لمحة تاريخية قصيرة:
مدينة أريحا، المدينة العريقة والتاريخية في فلسطين، والتي يزعم علماء الجغرافية بأنها "أسفل نقطة في جغرافيا العالم" والبعض يقول " أقدم مدينة في العالم" أو "أسفل نقطة تحت سطح البحر" الخ الخ
المهم أن هذه المدينة التاريخية تحتضن بقايا لقصر هشام الأموي وآثار كثيرة من حقب زمنية مختلفة، ومعالم تدل على تاريخ شعوب ومعارك شهدتها تلك البقعة من فلسطين. وهي البلدة المعروفة بخصوبة تربتها وموزها الشهير وخيراتها المتعددة، من حمضيات وفاكهة وأشجار التفاح والنخيل، وجداول الماء وحرارة الطقس، بعبارة أخرى: إنها إفريقيا فلسطين الصغيرة.
أهل أريحا، أو أكثريتهم الساحقة، هم سود البشرة وإفريقيو الملامح، ولذلك فإنهم تعرضوا بشكل متواصل إلى الإهانة والعنصرية والقمع، حصل ذلك على أيدي كل سلطة تناوبت على تاريخ وارض فلسطين، خاصة سلطة الأجنبي الأبيض، القادم دائما من اجل التجارة والاستعمار والاحتلال ولفرض شروطه على السكان الأصليين.
وتعرض السكان إلى الاستغلال المحلي وظلم العائلات "الكبيرة" التي تملك أكثر وأخصب الأراضي في المحافظة. رغم أنها عائلات ليست من أريحا أصلا مثل "الحسيني" و"عريقات" و "النشاشيبي" وغيرها من العائلات الإقطاعية المعروفة والتي كانت لها حصة ومساهمة معروفة في مقاومة الاستعمار أو العمل لصالح مشاريعه ومهادنته.
في هذه المدينة لم تبني السلطة الفلسطينية العتيدة، منذ توقيع اتفاقية اوسلو، غير كازينو للقمار وقلة الأدب، كازينو لترفيه الخواجات ورجال الأعمال، وفيه أيضا غرف للدعارة وللصفقات المشبوهة، مثل عقد صفقة الطحين الفاسد ومشاريع البناء وشق الطرق وتعبيدها لصالح شركات الوزير في السلطة الفلسطينية جميل الطريفي، وغيرها من الصفقات المعروفة مع أجانب وصهاينة وبمباركة جليلة من صهاينة- عرب من مصر ودول الخليج والأردن.
كما قامت السلطة بتوسيع مبنى السجن الذي ورثته عن سلطة الاحتلال والذي ورثه الاحتلال بدوره عن سلطة استعمارية سبقته، لكن الاحتلال عاقب السلطة مع بدء الانتفاضة الثانية ودمر الكازينو، لكنه أبقى على السجن طبعا، في إشارة إلى الدور الأمني الذي يجب أن تلعبه الأجهزة الأمنية في خدمة مشروع الاحتلال، الآن وغدا وفي المستقبل!
وقد ارتبط اسم العقيد جبريل الرجوب في منطقة أريحا، أكثر من غيره من رموز السلطة، حيث صار الرجوب واليا عليها وأميرا على أهلها، يأمر وينهى ويقرر وهم بدورهم يواصلون حمل تاريخهم وعبء يومهم، ويعتاشون على "فائض الزبالة" القادم من الكازينو والعمل في جهاز الشرطة وحقول الموز وتجد الكثير من شباب المدينة يعملون "عتّالين" وعمال فقراء على الجسور والمعابر الحدودية التي تربط بين فلسطين والأردن.
ظل السجن وطار الكازينو "مؤقتا" كما يقول احد مسئولو السلطة. وفي سجن أريحا، يقبع الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين احمد سعدات ورفاقه الأربعة، تحت رقابة أمريكية-بريطانية مباشرة. وقد قامت أجهزة المخابرات الفلسطينية باعتقال سعدات وحجزه في المقاطعة برام الله ولاحقا تم تسليمه إلى المخابرات الأمريكية والبريطانية هو ورفاقه المتهمون باغتيال الوزير الإسرائيلي العنصري رحبعام زئيفي وقد تمت الصفقة المعروفةب (صفقة المقاطعة) لتشكل سابقة خطيرة ضد المقاومة وانتهاكا صارخا لحق الشعب في مقاومة المحتل. صفقة تورط فيها الجميع، من كبير القوم المرحوم ياسر عرفات وصولا الى المدعو توفيق الطرواي.
إن السلطة التي تعجز عن تحرير أسير واحد أو مجموعة من الأسرى، من سجونها، لن تستطيع أن تحرر شبرا واحدا من الوطن وسوف تظل سلطة–مسخرة تراكم الهزيمة تلو الأخرى والمهزلة تلو المهزلة، لأنها سلطة رثة تقوم على ثقافة غريبة من الرموز والأوهام، ثقافة هي مزيج بين عقل الشرطي وقدسية الصفقة التجارية. إنها سلطة العجز الكامل بامتياز.