتالي ما نراه في صورة حرب العصابات والبيانات والتسميات وحرب المؤتمرات الصحافية على شاشات الفضائيات يوحي بكل وضوح أننا نعيش الصورة الفلسطينية المقلوبة بكل فحواها ومعانيها التي تتجلى في مسلكية عدم الانضباط الفصائلي والوطني الذي تحول من صراع سياسي بين "فتح" و"حماس" إلى صراع فئوي وفصائلي فوضوي يرقى إلى مستوى تسميته بسلاح الفوضى والدمار الشامل لكامل مناحي وروافد القضية الفلسطينية وطنا ومهجرا!
من هُنا لابُد من التذكير بورود فقرة في اتفاقية أوسلو تَقضي وتنص"بأنه ليس بوسع أي جانب [الفلسطيني والإسرائيلي] اتخاذ مُبادرات تُغير من الوضع القائم في الضفة والقطاع وانتظار نتيجة المفاوضات حول الوضع النهائي", ولكن ما جرى هُو أن الاستيطان والاستيلاء على الأرض في الضفة والقطاع قد بلغ ذروته في الفترة مابين عام 1993 وعام 1996 وهي الفترة التي كان فيها إسحاق رابين "شريك" الفلسطينيين رئيس وزراء إسرائيل والمفارقة هُنا لا تَكمُن في موت رابين ك "شريك في سلام الشُجعان" لا بل المشاركة الفلسطينية في التضليل الإعلامي الإسرائيلي والحديث المُفرط عن "الشريك والسلام" بينما الحقيقة هي أن "الشريك\الفقيد" ومن سَبَقهُ وخَلَفهُ في رئاسة الحكومات الإسرائيلية يَتفقون جميعا في الرؤية والإستراتيجية على شكل وفحوى "الحل النهائي" وهذا الحل وارِد بوضوح في النظرية الصهيونية التي طُبقَت وتُطبق حَرفيا من خلال الاستيطان وفرض الوقائع على الأرض الفلسطينية مُنذ بداية المشروع الصهيوني وحتى يومنا هذا...
الذي تَغيَر حقا وحقيقة هو المشروع الوطني الفلسطيني وانعدام الرؤية والإستراتيجية وحتى المرجعية السياسية, وقد شَكََّلَت الارتوازية والغوغائية والانبطاحية في الخطاب الرسمي الفلسطيني بالإضافة ل"معسكر"السلام"الفلسطيني" عامل مُساعد ومُهم في التضليل الإعلامي الإسرائيلي وعملية نُكران وتزييف الواقع الفلسطيني والسؤال المطروح حول ارتوازية وغوغائية العامل المُساعد الفلسطيني في التضليل الإسرائيلي: هل يُعقَّل استمرارية وجود السلطة وخطاب عملية السلام ودجل عباس ومشاركة هنيه وجوقة الهزّاعين من قبيلة فتح وحماس, وغزة أولا والدولة أولا.. وإسرائيل وأمريكا لا تَعترفا أصلا حتى بوجود شريك فلسطيني للسلام المزعوم!؟....
الانسحاب الإسرائيلي من غزة اعتمد نظرية الأمن الإسرائيلية ولم يُنسقْ حتى مع ما يُسمى بالسلطة الفلسطينية؟؟ أين هي حدود غزةواين تقف الدبابات الإسرائيلية اليوم؟ وأين تُحلق وتحوم طائرات الموت الإسرائيلية.. أليست في أجواء غزة الواقعة تحت سلطة أوسلو حكومة ورئاسة حكومتها, ومرمى النيران الإسرائيلية؟؟!.... وأين هي الأرض الفلسطينية المتبقية لبناء "الدولة الفلسطينية"؟ في ظِل ما هو حاصِل على الأرض من ذبح ودمار واستيطان إسرائيلي وحصار يُعاني فيه أكثر من ثُلثي الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع من الفقر والبطالة؟؟ وماذا تبقى حتى من أرض القدس الشريف؟؟ ولماذا لم تتمكن سلطة العجز والفساد والانتهازيين من ضبط حتى إيقاع الشارع الفلسطيني الذي ينبت فيه كل يوم فصيل جديد!!...
بعيدا عن العواطف والتصاقا بالحق والواقع الفلسطيني لابُد من القول أن الضرر الذي ألحقه الفاسدين والانتهازيين بالقضية الفلسطينية ضرر كإرثي على جميع المستويات وأهمها الحق التاريخي الفلسطيني الذي قام الفاسدين والعاجزين والمتسلقين بضربه سياسيا وإعلاميا إلى حَد حصر هذا الحق المُقدس بين فَكي أجنحة مصالح أعضاء سلطة ورئيس حكومة ورئيس سلطة تَحولا إلى تجار وزارات وتزوير ووكلاء لأبشع فساد وعجز سياسي تُعايشه القضية الفلسطينية منذ نَشأتها وحتى يومنا هذا... جُزء من الجوع والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني سببه هو التمسك بالسلطة الفلسطينية من قبل حماس وفتح لا بل إن عدم حل السلطة الفلسطينية يُعفي الاحتلال الإسرائيلي من مسؤوليته نحو ما هو جاري للشعب الفلسطيني!!
هُنا وفي إطار تَقَصِي عواقب نهج سلطة فلسطينية عاجزة وللمثال وليست للحصر: نَرى اتسام حُقبة نتنياهو في أواخر التسعينات من القرن الماضي,, بسقوط القناع الإسرائيلي نِهائيا وتكثيف الدعاية الإسرائيلية ضد أوسلو والسلطة الفلسطينية وفي المقابل نَدب الفلسطينيون فُقدانهُم لشريكَهُم "الراحل" في عملية السلام, ولكن ما حدث في اتفاق واي ريفر بين نتنياهو وعرفات [1998] كان ليست فقط الاعتراف بشرعية الاستيطان الإسرائيلي في الخليل لا بل كان سابقه وبمثابة أرضية سياسية لِما طالب به باراك وكلينتون وشارون وبوش لاحقا وأولمرت راهنا بضرورة اعتراف الفلسطينيين بالواقع والاستيطان الإسرائيلي في الضفة, وبالتالي يبدو التضليل هُنا تَضليل مُزدوج ويندرج في أُطر تَغيير قواعد اللعبة والحل النهائي وما وَقَّعت عليه إسرائيل والسلطة عام 1993 "بعدم تَغيير الوضع على الأرض حتى نتيجة المفاوضات النهائية", بمعنى أن إسرائيل لم تُغيِر الواقع على الأرض فَحسب لا بل أنها نَجحت في تَحويل السلطة الفلسطينية كَشريك في هذا التغيير والتضليل من جهة ونجحت في تحويل قضية الحل النهائي والدولة الفلسطينية العتيدة إلى قضية مطاطية لا يَحكمها سقف زمني ولا سقف جُغرافي وسياسي كما هُو حاصِل اليوم!!,.. وبالمناسبة استبدال عباس وزمرته لكلمة "حق العودة" ب"الحل العادل" لقضية اللاجئين يَدُل على المدى الذي بلغه التضليل التي تمارسه سلطة أوسلو!!
ما هو مؤسف ومحزن في آن واحد هو أن إسرائيل مستمرة في مَشروعها الاستيطاني في ظِل سلطة فلسطينية عاجزة وصامتة وفاسدة قام أعضاءها بالتأمر على أكبر انتفاضتين في التاريخ الفلسطيني وهما انتفاضة 1987 واللتين انتهتا بتوقيع صفقة كارثة أوسلو 1993, وانتفاضة الأقصى 2000 التي انتهت بكارثة صفقة الانتخابات والحكومة الفلسطينية والحرب الفصائلية, وقبل هذا وخلال انتفاضة الأقصى ظهر بوضوح مدى عجز وخذلان السلطة الفلسطينية ومدى ارتباط الكثير من أعضاء السلطة الفلسطينية بمشاريع تجارية مُشتركة مع إسرائيل واعتى الصهاينة تَطرُفا وإجراما بحق الشعب الفلسطيني, بمعنى واضح وصريح: لقد رأى الكثيرون من هُم في السلطة وحول صحنها في أوسلو مدخلا لمشاريع تجارية وتحقيق مآرب ذاتية ولم يكن هَمهُم الأول القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والدليل النشأة السريعة بعد أوسلو لطبقه من الأغنياء واللصوص الفلسطينيين وفي المُقابل تَدهور سريع ومأساوي في الحالة الاقتصادية لأكثرية الشعب الفلسطيني داخل الضفة والقطاع ومخيمات الشتات الفلسطيني التي أهملت إلى حد بعيد من قبل زُلم سلطة الفساد والعجز!!.
لم تتوقف السلطة الفلسطينية عن لعب دور العرَّاب والمُسوق لما تطرحه قواميس السياسة الإسرائيلية والأمريكية, وهؤلاء الفاسدين والعاجزين في هذه السلطة الفضيحة مازالوا يُمارسوا مهامهُم وحياة الرخاء, في الوقت الذي يقبع فيه الشعب الفلسطيني بشكل عام في سجن كبير والمعتقلين والأسرى الفلسطينيين بشكل خاص والإهمال المُشين التي اتبعتها السلطة الفلسطينية نحو ملف الأسرى والمُعتقلين الفلسطينيين الذين لولا نِضالَهُم لِما تواجد أصلا في فلسطين هؤلاء المُفسدين من سلطة وأعضاء سلطة المُنهَمِكين بالتزوير الكاذب وحكومة غزة ورئاسة رام الله وجمع الأموال والثراء والسؤال المطروح: هل يُعقَّل أن يَتمَتَّع أعضاء سلطة فلسطينية فاسدة وعاجزة بالحرية والرخاء بينما يقبع الشعب الفلسطيني ككل والمناضلون الفلسطينيون بشكل خاص في سجون الاحتلال الإسرائيلي؟؟؟.. في هذه المفارقة يَكمُن جزء لا بأس به من مأساة تكريث الكارثة الفلسطينية!!
لم تكتفي بهلوانات السلطة الفلسطينية ورموز الفساد بالزَج بالقضية الفلسطينية في مَتاهات أوسلو والفساد والحصار والحرب الفصائلية والميليشيات وترسيخ الاحتلال الإسرائيلي لا بَل أشغَلت وألهت الشعب الفلسطيني في توزيع المناصِب بين فتح وحماس في الوقت الذي كانت وما زالت فيه إسرائيل تُكمل بناء جِدارها العنصري وتُضَيِق الطوق والخِناق على رِقاب الشعب الفلسطيني, والمفارقة تَكمُن في مهزلة إصلاح الفساد بِفساد والتواطؤ بأشنَع تَواطئا ممِا أدى موضوعيا إلى مَنح إسرائيل الوقت الكافي لِبناء الجدار العازل في الضفة والتهام أفضل أرض فلسطينية زراعية, وتثبيت السجن الكبير الذي يقبع فيه اليوم الشعب الفلسطيني!! لا بل ذهب سفير سلطة أوسلو في لبنان [هذا السفير لم ينجح ولم يُنتخب في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة, ولذا أرسلته السلطة سفيرا لها في لبنان!!!؟] إلى حد دعم الجيش اللبناني في هجومه وقصفه لمخيم نهر البارد بحجة "فتح الإسلام"!!
من الواضح أن بوصلة النضال الفلسطيني وأهدافه قد انحرفت وحُرفت في اتجاه فصائلي وميليشوي [صراع على السلطة] قاصر ويقتصر على قصور نظر وطني إن لم يكن خيانة موضوعية لا بل إن ما هو جار في مناطق الضفة والقطاع والتمسك بسلطة أوسلو هو اختطاف فعلي وموضوعي لمكونات ومركبات وروافد الحقوق الفلسطينية لكامل الشعب الفلسطيني بشكل عام والشعب الفلسطيني في مناطق الضفة والقطاع بشكل خاص...!! الخيانة في هذه الحالة تأخذ منحنى خطيرا للغاية وتتمثل في حرف بوصلة النضال الفلسطيني من النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي إلى اقتتال فلسطيني داخلي [سياسي أو عسكري] على مقومات سلطة أوسلو وحكومة "حماس" التي تشكل فيها "فتح" و"حماس" وجهان لعملة واحدة!!!.
ومن الواضح أيضا أننا لسنا بحاجة لاجتراح المعجزات حتى نفهم ونستوعب ما هو جاري على الأرض وللشعب الفلسطيني في مناطق الضفة والقطاع وفي كل مكان وطنا ومهجرا, وكما هو واضح أصبحت اللعبة مفضوحة وواضحة المعالم والعناصر وهي الوجه الأخر لمعادلة ولعبة "الغذاء مقابل النفط" التي فرضتها أمريكا على العراق لفترة طويلة, وهي المعادلة التي لم تشفَع للعراق ولم تحميه لاحقا من الغزو والاحتلال الأمريكي, وهاهي المعادلة الأمريكية في العراق هي نفسها تمتشق ثوبا جديدا, وتظهر من جديد في فلسطين تحت اسم "الراتب مقابل الوطن"... الغذاء... الخبز!!!.. الفارق الوحيد بين معادلة النفط مقابل الغذاء في العراق, والراتب مقابل الوطن في فلسطين هو أن الفلسطينيين لا يملكون نفطا يُساومون به تسعيرة الغذاء [الراتب], ولكنهُم يملكون سلطة فاسدة وعاجزة وحكومة قاصرة والمطلوب هو المزيد من التنازل لإسرائيل والمساومة على الأرض مقابل الغذاء!!
دوما وأبدا حاول ويُحاول نهج الفساد الفلسطيني وخاصة عندما يشتد الطوق حول رقابهم الاختباء وراء شماعة منظمة التحرير الفلسطينية بعد ما قام هؤلاء الأوسلويين أصلا بتهشيم مقومات وميثاق منظمة التحرير على مدى عقود من الزمن, مُختبئين وراء ما يسمى ب"السلطة الفلسطينية" كبديل لمنظمة التحرير, والسؤال المطروح في هذه الجزئية من هو الذي دمر مؤسسات منظمة التحرير ومقوماتها التي تقوم على تمثيل الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه: الجواب بسيط وهو سلطة أوسلو والعاجزين والفاسدين من من تأمروا ويتأمروا على حقوق الشعب الفلسطيني!!
لطالَما عَلق البعض أخطاء وحقيقة الأزمات الوطنية الفلسطينية على شماعة العوامل الخارجية, ورغم فهمُنا العميق لهذه العوامل وأخذها بالحسبان وأهداف الاحتلال الإسرائيلي والانتداب السياسي الأمريكي المفروض على القضية والسلطة الفلسطينية العاجزة والفاسدة, إِلاَّ أنَّه لم يعُد تغطية الشمس بالرغيف ولا حل القضية الفلسطينية برغيف الخبز, والحقيقة المرة هي أن الوضع الفلسطيني الداخلي والخارجي مزري وكإرثي إلى حد أبعد من الكارثة الوطنية, وما هو مطلوب اليوم ليست حل السلطة الفلسطينية فقط ورفع الغطاء والقناع عن وجه الاحتلال الإسرائيلي المجرم لا بل المطلوب ترميم وتصحيح الوضع الفلسطيني وليست تطيين وزيادة الطين بلة من خلال التمسك بسلطة عاجزة وفاسدة وقاصرة وطنيا!!!.
المطلوب أولا حركة جماهيرية تصحيحية شاملة لمسار القضية الفلسطينية بكل مقوماتها التاريخية والسياسية والجغرافية والديموغرافية والاقتصادية, والأهم من هذا هو الاعتراف بوصول الأمر إلى حد الكارثة الوطنية وبالتالي إعلان القضية الفلسطينية والأرض الفلسطينية كقضية دخلت إلى تخوم وحدود الكارثة الوطنية التي تحتاج إلى إغاثة سياسية ووطنية شاملة!!!
اقرأ أيضًا:
الاختيار دائما.......مدفوع الثمن / مغامرات في السليم، صبرك علينا شويه / الآثار النفسية للحروب على الأطفال / السلام حلم الطفولة في الشرق الأوسط / سامعين أفنان بتقول إيه !!! / إذا كان مجنوناً، فاللهم أكثر منهم / وحدة للتدريب على طب الكوارث بالزقازيق / دور الأخصـائي النفسـي في الأزمـات / الأطباء وإنقاذ مصابي الكوارث / مؤتمر قومي لطب الكوارث! / المؤتمر القومي السابع لطب الكوارث / فريق مركز طب الأزمات مصر بخير / أجساد ساخنة 24 7 2006 / يا هنود العالم الحُمْر، اغضبوا أو انقرضوا..! / رواد مجانين نعم حرب لبنان حلاً / رسائل فك الحصار 24 /7 /2006 / شاهدة عيان: ماذا يجري في لبنان1 / قاتلوا إذن معنا / حينما نعجز عن"تصديق" النصر / الأزرق والأحمر وصبغات أخرى.. / حوار مع السيد العلامة: محمد حسين فضل الله
الكاتب: باحث علم اجتماع ورئيس تحرير موقع ديار النقب.