الأكثريـة اليهوديـة الصهيونيـة خطر على العرب
في استطلاع أجراه المركز لمكافحة العنصرية نُشر في صحيفة (يديعوت أحرونوت) 28/03/2007، قال 56% من المستطلَعين اليهود (الإسرائيليين) أنهم يرون بالعرب خطراً أمنياً وديموغرافياً. وأكثر من ذلك بل عبر هؤلاء عن كُرههم الشديد وعُنصريتهم ضد كل ما هو عربي.
لم يكن يهود العالم بغالبيتهم الساحقة معادين للعرب قبل أن تتمكن الحركة الصهيونية، وعبر المؤتمر الصهيوني الأول في (بازل) (سويسرا) عام 1897 بزعامة (ثيودور هرتسل)، من إطلاق حملة استيطان فلسطين وإقامة مشروعها السياسي الكولونيالي. كان الأمر يحتاج بطبيعة الحال إلى أيدولوجية تعبوية تُبدّل كراهيتهم للأوروبيين ولمظاهر السامية في أوروبا بالكراهية لأصحاب "الأرض الموعودة": فلسطين.
ورويداً رويداً تحول الأوروبيون الذين ضايقوا اليهود في (جيتاواتهم) وصولاً إلى ذبحهم على يد النازي الألماني إلى منقذين لهم. أما العرب فأصبحوا ألدّ أعداء اليهود في نظر الحركة الصهيونية وقادتها المغامرين. حتى اليهود العرب الذين عاشوا بوئام بين ظهراني الشعوب العربية تحولوا في بوتقة الصهر الصهيونية وآلة العدوان والاحتلال ضد الشعب الفلسطيني والعرب عموماً إلى أكثر المعادين لأصولهم العربية للتعويض عن النقص الناجم عن استعلاء اليهود الأشكناز تجاههم.
ولذلك فإن ما جاء في الاستطلاع المذكور حصيلة المغامرة الكبرى التي قام بها قادة الحركة الصهيونية والذين بدل قبول الحل الوسط التاريخي الذي عرضته عليهم الأنظمة العربية، واصلوا الاحتلال وواصلوا العدوان وواصلوا شحن المجتمع (الإسرائيلي) ليس فقط ضد العرب في الخارج، بل ضد المواطنين العرب الذين فُرضت عليهم "المواطنة" (الإسرائيلية) والعيش على الهامش. ويعكس رفضهم للمبادرة العربية للسلام، والتي تُشكل تراجعاً عربياً في نظر الكثيرين، حقيقة النظرة الأيديولوجية: السيطرة، والعنصرية ورفض التعامل بندية مع أهل المنطقة ـ العرب.
كثيرون في الدول الغربية، ممن اهتموا بشأن الصراع العربي ـ (الإسرائيلي)، غابت عنهم أو غُيّبوا بقصد وبدون قصد، تناقضات هامة هي مفتاح لفهم طبيعة (إسرائيل). والمقصود التناقض بين يهودية الدولة و"ديموقراطيتها". وتجاهلوا لفترة طويلة بأن حوالي 15% من الشعب الفلسطيني يعيشون داخل (إسرائيل) ضحية هذا التناقض الصارخ. ويُنتج عن ديمومة هذا التناقض، سلب ونهب لمواردهم، حصارهم اقتصاديا وجغرافياً وثقافياً. أي معاناة دائمة.
هذا التناقض كان قائماً دائماً، ولكن العرب في الداخل عبر فهمهم للفكر السياسي الحديث، والأُسس التي تقوم عليها الدولة الديموقراطية الحديثة، كشفوا هذا التناقض وعرّوا (إسرائيل) أمام قوى ديموقراطية ليبرالية غربية، وأمام المحافل الدولية وكان أوائل رواد هذا الطرح، التجمع الوطني الديموقراطي الذي هو حصيلة جهود مكثفة أعادت ترتيب الحركة الوطنية الفلسطينية داخل الخط الأخضر بحُلة حديثة تجمع بين الهوية القومية والمواطنة المتساوية. وامتد تأثير هذا الطرح إلى الوثائق الأخيرة التي أصدرتها هيئات تمثيلية عربية وجمعيات ومؤسسات تُطالب بإعادة ترتيب العلاقة بين الأقلية القومية العربية والدولة العبرية.
ورغم ما ينطوي عليه بعض هذه الوثائق من نواقص خطرة مثل تغييب أو تمييع حق العودة، فقد تعرضت لحملة تحريضية واسعة وذهب البعض من المؤسسة (الإسرائيلية) إلى القول أن هذه الوثائق تُعتبر حرباً على الدولة اليهودية. وحقيقة الوثائق هذه تطالب بإلغاء الامتيازات اليهودية والقوانين التي سُنت لصالح اليهود، أي أنها تُطالب بالمساواة. والمؤسسة الصهيونية تعرف ذلك حق المعرفة. إذاً ما الخطر. الخطر هو المطالبـة بالمسـاواة الكاملـة، ولأن هذا غريباً عن الصهيونيـة فلذلك هو خطر عليها.
وأغرب ما في الأمر هو صدور موقف من المؤسسة الأمنية (الشاباك) ومن رئيسها (يوفال ديسكين)، يعتبر العرب خطراً استراتيجياً ووازى هذا الخطر مع الخطر النووي الإيراني.
للمراقب غير العارف ببواطن الأمور سيفهم أن المواطنين العرب لديهم جيوش جرارة، لديهم (الشاباك) و(الموساد) والاستخبارات العسكرية ويوشكون على شن هجوم كاسح على الدولة. لن يفهم أن مليون ونصف دونم من أراضي المواطنين العرب الخاصة ـناهيك عن أملاك اللاجئينـ قد نُهبت حتى الآن، الأوقاف الإسلامية تحت سيطرة الدولة ويجري نهب ريعها لتمويل الدولة وأجهزة قمعها. القرى والمدن العربية محاصرة بالمستوطنات وبالمجالس الإقليمية اليهودية. 58% من العرب فقراء وجرى تحطيم أي محاولة لاقتصاد شبه مستقل. الأحزاب السياسية العربية الوطنية وقياداتها تتعرض لتحريض يومي تُسجن وتُحاكم وتُفرض تضييقات جديدة على حركتها ونشاطها السياسي. كما هو الحال مع الحركة الإسلامية والتجمع. ويتوقع أن تتجدد هذه الحملة قريباً تحت حجتين: المطالبة بتغيير طابع الدولة، والعلاقة مع أمتنا العربية. إذاً الهجوم هو على الموقف الوطني لعرب الداخل (الهوية القومية والمواطنة المتساوية).
ترى من هو الخطر، المواطنون العرب أم الأكثرية اليهودية الصهيونية؟
إن الأكثرية اليهودية الصهيونية، عبر قيادتها المغامرة والمأزومة هم الأكثر خطراً على المواطنين العرب، وعلى الاستقرار في المنطقة وعلى أنفسهم.
يجب أن تكون شعاراتنا السياسية نحن العرب في الداخل مقلوبة؛ أي في مكانها الصحيح، وأن ارفعوا الحصار عن المواطنين العرب، وحكام (إسرائيل) هم خطر استراتيجي على المواطنين العرب وعلى الشعب الفلسطيني وعلى الأمة العربية.
تستطيع (إسرائيل) أن تواصل قمعها وتقوم بحملات جديدة ضد المواطنين العرب وضد قيادتهم السياسية وفرض المزيد من الحصار الاقتصادي والجغرافي ولكنها لن تستطيع قمع تطلعاتهم الوطنية المشروعة، بل أنها بذلك تزرع بذور هبات شعبية عارمة لا يستطيع أحد أن يتكهن حجمها ومداها.
المصدر :عرب 48
التاريخ : 31/12/2007
اقرأ أيضاً:
الشخصية الصهيونية وحتمية الصراع/ هذه هي العنصرية النازية الإسرائيلية الأمريكية../ يوشع براور ومؤلفاته/ مستوطنون ينفثون حقدهم ..