إلى اللاجئين في أوطانهم وخارجها
حاجز
ليسَ من أهلِ المخيم
يفتشُ فينا عن نفسه
يؤكد كل مساء أننا من فلسطين
نؤكد كل صباح أننا من جنين
وحاجز
من أهله
يفتش عنا في نفسه
يسرب في دمنا دمه
لنقرأ كل نبض أنشودة العائدين
وبين الحاجزين غربة وبرتقال
وحيرة وسجال ..
وبين من يفتش عن نفسه
ومن يفتش عنا
دم يسيل ..
من (الغربة) حتى (الجليل)
ومن جنوب النهار إلى شمسنا في (الخليل)
***
المخيم
درب عتيق يغذ المسير انعتاقا
تسير عجوز ..
على ظهرها خمسون مما يعد الغريب
وخمسون مما يعد القريب
وخمسون .. تعدها على هواها ..
حبة رمل إثر حبة من تراب
إثر حبة برتقال إثر حبة من محبّة
إثر حبة من فراق وحبة من عناق
وحبة من لهفة وحبة من اشتياق
وكلما دنت من الأرض ينشق سر
تسرب عبر الجذور نفحة
من حنايا الغريب للحبيب
وكلما دنت يعود العمر إلى أول العمر
ثم يغيب المخيم إذ يحضر الشمال
لحضن الجنوب المهيب
تصير سهلا من الهلال الخصيب
وينبت الجميز من خصرها
وينبت القمح من رأسها
تطل كالوهج من عرين العرين
عجوز تجدد الصبا في التراب
ولا تعد السنين
***
المخيم
طفل تعلم زرع التين في حاكورة العشق
كأنه يخط حرفا على سور عكا
وحين ينقل الماء في جرة النفي
يسرّب عبر الوريد برتقال يافا
ويكبر في كل يوم سروتين
ويكتب في كل حلم عودتين
عودة للعشق في جوهر العشق
وعودة للهدير في بحر عكا
فيطرب إذ ينتقي
خارج الحلم عودة ثالثة
وعودة رابعة وعودة عاشرة...
وعودة وعودة وعودة
يصير حزاما يحيط القدس بالشهقة الناسفة
تصير فلسطين بعدها حاسة سادسة
***
المخيم
مقبرة في الخاصرة
نخبئ فيها المتعبين من شوقهم للكروم
سنحملهم يوم القيامة للقرى
كي يأنسوا للحبق
ونحكي لهم بعض ما سردته النجوم
من نشيد الغسق
***
المخيم
بيوت في انتظار البيوت
محاطة بالياسمين المؤقت
ينام سكانه نوما مؤقتا
ويأكلون طعاما مؤقتا
ويرتدون ثيابا مؤقتة
ويشعلون ساعاتهم في نهار مؤقت
ويدخلون ليلهم دخولا مؤقتا
يستيقظون في صباح مؤقت
يعملون في بساتين مؤقتة
يضحكون ضحكا مؤقتا
يخوضون نقاشا مؤقتا
يرقّصون عرسا مؤقتا
ويموتون موتا مؤقتا
يمشون في الشوارع المؤقتة
يطلون على بحر مؤقت
في وطن مؤقت
غدا .. ينهض الأموات من غيابهم
كالصباح المنمّق
للنشيد المعتّق
للدخول في زمان تألق
غدا .. ينهض الغائبون عن جبالهم
للحضور الطويل
يعانقون هيبة (الكرمل) الجليل
غدا .. تنهض الذاكرة ..
في رؤوس الشيوخ كالنجوم الثائرة
يرى الضرير ما يراه البصير في الناصرة
غدا .. ترقص الدوالي حول هامة التوت
بيوت ..منذ خمسين عاما ..
في انتظار البيوت
تجدد اللحظة أحلامها
كأنها لا تموت ..
صور _ لبنان _ أكتوبر 2001
واقرأ أيضاً:
ذكريات ومشاهد من الحرب / رسالة إلى غزة / أحلام فلسطينية / دمعَةُ القُدس / مهداة لروح الشهيدة زينب أبو سالم