موضوع حديثي, "ما لا يعرفه مسيحيو الولايات المتحدة عن إسرائيل" ويمكن أن يُسمى أيضاً، لأني أمريكية وربما كأكثرية الأمريكيين، "ما لا أعرفه عن إسرائيل، ولماذا لا أعرف ذلك؟". إذن هذا الكلام، في قسم منه، عن مدى علمي بالأمر. كيف عرفت إسرائيل؟ وكيف عرفت الصهيونية؟
عندما كنت في العشرينات من عمري، بدأت العمل في صحف تكساس، وبعد ذلك بدأت أكسب عيشي من العمل مراسلة وكاتبة تسافر حول العالم، وبالنسبة إلى رغبتي في التجوال، أدين بالشكر لوالدي الذي كان راعي بقر وصاحب مزرعة. كانت حياته مليئة بالمغامرات، يعيش مثل رعاة البقر والهنود في الأيام الغابرة، يسوق قطعان الماشية على درب (تشيزهولم)، وقد حثني منذ نعومة أظافري على الذهاب إلى أبعد من بلدتنا الصغيرة، كما حثني دائماً على السفر "سافري يا أبنتي". كان يقول: "استفيدي من الأمر".
في البدء سافرت إلى "أوروبا"، وعشت هناك، وبعد ذلك سافرت إلى الشرق الأقصى، وعشت في اليابان لمدة سنة، وفي (هونغ كونغ) لمدة سنة، ومن ثم إلى أمريكا الجنوبية، وعشت في (البيرو) لمدة ثلاث سنوات.
عندما عدت إلى الولايات المتحدة، كان عملي كصحافية تغطي أخبار البيت الأبيض، بعدها استخدمني الرئيس (جونسون) للعمل لديه كاتبة، وقد عملت في البيت الأبيض لمدة ثلاث سنوات وإنه لأمر عجيب أنني طوال هذا الوقت لم أكن أعرف الشرق الأوسط، أو أستطيع القول إن الذي اعتقدت أنني أعرفه لم يكن صحيحاً، كنت نموذجاً للعديد من المسيحيين الأمريكيين، كانوا يرون أنفسهم مسيحيين بنوايا حسنة، ويشعرون بالارتباط مع "إسرائيل" والصهيونية وشعورهم هذا يعود غالباً إلى ما رباهم عليه أهلهم، وفي بعض الحالات منذ الطفولة.
ولقد كبرت وأنا أسمع قصصاً عن "إسرائيل" الصوفية والروحية والرمزية، هذا كان قبل الكيان السياسي الحديث وبالاسم نفسه الذي يظهر على خرائطنا. كنت أحضر مدرسة الأحد وأراقب المعلم يرسم خيالات مثل الشبابيك ليعرض خرائط لأرض المقدسة. سمعت قصصاً عن الشعب المختار الذي حارب الأعداء الأشرار "وغير المختارين". وبالنشوة على هذه الطريقة، حُجب عن نظري وفهمي، ما حدث منذ أيام الوصايا القديمة والأكثر أهمية ما حدث منذ اضطهاد النازيين لليهود، الذين بدأوا بالوصول إلى فلسطين.
وأنا طفلة، قرأت عن (اليهود الطيبين) وأعدائهم الأشرار، ومن دون تفكير بدلت الإسرائيليين القدامى في التوراة إلى الإسرائيليين الجدد. هذا بالطبع ما أراد صهاينة القرن العشرين أن أفعله، لم يكونوا يهوداً متدينين ولكن عنصريين، اهتمامهم كان بالأرض التي صادروها من الآخرين، ولكنني لم أعرف ذلك، لم أعرف الوقائع على الأرض، ولا أحد شرح لي الأمر، هذا حال الكثير من المسيحيين الأمريكيين، صدقت الصهاينة الأوائل عندما قالوا بأن فلسطين كانت أرضاً من دون بشر، وعندما اضطهد اليهود بواسطة هتلر، بدأوا بالتوجه إلى فلسطين. تخيَلت بسذاجة أنهم يذهبون إلى نسخة من إسرائيل الروحية والصوفية التي سمعت عنها وأنا طفلة.
وفي أحد الأيام سمعت إحدى الشقيقات تدلي بتصريح بسيط، كلماتها المختصرة كانت البذرة التي جعلتني أريد معرفة ما أجهله. حدث الأمر هكذا:
السنة كانت 1972، كنت جالسة في مطار في (بورتو فالارتا) في المكسيك. كنت أزور شقيقتي (هوتنس) وزوجها (أرنولد) هما نيويوركيان، يمضيان الشتاء في (المكسيك)، وبينما كنا ننتظر رحلة العودة، اشترى (أرنولد)، صحيفة "مكسيكو تايمز" باللغة الإنكليزية, وأعطانا إياها، وتركنا لعدة دقائق، جلسنا تحدثنا، ونظرت إلى العناوين.
القصة الرئيسية تحكي عن العرب واليهود والشرق الأوسط، "بصراحة"، قلت لأختي: "لا أفهم شيء من هذا". فأخذت أختي، التي لديها إطلاع بالتاريخ، قلم رصاص، ورسمت خريطة: هنا توجد فلسطين، ومن فلسطين رسمت كياناً آخر "إسرائيل" وكتبت "وُجِدت سنة 1948" رسمت الضفة الغربية، غزة والقدس الشرقية العربية ثم توقفت، وساد صمت طويل تتنهد وتُكمل: "هذا هو الموضوع الذي لا نستطيع مناقشته أنا وأرنولد".
دهشت فسألت: "ولكن، لماذا؟" كلاهما ليبراليان، منفتحان، يدعمان دعوة حق المساواة للسود والهنود، دائماً يتعاطفان مع المٌضطهد، والفقير والعاطل عن العمل، في العقود الثلاثة من زواجهما أثرا بي لأنهما أفضل ثنائي يناقش كل الموضوعات. مهما كانت عادية وبسيطة، ما الذي يميز هذا الموضوع حتى "يمنع مناقشته" أنا بحاجة لأن أعرف ولكن أفترض أنها تستطيع الشرح.
هل هذا تحريم "سألت مع علمي بخلفية (أرنولد) اليهودية... "لأسباب دينية"؟. "لا" أجابت. "الدين ليس هو المشكلة، أرنولد أصرّ دائماً على أن اليهودية ليست دينه. إنه علماني، وكما تعلمين" تزوجنا وفق مراسيم مدنية، هو لم يدخل إلى الكنيس أبداً، ولا حتى والديه، لذلك فالسبب ليس "اليهودية كدين" هو الذي يمنعنا من مناقشة الشرق الأوسط. قلت: هل تشرحين لماذا لا تستطيعان مناقشة موضوع العرب واليهود؟. "لا". قالت: "يبدو أنه لا يقدر أن يشرح الأمر بالكلمات"، لا يمكنه تحمل كلمة نقد ضد "إسرائيل"، هو لا يعرف الكثير عن التاريخ، ولا يريد الخوض فيه، هو قال ببساطة بأننا لن نناقش الأمر، قال بأن الموضوع "عاطفي جداً بالنسبة إليه".
فجأة سمعت بأن رحلتي قد حانت. تعانقت أنا وأختي وأسرعت بالخروج. كلماتها بقيت في ذهني. لعدة سنوات، بقيت أتسائل: "لماذا يستمع إلى أختي إذا انتقدت الولايات المتحدة، أو أي بلد آخر في العالم، ولكن لا يستمع إليها، ولا يمكنه تحمل أي نقدِ لإسرائيل؟". في النهاية، قررت أن أقوم بجولة استكشاف. لم أكن أعرف أحداً.. "مسيحي مسلم أو يهودي" عندما ذهبت إلى مدينة الجدران القديمة (القدس الشرقية القديمة)، لقد خططت لأكتب عن الأديان الثلاثة وأترك السياسة جانباً. "لن تكتبي عن السياسة؟" قال أحد الفلسطينيين مستهزئاً وهو يدخن الغليون في المدينة القديمة "نحن نأكل السياسة، في الصباح، وعند الظهر وفي المساء".
وكما علمت، السياسة هنا عن الأرض، والمطالبة بتلك الأرض: الفلسطينيون الذين عاشوا هنا القرون عديدة والعدد الكبير من اليهود الذين بدأوا بالوصول بعد الحرب العالمية الثانية. وبالعيش وسط اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين المسيحيين والمسلمين، رأيت وسمعت واختبرت، أبحاثي قادتني إلى كتاب عنوانه "رحلة إلى القدس". رحلتي لم تكن مفيدة لي بالنسبة لفهم اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين والمسيحيين والمسلمين، ولكن وصلت إلى فهم عميق ـ ومحزن ـ لبلدي.
أريد أن أناقش أربعة مجالات حصلت على خبرة فيها، وكلها تتعلق بمجالات ارتباط الولايات المتحدة بإسرائيل، إنها ارتباطات أدت إلى سوء إبلاغ المسيحيين الأمريكيين بشكل خطير. أولاً: الإعلام. وكيف أصبحت على علمٍ بما أجهله. بينما كنت في مجال البحث والكتابة "للرحلة إلى القدس"، قمت برحلة عودة إلى الولايات المتحدة، وحملت معي "دزينات" من المقابلات مع الفلسطينيين. واحد من كل أربعة شبان فلسطينيين قابلتهم قال لي بأنه تم اعتقاله، من دون تهم سُجن، وتعرض للضرب بلا سبب. هذا كان في أواخر السبعينات، ولم أقرأ عن هكذا قصص في الإعلام الأمريكي، ألم تكن هذه القصص أخبارا؟ من الواضح، حسبت بسذاجة أن المحررين الأمريكيين لم يعرفوا بأن هذا كان يحدث.
لقد سلمت باليد رسالة إلى "فرانك فانكويتز" (في حينه) رئيس محطة الإذاعة الأمريكية (ويتا)، وشرحت له أنني سجلت المقابلات مع الفلسطينيين الذين تعرضوا للتعذيب بوحشية، وأود أن أقدمها له، لم أحصل عل رد، قمت بعدة اتصالات هاتفية. أخيراً، تم تحويلي إلى شخص في العلاقات العامة، السيدة (كوهين)، التي قالت بأن رسالتي ضاعت. كتبت مرة ثانية، مع الوقت بدأت أدرك الذي كنت أجهله، لو كان اليهود هم الذين عذبوا واضطهدوا، فإنها تكون أخباراً، ولكن المقابلات مع العرب المعذبين ضاعت في محطة الإذاعة الأمريكية. عملية نشر كتابي "رحلة القدس" كانت أيضاً تجربة تعلمت منها.
"بل غريفن"، الذي وقع الاتفاق معي, بالنيابة عن شركة "ماكميلان" للنشر، كان كاهناً كاثوليكياً سابقاً. لقد أكد لي بأنه لا أحد غيره سينشر هذا الكتاب. وبينما كنت أقوم بأبحاثي للكتاب من خلال السفر إلى "إسرائيل" وفلسطين المحتلة التقيت عدة مرات (بغريفن)، عارضة عليه بعض الفصول. "عظيم" قال عن بحثي. وفي اليوم الذي كان محدداً لنشر كتابي ذهبت لزيارة (ماكميلان) وسألت عنه في مكتب الاستقبال، لمحت (غريفن) في الغرفة، يجمع أغراضه من المكتب. سكرتيرته (مارجي) خرجت لاستقبالي، همست لي والدموع في عينيها, أن ألاقيها في دورة مياه السيدات، وعندما أصبحنا لوحدنا قالت: "لقد طُرد". ولمحت بأن السبب يعود لأنه وقع العقد لكتاب متعاطف مع الفلسطينيين. و "غريفن" ليس لديه الوقت لرؤيتي. لاحقاً، اجتمعت بمسؤول في "ماكميلان" "ويليام كوري"
قال: "لقد أُبلغت بأن آخذ المخطوطة إلى السفارة الإسرائيلية، ليقرأوها بحثاً عن الأخطاء". لم يكونوا مسرورين. سألوني قائلين: "لن تنشري هذا الكتاب أليس كذلك؟" وسألت: "أيوجد هناك أخطاء؟" لا أخطاء. ولكن لا يجب نشره إنه معادٍ لإسرائيل". بالرغم من العراقيل لمنعه، بدأت الصحافة بالدوران، بعد نشره في 1980، دعيت لأتحدث في عدد من الكنائس الأمريكية.
المسيحيون عامة تفاعلوا مع الأمر بعدم التصديق، حينذاك لم يكن هناك تغطية لمصادرة الأراضي بواسطة الإسرائيليين، تدمير بيوت الفلسطينيون، مذكرات التوقيف وتعذيب المدنيين الفلسطينيين. بالتحدث عن هذا الظلم، سمعت نفس السؤال: "كيف لم أعرف هذا؟" أو ربما قد يقول شخص ما:"ولكنني لم أسمع عن ذلك في صحيفتي". لهؤلاء الحضور في الكنيسة تحدثت عن خبرتي في الإعلام الأمريكي، قلت لهم بأنني رأيت حشوداً من المراسلين الأمريكيين يغطون أخبار الإسرائيليين الصغيرة، لقد أشرت بأنني لم أرَ هكذا عدد من المراسلين في العواصم العالمية مثل (بكين)، (موسكو)، (لندن)، (طوكيو), (باريس) لماذا؟ سألت، "دولة" صغيرة يبلغ تعداد سكانها أربعة ملايين تجتذب مراسلين أكثر من الصين ذات المليار نسمة.
لقد ربطت هذا التساؤل بمعرفتي أن (نيويورك تايمز) وجريدة (وول ستريت) و(الواشنطن بوست) ومعظم إعلام وطننا يمتلكه، أو يسيطر عليه، اليهود الداعمون لإسرائيل، لهذا السبب أرسلوا الكثير من المراسلين لتغطية أخبار "إسرائيل" وللتحدث بشكل موسع وكبير من وجهة النظر الإسرائيلية. ليس فقط لا يعلم مسيحيو الولايات المتحدة الوجه الحقيقي لإسرائيل، ولكن لا يعرفون الوجه الحقيقي للطرف الآخر، وهذا يؤدي إلى مشكلتين: بينما يتجه الإعلام إلى التمجيد بإسرائيل، فإنه يتجه إلى إعطاء صورة مشوشة عن العرب، وللتشهير بالإسلام.
إذا كان هناك أي موضوع يمكنهم أن يتناولوه مثل حقوق الإنسان، دور المرأة, الديكتاتوريين العرب، فإن الإعلام يتناول هذه المواضيع بأسلوب يخلق أفكاراً سلبية تجاه العرب. لنأخذ على سبيل المثال كلمتي الإرهابيين والإرهاب، فعندما يتحدث الإعلام الأمريكي عن الإرهاب، فهو يتحدث عادة عن الفلسطينيين، إنه لا يذكر بأن إسرائيل شنت حرباً إرهابية ضد الفلسطينيين لمدة خمسين عاماً، صحافة الولايات المتحدة لم تذكر أي إرهابي مسيحي (متدين). مع ذلك فإن المسلم يدعى بالإرهابي المسلم، جُمل مثل "الميليشيا المسلحة" و"الإرهاب الإسلامي" تظهر مراراً في الإعلام الأمريكي وكأن مؤلفي الكلمات مبرمجين لإصدار هذين التعبيرين.
الإعلام الأمريكي مليء بالقصص عن اليهودية منذ نصف قرن، الكثير من الأمريكيين لا يعلمون بأنه يوجد مسيحيون في الشرق الأوسط، ومع هذا يوجد مسيحيون في الشرق الأوسط أكثر ما يوجد يهود في العالم كله. الآن الأمريكيون يعرفون تدريجياً عن المسيحيين الذين يعيشون في الشرق الأوسط، والصهاينة يقولون لهم إنهم كيهود.. يدافعون عنهم ضد العرب وضد الميليشيات المسلمة.
فلسطيني مسيحي، أسمه نعيم عتيق، جاوب على ذلك: "الإسلام ليس هو المشكلة"، وهذا ما قاله لناشر أمريكي، لقد عشنا مع الإسلام لألف وأربعمائة سنة، ولكن الإعلام الأمريكي لا ينشر إلا القليل من هكذا مقابلات. بالإضافة إلى أن المسيحيين الأمريكيين لا يعلمون شيئاً عن إعلامهم فإنهم لا يعلمون لماذا "يُقصفون" دائماً بأخبار (الهولوكوست النازية = المجازر النازية ضد اليهود) منذ 50 عاماً لسبب أو لآخر، إنها في الأخبار يومياً في أمريكا، الصهاينة يستخدمونها كأداة، إنهم يستخدمونها ليجعلوا المسيحيين يشعرون بالذنب. ولإسكات أي نقدٍ عن إسرائيل. ليجعلوا المسيحيين مثالاً كيف ينطبق ذلك عليّ.
في الستينات والسبعينات، وقبل ذهابي إلى الشرق الأوسط، كتبت بعض الكتب مثل "الأخت الروحية"، "بيسي ذات الشعر الأصفر". و"غير الشرعيين" والتي تتناول قضايا السود والهنود الأمريكيين والمشاكل التي نتجت عن تسلل العمال من المكسيك إلى الولايات المتحدة، هذه الكتب أثارت اهتمام السيدة (آرثر هايس سالزبرغر) المعروفة باسم "أُم صحيفة نيويورك تايمز". والدها أسس جريدة (نيويورك تايمز)، ومن ثم أدارها زوجها، وفي السنوات التي عرفتها، كان أبنها هو الناشر، لقد دعتني إلى شقتها الفخمة في الشارع الخامس في نيويورك للغداء ولحفلات العشاء، وفي مناسبات عديدة كنت الضيفة في نهاية الأسبوع في منزلها في (غرينويش) في (كيونيكتيكت).
كانت منفتحة عقلياً وشجعت جهودي في المدافعة عن المقهور، وحتى في القول عني بأنني أروع امرأة عرفتها، لم أكن أعرف بأن هذا المديح الزائد بمكان أن ينتهي فجأة حدث عندما اكتشفت -ومن جهة نظرها- المقهور الخطأ. في أحد أيام عطلة نهاية الأسبوع دعتني إلى أن أكون ضيفتها في منزلها في (كونكتيكيت) أخذت معي مطبوعات عن "رحلتي إلى القدس"، وبينما كنت أهمٌ بالخروج، قالت لي بأنها كانت مستيقظة طوال الليل تقرأ الكتاب، ناولتني المطبوعات ونظرت إلي نظرة تعاسة وكأنني خنت ثقتها: "عزيزتي. هل نسيت الهولوكوست؟".
هي مثل الآخرين، كانت تعلم بالعطف المتناهي لليهود الذين عانوا من النازية لقد توقعت مني أن أتعاطف مع يهود الماضي، وأتعامى عن معاناة الفلسطينيين اليوم. الأمر الذي صدم العرب: كيف يسمح المسيحيون الأمريكيون أن تلحق "إسرائيل" الأذى الكبير بالفلسطينيين بينما الخطأ الأساسي الذي ارتكب ليس بواسطة العرب وإنما بواسطة النازيين تحت حكم هتلر ضد اليهود، مع هذا، (الهولوكوست) تبقى السبب الذي يدفع المسيحيين الأمريكيين لتقديم الدعم غير المحدود لليهودية. وكما عّلق (هوارد سميث) في محطة سي بي أس بقوله: "الشعب الأمريكي بنى حكمه في النزاع في الشرق الأوسط ليس على أساس الميزات أو الوقائع المشتركة بين قضايا العرب والإسرائيليين، ولكن على أساس العلاقات المسيحية ـ اليهودية".
وللتأكد من أن أحداً لن ينسى ما عانوه فإن الصهاينة يبنون المتاحف لتقديم (الهولوكوست) في كل الولايات المتحدة، لقد زرت ثلاثة متاحف كبيرة (للهولوكوست) في لونس أنجولس، وواشنطن لديها متحف ضخم (للهولوكوست)، موجود على مسافة ليست بعيدة عن الدولارات لهذا المتحف، رغم أن الاضطهاد النازي لليهود ليس جزءاً من تاريخنا ما عدا مساعدة الأمريكيين لليهود للتغلب على النازيين. الأمريكيون لم يدفعوا فقط من أجل الأرض والمبنى ولكن دافعي الضرائب الأمريكيين يخصصون مبلغ 31 مليون دولار سنوياً للمحافظة عليه، هذا أكثر من 11،397،000 دولار مما ندفعه للمحافظة على مركز كينيدي، أحد أكبر وأفضل المراكز للمسرح والأوبرا والباليه والموسيقى الكلاسيكية.
هناك ناحية: المعيار أو (المواقف ذو الوجهين) بما يختص "بإسرائيل". الولايات المتحدة لديها معيار للعالم كله، ومعيار آخر "لإسرائيل" فقط. مثال واحد نألفه كلنا: المعيار الثنائي الأمريكي في ما يتعلق بالعقوبات المفروضة على العراق لأنه رفض قرارات مجلس الأمن الدولي، بينما إسرائيل ترفض، ومنذ 50 عاماً عدداً لا يحصى من قرارات الأمم المتحدة، لكن واشنطن تتغاضى عن هذا.
خذ مثلاً: الخدمة في جيش أجنبي، منذ عدة سنوات ذهب مكسيكي أمريكي إلى المكسيك وارتدى البذلة الرسمية، ففقد جنسيته الأمريكية، الآن تسمح الولايات المتحدة لعشرات الآلاف من الأمريكيين للذهاب إلى إسرائيل، ويرتدون البذلات الإسرائيلية ويخدمون في الجيش الإسرائيلي. وأفكر أيضاً بالمعيار الثنائي لمسيحيي الولايات المتحدة بما يتعلق بالحرية السياسية نتذكر ما يسمى عملية الإنقاذ لليهود السوفيات بواسطة "إسرائيل"، إذا رغبوا بالمغادرة عليهم التوجه إلى "إسرائيل"، إسرائيل وضعت ذلك الشرط وشاركتها الولايات المتحدة بالأمر.
الإنقاذ المزعوم لا دخل له بالحرية لليهود السوفيات، إنه يتعلق بديموغرافية "إسرائيل". لنعتبر المعيار الثنائي بحصولي على جوازي سفر. لدي واحد لبقية العالم، وواحد لإسرائيل. هذا إزعاج ومصاريف زائدة بالنسبة لي وتكاليف أكبر بالنسبة إلى حكومة الولايات المتحدة. هناك أمر آخر، أكثر أهمية، مثال على المعيار الثنائي (المزدوج)، يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، مسيحيو الولايات المتحدة لديهم معيار واحد من السلوك الأخلاقي للدول العربية والإسلامية، ومعيار آخر لإسرائيل، والتي في الواقع تمتلك ثلاثة أنواع من أسلحة الدمار الشامل المحظورة: الكيميائي، البيولوجي والنووي."إسرائيل" لم تعترف أبداً بامتلاكها قنابل نووية، ولا أحد يبحث هناك عن أدلة والأمريكيون لا يعرفون حقيقة بتخزين "إسرائيل" للقنابل النووية.
مرات عدة عندما عشت في "إسرائيل" أواخر السبعينات، كنت أركب الباصات حول البلاد وغالباً في هذه الجولات كنت أمرُ قرب منشآت قرب (بيرشيبا – بئر السبع) في صحراء النقب المعروفة (بديمونا)، يبدو أن كل الإسرائيليين كانوا يعرفون ما كنت أجهله في ذلك الوقت، بأن منطقة (ديمونا) هي حيث صنع الإسرائيليون أول قنبلة نووية في الشرق الأوسط. بقليل من البحث، علمت أنه بغضون سنة من تاريخ تأسيس "إسرائيل" وضع الصهاينة الأسس لبرنامج نووي، منذ البداية كانت حكومة الولايات المتحدة متورطة، تموّل أبحاث الفيزياء النووية في مؤسســـة (وايزمن) من خلال مؤسسات الصحة الأمريكية وسلاح الجو الأمريكي، والبحرية الأميركية.
في سنة 1957 أنشأ الصهاينة مؤسسة في (أبولو-بنسلفانيا)، معروفة بمؤسسة المعدات النووية أو نوماك: لبناء أجهزة ذرية للدولة اليهودية، الثلاثة الذين أنشأوا نوماك الدكتور زالمن شابيرو، الدكتور فريدريك فورشر، والدكتور ليونارد بيبكوويتز، عملوا سابقاً لدى لجنة الطاقة الذرية الأمريكية AEC, التي بدأت على الفور بإجراء عقود لمؤسسة نوماك مع حكومة الولايات المتحدة. في غضون فترة ستة سنوات بدأت نوماك في الحصول على مال كثير من أسلحة غنية باليورانيوم. في 1960 عندما كشفت طائرة تجسس أمريكية المفاعل الإسرائيلي، قالت إسرائيل إنه مصنع نسيج، وفي هذه الأثناء، تابعت لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، إعطاء عقود تتعلق بموارد نووية استراتيجية لإسرائيل.
في سنة 67/1968، كتبت وكالة الاستخبارات المركزية CIA تقريراً سرياً يفيد بأن الدولة العبرية تمتلك "القنبلة" ومن دواعي السخرية، أنه بعد عشرة أعوام، عندما قام التقني الإسرائيلي (موردخاي فانونو) في مركز ديمونا النووي ، بتأكيد ما تضمنه تقريرCIA عمل الإسرائيليون على وضعه في سجن انفرادي متهمة إياه بالخيانة. كم تمتلك إسرائيل من الأسلحة النووية؟ مركز المعلومات الدفاعية في (واشنطن) يقدر بأن إسرائيل تمتلك أكثر من 100 رأس نووي، آخرون يقدرون بأنها تمتلك حوالي 400 رأس حربي نووي.
"إسرائيل" على عكس إيران، لم توقع على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وهي تساعد الهند ببرنامجها النووي منذ حوالي 20 سنة، حسب المقال الذي نشر في (تايمز) لندن في 4 حزيران 1998. الآن ، الحالة الرابعة والنهائية التي لا يعرفها مسيحيو الولايات المتحدة عن إسرائيل، فهم لا يعرفون الفرق بين من هو يهودي؟ ومن هو الصهيوني؟ إذا عيّن الرئيس كلينتون يهودياً على رأس وزارة ما، فإن معظم مسيحيي الولايات المتحدة بأن لا ضرر في ذلك. فهم لا يريدون أن يكونوا تجاه أي دين.
وإذا عين يهودياً ليكون رئيس (البنتاغون - وزارة الدفاع) سيعتقدون، مرة ثانية، بأنه لا يجب أن يكون هناك تمييز بسبب دين الشخص. وإذا كان لدى الرئيس 7 من 11 من كبار موظفيه في مجلس الأمن القومي، ومن ضمنهم رئيس المجلس، لا ينتقدونه لذلك. وكونهم غير يهود، فإن مسيحيي الولايات المتحدة يريدون أن يكونوا ذوي عقول منفتحة. وعندما يعين الرئيس يهوداً فقط، لترؤس فريق التفاوض في النزاع العربي ـ الإسرائيلي لا يعلق مسيحيو الولايات المتحدة على الأمر، وذلك عائد، وبشكل واسع، لعدم علمهم أن الفريق يتألف فقط من اليهود، بدون أي تمثيل للعرب.
الذي لا يلحظه المسيحيون أن هؤلاء المعينين ليسوا يهوداً فقط.. إنهم، وبحسب كلام الصحافي الإسرائيلي (بار يوسف)، "يهود مؤيدون"، يعني أنهم مخلصون لإسرائيل. في مقال بعنوان "اليهود الذين يديرون حكم كلينتون"، ومطبوع في صحيفة إسرائيلية، (بار يوسف) يكتب بأنه مع وجود هذا العدد من اليهود في مراكز عالية، فإن عاصمة الولايات المتحدة أصبحت "مركز الثقافة والسياسة اليهودية"، ويستشهد بقول حاخام في واشنطن بأنه، وللمرة الأولى في التاريخ الأمريكي، فأن يهود أمريكا يقولون: "لم نعد نشعر بأننا نعيش في (دياسبورا – تجم مغتربين) كشتات، الولايات المتحدة لم يعد لديها حكومة من دون اليهود، ولكن إدارة اليهود هم شركاء كاملون في صنع القرار على كل المستويات.
(رحيم إيمانويل) هو مثال، يكتب (بار يوسف)، عن اليهودي المؤيد، المراسل الإسرائيلي زار مستشاري كلينتون في مكاتبهم المجاورة لمكتب الرئيس البيضاوي، لقد وجد أن (إيمانويل) ـ المستشار ـ من الداعمين الكبار لإسرائيل، والد (إيمانويل) كان عضواً في منظمة (كلاندستاين) الإرهابية بأمرة (بيغن)، ومن ثم انتقل إلى أمريكا، حيث ولد (إيمانويل)، رغم سكنه في أمريكا، فإن الوالد علم الابن أن يمضي كل صيف في "إسرائيل"، عندما اندلعت حرب الخليج، تطوع هذا المواطن الأمريكي وبسرعة للخدمة مدة شهر في الجيش الإسرائيلي، من خلال وحدة المتطوعين الخارجية ما وراء البحار. كما ذُكر سابقاً فإن الولايات المتحدة تسمح للمواطنين الأمريكيين بالخدمة في الجيش الإسرائيلي.
بالكتابة عن مفاوض السلام في الشرق الأوسط (دنيس روس) يقول (باريوسف) عنه بأنه "يهودي محب" آخر، بالإضافة إلى ذلك فإن الإسرائيليين يقدرون (روس) لأنه صديق لهم. "روس" تربى في بيئة يهودية ودخل إلى مدرسة يهودية، ولكن، يقول (بار يوسف) "هذه كانت خبرة اجتماعية أكثر منها يهوديـــة"، ويضيف: "إسرائيل هي التي جعلت منه يهودياً مؤيداً". عندما بدأ (روس) زيارته لإسرائيل، درس العبرية وأصبحت جذور "اليهودية" أكثر أهمية، ومهمة لدرجة (هذا ما قاله لــ "بار يوسف") أن كونه يهودياً ـ يهوديته ـ تؤثر على مواقفه في كل الأمور.الكاتب "الإسرائيلي" ينهي مقاله بالقول إنه بينما كان التأثير السياسي اليهودي ظاهراً و واضحاً في أمريكا في عقود سابقة، اليوم وتحت الإدارة الحالية الأمريكية، "النفوذ اليهودي يمكن أن يوصف بالقوي".
نتذكر كلنا القصف على قاعدة "الأمم المتحدة في (قانا) عام1996عندما قتل الإسرائيليون أكثر من 100 مدني، احتموا هناك، صحافي إسرائيليي، (آرييه شافيت) يشرح لماذا شعر الإسرائيليون بأنهم يستطيعون قتل المدنيين من دون عقاب: "نحن نؤمن وبكل ثقة بأنه في الوقت الحالي، وفيما البيت الأبيض في قبضتنا، والنواب في قبضتنا، ونيويورك تايمز في قبضتنا، فإن حياة الآخرين ليست مهمة كحياتنا". الإسرائيليون اليوم، كما يشرح اليهودي (شاحاك) المعادي للصهيونية: "لا يؤسسون دينهم على أنه دين العدالة، لا يتقبلون الوصايا القديمة كما هي مكتوبة، في الواقع، إن اليهود المتدينين يتحولون إلى (التلمود)، بالنسبة لهم، قوانين اليهودية التلمودية أصبحت "التوراة"، وتعاليم "التلمود" تسمح لليهودي من دون عقاب.
الخطر، بالطبع، بالنسبة إلى مسيحيي أمريكا، هو أنهم جعلوا من "إسرائيل" أيقونة. نحن نقع في فخ الصفح عما تفعله إسرائيل ـ حتى الجرائم الوحشية ـ إنهم يبررون ما يفعلون بقولهم إنها إرادة الرب. أين نجد الجواب؟ في الولايات المتحدة: الذين يعرفون ماذا يجري في الشرق الأوسط هم أقلية. الآخرون لا يعرفون لأن الصهاينة اليهود والمسيحيين.. يوجهونهم سياسياً عبر الإعلام ووسائل أخرى ليروا الإسرائيليين على أنهم الأخيار والعرب عامة، والمسلمون، على أنهم الأشرار. رغم أن مسيحيي أمريكا الذين يعرفون الوجه الحقيقي للصراع العربي ـ الإسرائيلي ـ هم أقلية في بلادنا، لدينا نموذج لنتبعه، هذه رسالة المسيح أن نكون شهوداً ونتحمل هذه الرسالة. لقد استمرينا في الحياة رغم الصعاب الكثيرة لأننا وبكوننا أولاد الله الواحد لدينا الإيمان. (في النهاية ستسود العدالة).
في هذه الأثناء، من واجبنا أن نتكلم بالنيابة عن أولئك المقهورين، المعذبين، المسجونين، فقط لأنهم فلسطينيون. لا أن نتكلم بلطف وبكياسة، وبتقرب خجول... ولكن لنتكلم بصراحة، وبجرأةـ لا أن نخشى أن ننقد اليهود والدولة اليهودية للرعب ومجازر (الهولوكوست) الحديثة التي يقومون بها: لتكن شاهداً. على المرء أن ينتقد أمريكا لدورها أو معيارها الثنائي، لأنها تسمح للصهيوني بالسيطرة على إعلامها، وعلى كنائسنا. ويجب علينا أن نوبخ وزراء أمريكا لأنهم غالباً ما يجعلون من أرض "إسرائيل" أرضاَ للعبادة أن يدافعوا عن الناس المعذبين.
من السهل على أي واحد منا، أن ينحاز إلى القوة، لكن علينا، كوننا أطفال الرب الواحد العادل الرحيم، أن نجند أصواتنا، وشجاعتنا... لقول الحقيقة...
بقلم HaIseII Grace
ترجمة مي بنداق (عن الإنكليزية)
اقرأ أيضاً :
إمبراطوريات الشر الإعلامية / بلاك ووتر.. تجارة لقتل الأبرياء / زفة للمطبعين (آنا بوليس) يحسبه الظمآن ماء / مجالس العشائر صحوات من سراب / دبلوماسية النهب المنظم.. رايس في أفريقيا