هل هناك في الدنيا كلـّها أجمل وأروع وأحلى وأكثر قُرباً من الروح والقلب والخاطر وكُريات الدم من شجرة تحكي عنها الوالدة ويروي عن جمالها الوالد ونتوه في فيئها حتى وإن لم نرها.. إنها الشجرة التي في الدار، الشجرة التي هناك ما تزال مع مرور السنين تنتظر عودة أهلها لها، واثقة مصّرة على أنّ هذه العودة يقين وأكثر من يقين.. جذورها نداء وغصونها دعوة وكل زهرة فيها قنديل فرح لن يضيء بكامل بهائه إلا حين نعود جميعاً، إلى فلسطين كل فلسطين دون أي اجتزاء أو تجزيء.
هل علينا أن نذهب في لغة الشجر، أم أنّ علينا أن نتلو نشيد الشجر، أم من الواجب أن نتعلم كيف تكون للشجر رائحة زكية مرتبطة بأهلها وناسها ووجوه كل الغائبين.. وكأنّ الشجر دفتر مفتوح ضفافه السنوات وحروفه الانتظار.
كثير هو الشجر في الدنيا، وكثيرة هي أنواع هذا الشجر حتى لنعجز أحياناً عن حصر هذه الأنواع.. لكن لشجرِ فلسطين خصوصية لا يعرفها إلا الفلسطيني ابن الأرض الفلسطينية.. هذا الشجر يفهم لغة أهله ويتعامل معهم أيضاً بخصوصية لا يستطيع فهمها أي شخص غير الفلسطيني. لأن إشارات الحوار مفتوحة بين الاثنين، كما هي لغة التفاهم.
الغاصبون، هؤلاء الذين أتوا من آخر الدنيا، يصعب عليهم أن يفهموا لغة الشجر الفلسطيني ومعنى كل إشارة من إشاراته. لذلك فهم ينظرون في حيرة إلى هذا الشجر ويعتبرونه مجرماً غريباً عنهم بالوراثة، ولا يكون الحل عندهم إلا بقطع هذا الشجر واقتلاعه من الجذور ليحلوا لغزاً لا يفهمونه ولا يستطيعون فهمه.. فهم يسقون هذا الشجر من الماء نفسه، يتركونه في الأرض نفسها، يحاولون تأمين أفضل السماد الذي في الدنيا له.. لكنه يبقى شجراً عنيداً لا يتواصل معهم ولا يُعطيهم كما يُعطي الفلسطيني.. وسؤالهم الغريب الغبي: لماذا..؟؟ وكأنهم لا يعرفون أن للشجر روحاً وإحساساً ومشاعر وأمنيات، وهو يحنّ لصاحبه فيضمر أحيانا ويمرض ويرفض أن يُعطي، وإذا أعطى فالقليل.. ولو أنهم درسوا الأمر بشكل جيد لعرفوا ارتباط الشجر بإنسانه الفلسطيني..
أمام الدار شجرة، وفي الدار شجرة، وفي كلّ بيـّارة أو بستان مئات وآلاف الأشجار.. وكلها دون استثناء تعرف الحقيقة وتشتاق وتحن وتكاد تبكي ألماً لأن الأهل غائبون.. وهي شديدة الحب حتى لترى زهورها تكاد تقفز من مكانها وتركض في الشوارع إن سمعت بسيرة أي فلسطيني.. يقول الراوي الذي عاشر هذا الشجر إنه شجر سحري ينقط شوقاً لأهله..
يحكي هذا الراوي عن شجرة زرعها طفل فلسطيني قبل النكبة.. وعند الترحيل الإجباري تخويفاً وترويعاً عن فلسطين، أراد الطفل أن يأخذ الشجرة أو الغصن الطري معه، لكنه مع زخ الرصاص ركض تاركاً كلّ شيء.. وكبرت الشجرة، كبرت حتى صارت بعمر الغربة، لكنها لم تنسَ أن صاحبها غائب عنها.. حكى هذا الطفل الذي صار رجلاً لأحد الشباب القصة.. هذا الشاب قام مرة بعملية داخل فلسطين وحين نفَّذ العملية اكتـُشف أمره.. وللمصادفة كان ذلك قرب الشجرة.. الرصاص الذي انهمر عليه من كلّ مكان كان قاتله لا محالة.. اختبأ الشاب خلف الشجرة.. قال عندما عاد لصاحب الشجرة: أُقسم بالله عندما ذكرت اسمك وأنا أختبئ خلفها صارت بحجم غريب وحمتني من الموت المحتم.. قال هذا الشاب حقاً إن للشجر الفلسطيني لغة خاصة..
اقرأ أيضاً:
جرح غزة المفتوح!!! / أنقذوا غزة / لا سـلام صدقوني!! / الفلسطينيّ أين؟؟!!