من الصعب أن تخرج مجزرة المسجد الإبراهيمي من الذاكرة الفلسطينية أو العربية، إذ لم تزل أحداثها ماثلة للعيان بعد مرور 11عاما على ارتكابها. لقد كانت مجزرة رهيبة خطط لها ونفذت بدقة متناهية، وعومل منفذها، وهو متطرف يهودي، قديساً عند المستوطنين اليهود.
في 25 فبراير عام 1994وقبل أن يستكمل المصلون صلاة الفجر في الحرم الإبراهيمي في الخليل دوت أصوات انفجار القنابل اليدوية وزخات الرصاص في جنبات الحرم الشريف، واخترقت شظايا القنابل والرصاص رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم لتصيب أكثر من350مصلياً، وليستشهد 50فلسطينيا منهم 29سقطوا داخل المسجد.
بدأت الجريمة حين دخل الإرهابي باروخ غولدشتاين ومجموعة من مستوطني كريات أربع المسجد الإبراهيمي، وكان غولدشتاين خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران أسلحته الرشاشة على المصلين لحظة السجود، فيما قام آخرون بمساعدته في تعبئة الذخيرة التي حوت رصاص دمدم المتفجر والمحرم دوليا وقنابل يدوية، نفذ غولدشتاين المذبحة في وقت أغلق الجنود الصهاينة أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب.
كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى، وفي وقت لاحق استشهد آخرون برصاص جنود الاحتلال خارج المسجد، وقد ثبت لاحقاً أن غولدشتاين لم يرتكب المجزرة وحده بل شاركه فيها جنود العصابات الصهيونية الذين أغلقوا باب الحرم حتى لايتمكن المصلون من مغادرته ومنعوا كذلك سيارات الإسعاف من الاقتراب من المنطقة.
بعد يومين من المجزرة قرّرت الحكومة إقامة لجنة تحقيقٍ رسمية برئاسة رئيس المحكمة العليا مئير شمغار وعضوية القضاة أليعيزر غولدبرغ وعبد الرحمن الزعبي، البروفيسور مناحيم يعاري والعقيد (احتياط) موشي ليفي. وفي 8مارس باشرت اللجنة سماع الإفادات في 31جلسة كان معظمها علنيا، واستمعت إلى 106افادات وقامت بجولة معاينة إلى الحرم الإبراهيمي وضواحيه.
وما أشارت إليه اللجنة في تقريرها المفصل، أنه قبل أيام من المجزرة، التقى غولدشتاين مع صحافي أجنبي وأكد له «التوتر والضغط الشديدين اللذين يعيش في ظلّهما المستوطنون» وإن الجيش الإسرائيلي يخطيء بحق المستوطنين بمنعهم من القيام بعمليات انتقامية ردا على هجمات عربية، وأكد أن «العرب أقوياء لأنهم يدمجون القومية مع الحماس الديني وهم سيطردوننا من هنا إذا لم نسبقهم نحن بطردهم»، لذلك نظر الى تصرفه باعتباره جنوناً ناتجاً عن الضغط النفسي.
لقد لاقت مذبحة الحرم تأييداً من الغالبية العظمى في الكيان الصهيوني، وعندما سئل الحاخام اليهودي موشي ليفنغر عما إذا كان يشعر بالأسف على من قتلهم غولدشتاين رد قائلاً إن مقتل العربي يؤسفني بالقدر الذي يؤسفني مقتل ذبابة (يسرائيل شاحاك ـ الشريعة اليهودية)، ويعتبر اليهود غولدشتاين مقدسا وقد جعلوا من قبره مزاراً وخصص الكيان الصهيوني عدداً من جنود حرس الشرف الذين يؤدون له التحية العسكرية كل صباح حتى يومنا هذا.
وغولدشتاين الذي كان يبلغ من العمر 42عاماً وقت قيامه بالمجزرة هو احد مؤسسي حركة كاخ الدينية، قدم من الولايات المتحدة إلى الكيان الصهيوني عام 1980وسكن في مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي مدينة الخليل.
وذكر عنه أنه كان يرفض لأسباب دينية معالجة غير اليهود بما فيهم المتطوعون الأوروبيون والدروز العرب ممن حاربوا إلى جانبه في جيش الكيان الصهيوني عندما كان يعمل طبيباً في الجيش الصهيوني، وكان مثاله الأعلى الحاخام كاهانا والذي كان بدوره لا يعتبر غير اليهود إلا (غوييم) أو غير بشر ويحرم مساعدتهم.
ويقول الكاتب اليهودي شاحاك في كتابه المذكور أن الشريعة اليهودية (هالاخا) تطالب في الحقيقة كل يهودي القيام بما قام به غولدشتاين ولدعم ما يقول فقد ساق في كتابه كلمات الحاخام دوف ليور الذي وصف فيها غولدشتاين بالمؤمن التقي وأن ما فعله كان من أجل الرب وباسمه.
ويعتقد إسرائيل شاحاك ونورتون متسفينسكي صاحبا كتاب «الأصولية اليهودية في إسرائيل»، أن الأصولية اليهودية هي أكثر الاتجاهات تأثيرا في المجتمع الإسرائيلي وبالذات مجتمع المستوطنات، وأن هذه القضية تعتبر من أكثر القضايا خطورة في إسرائيل.
اقرأ أيضاً :
الحركة الصهيونية كمشروع غربي/ الصهيونية والحرب النفسية/ من هم الصهاينة؟