ملاحظة:
يعد الكاتب [توماس فريدمان] سفر من الأسفار الإسرائيلية التي تحاول تحطيم كل ما هو عربي أو إسلامي أو كلاهما. وإن نشر مقالات له لا يعني أنني اتفق معه وإنما هو لمعرفة كيف يفكر من نختلف معه. لذا يحتاج القارئ لمقالاته ومن ينسج على منواله إلى القراءة مرتين الأولى القراءة بالنظر والثانية القراءة بالإحساس والتفكير.
العراق بين مواكب الموت وصمت القبور
(توماس فريدمان)
لو كنت محرراً لهذه الصحيفة، لكنت قد صدّرت الصفحة الأولى من العدد بعنوان رئيسي عريض، يحكي عن ذلك الهجوم المروع الذي شنه انتحاري سني على المسجد الشيعي بمدينة الحلة العراقية يوم الأربعاء الماضي -خلال اليوم الأول لصيام المسلمين- وأودى بحياة 25 من المصلين على الأقل، في حين بلغ عدد الجرحى والمصابين ما يزيد على 87 مصاباً!
وعلى حد تقرير وكالة "أسوشيتد بريس" عن الحادثة، فقد وقع الانفجار في أحد المساجد الشيعية واشتعلت النيران في الأسلاك ولمبات الزينة الكهربائية والأعلام الخضراء والحمراء التي زينت بها ساحة المسجد، احتفالاً بحلول اليوم الأول من شهر رمضان. وفوق الاهتمام الكبير الذي لقيه هذا الهجوم الآثم بالذات، فإنه يتطلب قدراً أكبر من التمعن والتفكير، لكونه يمثل جوهر المعضلة التي نواجهها مع هذا الإرهاب الإسلامي.
فحين يقدم مسلم سني على مهاجمة مسجد للمسلمين الشيعة -خلال شهر رمضان الذي يحرم فيه العنف والقتال- في حين لا يرتفع أي صوت على امتداد العالم الإسلامي السني كله تقريباً، يدين ذلك الهجوم، فإن هذا لا يعني سوى أمر واحد هو أنه لم تعد في ذلك العالم أية مرجعية أخلاقية قادرة على شجب مثل هذه الأفعال وإدانتها ووقفها عند حدها.
وعندما يفقد المتمردون السنة أدنى احترام لقدسية حياة إخوتهم المسلمين وللمساجد وبيوت الله ولقدسية الأشهر الحرم، في حين لا يحرك ساكناً أيٌّ من القادة المسلمين السنة على نطاق العالم السني كله، لاستهجان هذا السلوك والوقوف أمامه، فعندها تكون قد تلاشت كل الحدود والخطوط الفاصلة بين الأشياء. كما يعني ذلك أيضاً أنه ما من أحد بات في مأمن أياً كان، وفي وسع كل الأشياء أن تنقلب ضد الجميع في أي وقت وفي أي مكان!
وما لم يهب المسلمون السنة من أجل وقف حملة التطهير العرقي الديني لإخوتهم المسلمين الشيعة هذه -وقد بلغت خلال هذا الأسبوع حداً تم فيه جر أحد المعلمين من أمام فصله الدراسي وإطلاق النار عليه في حضور طلابه- فإن هذه الحملة سوف تطال العالم السني الإسلامي نفسه في نهاية المطاف، وسوف يكتوي بلظاها ونارها الجميع، وإن كانت ثمة حضارة تتآلف وتتصالح مع ظاهرة التفجيرات الانتحارية، فإن ذلك لا يعني سوى أنها حضارة انتحارية أيضاً.
ومما يثير دهشتي واستغرابي في آنٍ معاً، هذا الصمت المطبق الذي خيم على إدارة بوش إزاء تلك الحادثة ذات الدلالة البالغة، مع العلم بأن هذه الإدارة قد رست أخيراً على المسوغات والمبررات التي دفعتها لغزو العراق، بتوصيفها لأهداف ذلك الغزو والقول إن القصد منه "مساعدة العرب على خلق فضاء ما للحرية في عالمهم، يستطيعون فيه اجتراح أفق أفضل وأكثر تقدماً ولياقة بهم، بدلاً من الانحناء أمام الحكام الطغاة المستبدين، ومواصلة الحنين إلى أمجاد الماضي التليد". فبدلاً من أن تسعى الإدارة لاستصدار قرار دولي من الأمم المتحدة، يتم الإعلان بموجبه عن الإرهابي الإسلامي السني، أبو مصعب الزرقاوي وأمثاله باعتبارهم مجرمي حرب، نرى الإدارة وقد بعثت بكارين هيوز في جولة حول العالم العربي، لم تلق منها سوى صفعات النساء العربيات السنيات، اللائي بيّنّ لها كم نحن بشعون، بدلاً من أن تجمل صورتنا عندهن!
وللحقيقة فقد حانت اللحظة التي يتعين فيها أن نعترف بأننا منافقون أيضاً، وفي اعتقادي الشخصي أن الانتهاكات الفظيعة التي ارتكبناها بحق السجناء المعتقلين تحت حراستنا في سجون العراق وأفغانستان -مع العلم بأن عشرات منهم قد لقوا حتفهم على أيدينا تحت التعذيب الوحشي- قد كانت صفعة قوية لنا جميعاً، ولكن الفارق أن لنا مؤسسات وأجهزة إعلامية، إلى جانب نخب دينية ونظام عدلي قضائي، يكشف كل هذه الممارسات ويعريها ويردعها. كما أن هناك أغلبية في مجلس الشيوخ، تعكف الآن على وضع حد لكل هذه الانتهاكات والحيلولة دون تكرارها·
وكما لاحظت منظمة "هيومان رايتس ووتش" في تقريرها الصادر في الثالث من شهر أكتوبر الجاري، فإن الانتهاكات وإساءة معاملة سجناء "أبوغريب" لا تبرر مطلقاً، الهجمات المدبرة والمتعمدة التي يشنها المتمردون هناك ضد المدنيين العراقيين. ووصف التقرير تلك الهجمات بأنها تشكل "انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني، بل تصل في بعض الأحيان، إلى حد كونها جرائم ضد الإنسانية نفسها". لذا فإنه ليس من واجب جميع الفصائل العراقية المتمردة وقف مثل هذه الأعمال فحسب، وإنما يتعين على كافة القادة السياسيين والدينيين داخل العراق وخارجه، أن يدينوا ويستهجنوا مثل هذه الأعمال، التي تستهدف حياة المدنيين، خاصة وأن بعضهم كان قد عبر عن تعاطفه مع المتمردين في وقت سابق.
ولكن قلَّ أن تجد في العالم العربي كله رئيس دولة أو زعيماً دينياً سنياً بارزاً، ظل ثابتاً على إدانته المستمرة المثابرة للإرهابيين أسامة بن لادن، وأبو مصعب الزرقاوي بالاسم. صحيح أن القادة العرب قد شنوا حملات اعتقال للعناصر الإرهابية المتطرفة في بلدانهم، ولكنهم قلما مضوا بهم إلى آخر الشوط، في المواجهة الحاسمة الصارمة في معركة الأفكار والسبب هو خوف هؤلاء القادة من إطلاق عقال متطرفيهم السنة في الداخل، وفي الوقت ذاته، تجد بينهم من يؤيد سراً الحرب المعلنة على الشيعة!
وأكرر مجدداً: إن حضارة تتآلف مع العنف والتطهير العرقي الديني، لابد من أن تحمل الصفة نفسها، إن لم تدنهما وتوقفهما عند حدهما.
طيب الخير لكم
ويتبع >>>>>: العراق بين مواكب الموت وصمت القبور(2)