يقول الشهيد غسان كنفاني: "قاتلت الصهيونية بسلاح الأدب قتالاً لا يُوازيه إلا قتالها بالسلاح السياسي… ولن يكون من المبالغة أن نسجل ههنا أن الصهيونية الأدبية سبقت الصهيونية السياسية، وما لبثت أن استولدتها وقامت الصهيونية السياسية بعد ذلك بتجنيد "الأدب" في مخططاتها ليلعب الدور المرسوم له في تلك الآلة الضخمة التي نُظمت لتخدم هدفاً واحداً."
وهذا يعني من جملة ما يعنيه أن الحركة الصهيونية العنصرية استغلت سلاح "الأدب" في معركتها ضد الأمة العربية قبل أن تستغل السلاح السياسي والعسكري... وجندت "الأدب" لساحة المعركة لتخدم أهدافها الإرهابية والعنصرية، فكان "الأدب الصهيوني" أدباً غير إنساني من جملة ما يسعى إليه تشويه صورة العربي لدى الرأي العام العالمي ليظهر هذا الكيان الصهيوني على أنه "الحمل الوديع وسط غابة من الوحوش"...
لقد أراد "الأدباء" الصهاينة أن يُصوروا الإنسان العربي على أنه إرهابي متخلف بعيد عن الحضارة... وهذا ما نلحظه من خلال ما سوف نستعرضه من نتاج بعض هؤلاء "الأدباء" الصهاينة في مجال القصة:
ـ موشى سميلانسكي:
ينتمي هذا الأديب الصهيوني إلى حركة "العامل الشاب" وقد اشتهر بدعوته الملّحة للاستيطان في أرضنا الطيبة فلسطين من خلال أعماله الغزيرة وهو عم الأديب الصهيوني "يزهار سملانسكي" صاحب رواية "خربة خزعة"، وقد صدر لموشى سميلانسكي مجموعة قصص وروايات هي:
الفلاحون، في كروم يهودا، في السهل، لطيفة، رواية الضيف، رضا ورضا الله، الوثاق، الشيخ عبد القادر، حسن عبد الهادي
وفي قصة "الفلاحون" يصف سميلانسكي الشاب العربي "حسن" على أنه عديم التفكير مستسلم: "أحنى حسن رأسه واستسلم كذلك كان على الدوام، لقد استسلم لضربات أبيه وشيخ العشيرة وجامع الضرائب"...
في حين يُشبه منازل العرب بـ "الاسطبل" فهي: بيوتهم من طين حقير سوداء قذرة لا نوافذ لها ملتصقون ببعضهم غارقون في الطين… بينما أغنياء العرب هم شرسون يكرهون فقيرهم: "الأغنياء يقبضون على أعناق الناس وأرزاقهم، يأخذون الأراضي عن طريق الرهن."
ويبتغي سميلانسكي من هذا الطرح توظيف فكرة هامة بالنسبة إليه، فمن خلال استخدام المظالم التي يتعرض لها الفقراء من قِبل الأغنياء بالأخص فيما يتعلق بالأرض فمن الطبيعي بالنسبة له أن يأتي هؤلاء الصهاينة ليستولوا على الأراضي التي هي عبء عذاب على فقراء العرب.. وهذا ما يتجلى تماماً في قصة "الوثاق" حين يجعل سميلانسكي أمل فقراء العرب أن يشتري اليهود أرضهم ليتخلصوا من ديونهم وعذابهم لملاك الأرض..
ويرى سميلانسكي في قصته "كروم يهودا" أنه (العربي) جامد قاسٍ يُقدس تقاليد الأسلاف مهما كانت ويرفض التغيير، فيقول على لسان شاب عربي: "نحن عرب نتبع أوامر أسلافنا: لا تسكنوا البيوت المبنية من حجر لأن أساساتها تؤذي باطن الأرض، اسكنوا الخيام التي تحيكها نساؤكم من أشعار الإبل، لا تزرعوا شجراً في أرضكم حتى لا تُحجب وجه الأرض المقدسة عن أعينكم. سوف تطول أيامكم على الأرض التي وهبها الله لكم إذا زرعتموها بالحب فقط، الذي تصنعون منه الخبز."....
وفي قصة "السهل" الإنسان العربي هوائي سريع الغضب محب للثأر: "أنتم بدائيون… سرعان ما تتحولون إلى مجرمين، وإنكم على استعداد لارتكاب جريمة في سبيل الحصول على أي شيء تريدونه ولا تستطيعون دفع ثمنه."...
وعبد الله الشاب العربي في قصة "عائشة" نراه مليئاً بالحقد والحسد والكراهية يسعى وراء المال والجاه لا يثق به أحد، لا يعرف إلا الكراهية، ولا تخلو قصص "موشى سميلانسكي" من التهكم على المرأة العربية ووصفها بالدواب فقد كرس قصة "لطيفة" للتشهير بالمرأة العربية، فيسأل يهودي عربياً: هل تتزوج النساء عندكم من يحببن فيكون الجواب: عندنا تباع النساء كالحمير..؟
وكذلك يتطاول سميلانسكي على الدين الإسلامي فيسخر من شهر رمضان في رواية "الضيف" فيصور بطلها العربي أنه لا يكتفي بالإفطار في شهر رمضان بل يشرب الخمر ويسخر من الدين لأنه فقط لكبار السن...
وتأتي قصة "رضا ورضا الله" لتأخذ حيزاً كبيراً من مفهوم هذا "الأديب" الصهيوني في دعوته للاستيطان وتصوير اليهودي "بباني الحضارة"، الآتي إلى فلسطين العربية المهجورة المقفهرة ليُعمرها ويُدخل إليها الحضارة.. منذ أصبحت المستوطنة اليهودية الكبيرة إلى جانبهم توقفوا عن الترحال واستقروا. وظل الشيخ هلال وبناته يعيشون في الخيام.. إلا أنهم أخذوا يحرثون الأرض ويزرعونها.
ـ يسرائيل زارهي:
ومن أهم قصص هذا "الأديب الصهيوني"، "قرية سلوان" التي كرَّسها للتشهير بالعرب، وقرية سلوان هي القرية التي يسكنها مستوطنون يهود من القادمين من اليمن وقد صُوِّر هؤلاء المستوطنون بأنهم قد تعرضوا لأشد أنواع العذاب والاضطهاد في اليمن بسبب الإسلام..
وقال في العرب: "يريدون السرقة للسرقة"، "سرقوا كل ما يستحق وما يريدوا سرقته ودمروه. وكذلك العرب في هذه القصة: "يتسللون في أوقات الهدوء، يجردون جثث الجنود الأتراك من الملابس، حتى أنهم يقطعون إصبع الميت ليُجردوه من خاتمه، ويقتلعوا سن الذهب من فمه."
ـ رابينو فيتش:
وقد اشتهر هذا الصهيوني بقصته: "عماسي الشومير" التي هدف من خلالها لتصوير العرب بأبشع الصور محرضاً على قتلهم، فهذا الصهيوني يُريد الاعتداء على النساء العرب وقبل أن يُنفذ ذلك: "عندما أريد امرأة منهن أبعثها إلى بركة ماء أولاً لتستحم..."
وكذلك العرب هم وثنيون يستحقون القتل: "الأرض لا تحتملنا معاً؛ إما نحن أو الوثنيون. سوف تتقيأكم الأرض كما تقيأت الكنعانيين من قبل. سوف يأتي عمال عبريون جُدد أنقياء."
ـ يائيل دايان:
وأخيراً تأتي هذه الصهيونية "يائيل دايان" ابنة الإرهابي "موشي دايان" بروايتها "كان للموت ولدان" المطبوعة في إنكلترا من قِبل إحدى المؤسسات الصهيونية لتصور العرب بأنهم متسولون يسعون وراء دراهم قليلة على أبواب المستشفيات وبالتالي يستغلون الدين الإسلامي لأخذ الدراهم، يعرضون القيام بالصلاة من أجل المرضى مقابل دريهمات قليلة.
وفي قصتها "طوبى للخائفين" تتهكم على العرب وتصفهم بالجبناء وأنهم لا يُقاتلون أثناء المعارك، وأن الصهاينة دائماً: "انتصرنا طبعاً". ومن قصصها أيضاً التي تشتهر بها "وجه جديد في المرآة" و"غبار".
وأخيراً هذا غيض من فيض من ممارسات هذا "الأدب الصهيوني" العنصري… أما آن الأوان لصحوة عربية تكرس الأدب للمعركة ونحن أمة الأدب.
اقرأ أيضا:
من هم الصهاينة؟ / "السبيل".. لاهوت تحرير فلسطيني