الدولة الصهيونية... مرتع الفساد والجريمة المنظمة
تدعي الصهيونية أن يهود المنفى -أي يهود العالم- شخصيات هامشية طُفيلية شاذة، تسلك سلوكاً إجرامياً بسبب هامشيتها وطُفيليتها. وهذا الاتهام المستمد من أدبيات معاداة السامية توجهه الأدبيات الصهيونية لليهود حتى تدعم فكرتها القائلة أن اليهودي لا يُمكنه أن يحيا حياة سوية إلا في "الوطن القومي" لليهود، وإنه إن تم تهجير اليهودي من "وطنه" -والذي يُطلقون عليه اسم "المنفى" أو "الشتات"- إلى "وطنه الحقيقي" في فلسطين، فإنه سيُصبح شخصية مُبدعة مُنتجة سوية، نفضت عن نفسها سِمات الهامشية والطُفيلية والشذوذ التي وُسِمَت بها في "المنفى".
ويُطلق على عملية التحول هذه "التطبيع"، أي تحويل اليهودي من شـخصيـة هامشـيـة شـاذة إلى شـخصيـة طبيعيـة سـويـة عن طريق الاسـتيطان في فلسـطين وأداء أعمال يدويـة وعدم الاعتماد على العمالـة غير اليهوديـة، باعتبار أن هذه العمليـة سـتؤدي في نهايـة الأمر -حسـب التصور الصهيوني- إلى نفي "الدياسـبورا"، أي تصفيـة الجماعات اليهوديـة في الخارج.
وقد وُصفت هذه العملية بأنها نهاية اليهود القُدامى وبداية العبرانيين الجُدد، باعتبار أن العبراني الجديد شخصية لا تتسم بأي الصفات السلبية التي يتصف بها يهود المنفى!
ولكن من المفارقات التي تلفت النظر أن يقول الشاعر الصهيوني (نحمان بياليك): الدولة الصهيونية ستُصبح دولة عادية طبيعية -"دولة عبرية" حسب قوله-، حين يُصبح هناك "شرطي عبري" بل و"بغيّ يهودية"، أي أن تطبيع الشخصية اليهودية من وجهة النظر الصهيونية هو أن يُصبحوا قادرين على ارتكاب الجرائم الشـائعـة والفواحـش المنتشـرة بشـتى أنواعها، بدلاً من الجرائم الشـاذة غير الطبيعيـة -مثل جرائم الغـش التجاري- التي يرتكبونها في الوقت الحاضر.
ويبدو أن النبوءة الصهيونية قد تحققت بطريقة فاقت حتى توقعات الصهاينة أنفسهم، إذ انتشرت الجرائم العادية والفواحش الشائعة مثل جريمة الاتجار بالمخدرات وتعاطيها! وقد انتشرت هذه التجارة أو الجريمة أثناء غزو لبنان، إذ كان كبار الضباط يقومون بتهريب المخدرات من لبنان إلى الكيان الصهيوني، حتى إن الجنود كانوا يتحدثون عن "الجنرال حشيش" باعتباره أهم الجنرالات. وقد ذكرت إذاعة الكيان الناطقة بالعبرية أنه تم ضبط مجموعة من الجنود والضباط الصهاينة تبيع المخدرات، وخاصة الكوكائين، داخل قاعدة صهيونية جنوبي الكيان، وأنها تضم عدداً من الضباط من ذوي "الرتب الرفيعة".
وقد أشارت إحدى الإحصاءات التي نُشرت عام 2002 إلى أن حوالي 300 ألف نسمة -أي حوالي 6 في المائة من مجموع سكان الكيان الصهيوني- اعترفوا بتعاطي المخدرات، وأن ارتفاعاً حاداً قد طرأ على تعاطي المخدرات في صفوف الجنود والطلاب، حيث ارتفعت النسبة بينهم من 7.2 في المائة نهاية السبعينيات إلى حوالي 13.5 في المائة. وأتصور أن النسبة آخذة في الارتفاع بعد ذلك التاريخ، خاصة بعد استمرار انتفاضة الأقصى ثم الهزيمة في لبنان.
وفي محاولة لتفسير انتشار تجارة المخدرات جاء في تقرير إحدى اللجان الصهيونية التي شُكلت لبحث ظاهرة المخدرات أن سبب انتشار تجارة المخدرات يعود إلى التأثير "الحضاري" الغربي، وهي عبارة غامضة لا معنى لها؛ فكل ما في الكيان الصهيوني هو نتاج التأثير الغربي. ويُضيف التقرير الأسباب التالية:
1 ـ موجة المتطوعين والسياح التي وصلت إلى الكيان الصهيوني منذ السبعينيات.
2 ـ توافر كميات كبيرة من المخدرات بأسعار رخيصة.
3 ـ الاتصال مع عدد كبير من العرب.
والأسباب التي توردها اللجنة قاصرة تماماً عن تفسير ظاهرة انتشار المخدرات والجريمة على وجه العموم؛ فهي لم تذكر، على سبيل المثال لا الحصر، تآكل الأيديولوجية الصهيونية، والشذوذ البنيوي للدولة الصهيونية باعتبارها دولة ليهود العالم وليس لمواطنيها، وعدم التجانس بين الجماعات التي تُستجلب من شتى بقاع الأرض للاستيطان في فلسطين ومجتمعات المهاجرين لا تتمسك عادة بقيم المجتمع، خاصة وأن المهاجرين الصهاينة في الآونة الأخيرة استوطنوا في فلسطين المحتلة بحثاً عن الحراك الاجتماعي، فهم صهاينة مرتزقة لا يكترثون كثيراً بالأيديولوجيا الصهيونية.
كما يُمكن أن نضيف تصاعد معدلات العلمنة داخل الكيان الصهيوني، ودخول المستوطن الصهيوني في حروب متكررة عقيمة لم تأتِ بحل لأي من مشكلاته، وغير ذلك من الأسباب. كما لم تذكر أهم الأسباب التي طرأت، وهي أن الدولة الصهيونية دولة استعمارية إحتلالية، أي دولة "داروينية" استخدمت القوة والبطش للاستيلاء على الأرض الفلسطينية وطرد سكانها أو توظفيهم واستغلال مصادرهم الطبيعية لحسابها. فالدولـة الصهيونيـة دولـة مبنيـة على سـرقـة تاريخيـة، وهذا ما يُدركـه أعضاء هذا الجيب الاسـتيطاني وهو ما يُولد عندهم عقليـة إجراميـة وتصور أن السـرقـة أمر مشـروع طالما أن اللص عنده القوة الكافيـة لتنفيذ جريمتـه والإفلات من قبضة القانون.
ومها كانت التفسيرات، فإن من أهم الجرائم التي انتشرت في الجيب الصهيوني هي قضايا الفساد الذي ضرب بأطنابه في الكيان الصهيوني. وهناك نكتة يتداولها الإسرائيليون هذه الأيام بلغت من الشيوع أن إحدى مقدمات البرامج السياسية المهمة في الإذاعة الإسرائيلية قرأتها على المستمعين واكتفت بالتنهُّد! تقول النكتة إن (شارون) استيقظ فجأة من الغيبوبة الطويلة التي انتابته وطلب أن يُقابل بعض الشخصيات المهمة في الدولة ليكتشف أنهم جميعاً يتم التحقيق معهم في جرائم فساد. والنكتة لا تتسم بالمبالغة، ففي مقال بعنوان "الإسرائيليون يتساءلون عن سبب ابتلائهم بقيادة فاسدة من أعلى الهرم إلى أسفله" -صحيفة هآرتس 21 يناير 2007 - يُشير (عوزي بنزيمان) إلى أن رئيس الدولة قُدم للتحقيق بتهمة التحرش الجنسي بخمس فتيات كُنَّ يعملن في مكتبه، وقد تم إيقافه وطُلب منه الاستقالة بدلاً من إقالته.
ورغم أهمية هذه الجريمة إلا أن ثمة جدلاً شعبياً بخصوص قضايا الفساد التي تخضع للتحقيق في سلطة الضرائب وفي ديوان رئيس الوزراء، ورئيس الوزراء نفسه ووزير المالية ووزير "العدل" ووزير الأمن الداخلي السابق (تساحي هنغبي) ووزير العمل والرفاه السابق (شلومو بنيزري) وأشخاص مهمون آخرون من وزراء وأعضاء كنيست وحاخام رئيسي ومسؤولين في سلطات محلية وغيرهم -كلهم متورطون في قضايا فساد-.
وفي محاولة لتفسير هذا الوضع يقول الأستاذ (شلومو أفينيري) المفكر السياسي الإسرائيلي إن هذه الجرائم "تعود إلى طريقة الانتخابات التمهيدية التي تستوجب جمع أموال كبيرة، وأحياناً بطرق غير قانونية من أجل الحصول على الدعم داخل الأحزاب". ولكن (عوزي بنزيمان) يرى أن الجرائم المنسوبة لكبار رجال الدولة لا يُمكن تفسيرها على هذا الأساس "فهم لم يعقدوا الصفقات المُريبة من أجل تكريس مواقعهم داخل أحزابهم، فهم مجرد أشخاص لا يُسيطرون على غرائزهم ودوافعهم وجشعهم".
ويُضيف (عوزي بنزيمان) أن "توقعات المجتمع المتدنية من الشخصيات العامة التي تقوده، وقبوله بمستوى أخلاقي هابط هو الذي أوجد التربة الخصبة لانتشار الفساد. فالجمهور الإسرائيلي أعطى شرعية اجتماعية وسياسية لأولئك الذين شابتهم الشوائب، ونجحوا في التملص من الإدانة الشكلية". فثمة غياب للثقافة التي تُنادي بالاستقامة العامة.
ويلاحظ (موشيه غورالي) في مقال بعنوان "الفساد في إسرائيل يرتفع درجة ليقترب من الجريمة المنظمة" (معاريف 4 يناير 2007) أنه حدثت قفزة في نمط الفساد، ففي الماضي كان الفساد يأخذ شكل توزيع الغنائم بعد وصول حزب ما للحكم، أي أن الفساد كان حزبياً عشائرياً. أما الآن فثمة "محاولة للسيطرة على سلطات تنفيذ القانون، فيتم تعيين مستشارين قانونيين للحكومة مريحين للسلطة. فتعيين "ميني مزوز" مستشاراً قانونياً اعتبر تعييناً مريحاً ومرغوباً فيه من السلطة حتى يقوم بكنس المتزمتين من وزارة العدل. وبالفعل، فمع تسلمه المنصب أغلق ملفات "آرييل شارون"، و"إيهود أولمرت" و"روبي ريفلين".
ويلاحظ الكاتب أن "ثمة ارتفاعاً في درجة الفساد تبين أنه تم الدمج بين النمطين السابقين: تعيين مقربين وتعيين إمعات في نفس الوقت. التسلل إلى المستوى المهني الميداني وكذا إلى مستوى القيادة واتخاذ القرارات محاولة للسيطرة على الجنرالات وعلى الجنود في نفس الوقت. السيطرة على سلطة فرض القانون التي هي من أقوى السلطات في الدولة. ولكن من الصعب تجاهل خطورة النمط الذي اكتشف، فالحديث يدور عن نمط يقترب بالتأكيد من قصص الجريمة المنظمة، قصص حتى فاسدو إسرائيل أنفسهم لم يُشاهدوها إلا في الأفلام."
والله أعلم
اقرأ أيضاً:
الصهيونية بإيجاز(3)/ القراءة الصهيونية للتاريخ(4)/ سيكولوجية الصهيونية في حكايات المهدي (2)