الانقلابات العسكرية والقومية
وبناء على ما تقدم فإن اعتناق مبادئ القومية العربية -وغير العربية كالكردية والإيرانية- كفر ينقل عن الملة ويخرج من الإسلام.
فمن اعتنق مبادئ القومية فإنه يخرج من الإسلام فلا تؤكل ذبيحته، ولا تنكح البنت القومية، ولا يزوج القومي من بنات المسلمين، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يقبر في مقابر المسلمين، ولا يرد عليه السلام، ولا يترحم عليه إذا مات -فلا نقول يرحمه الله- ولا يرث الشاب القومي من أبيه المسلم، ولا يرثه أبناؤه إن كانوا مسلمين ويخالفونه في مذهبه القومي. وإذا اعتنق الشاب القومية وهو متزوج مسلمة فتطلق منه وتحرم عليه، وإذا بقيت على صلة به، فالصلة الجنسية بينهما زنا، وأولادهما أولاد زنا، وعورة المرأة المسلمة أمام الفتاة القومية كعورتها أمام الرجل فلا يحل لها كشف رأسها أمام الفتاة القومية. والمرأة إذا اعتنقت القومية وهي متزوجة مسلما ينفسخ العقد حالا.
1- سيقول أناس: إن بعضهم يصلي ويصوم أحيانا!!، فنقول: إن الصلاة والصيام لا يقبلان مع فساد العقيدة والشرك، فلقد كان الجاهليون يصلون ويحجون ويدعون ولكن الله رد أعمالهم كلها لأنها ليست مبنية على إيمان بالله وبرسوله وبدينه، ولأن الأفعال الصالحة لا تقبل من الكفار.
2- وسيقول آخرون: إن كثيرا من الحزبيين منتفعون من أجل المناصب والأموال يقبلون على الحزب!!، فنرد عليهم: نحن لا نعلم الغيب ونجري أحكامنا على الظاهر ونحاسبهم على ما يخرج من أفواههم وندع قلوبهم إلى الله -عز وجل- فالقاعدة العامة: أن القومي كافر، والاستثناء إنما هو استثناء من عموم القاعدة فلا يثبت إلا بدليل قوي يرجح على الأصل، أي أننا إذا تأكدنا من شاب أنه يكره القومية ويحب انتهاءها ويقاوم في الواقع انتشارها فإننا نحكم له بالإسلام. ولا بد من معرفة أن هؤلاء المنتفعين هم أنصار الكفر بهم ينتشر وعلى أكتافهم يقوم.
3- وسيقول فريق ثالث: إن معظم الأفراد جهلة بالحكم الشرعي!! فنرد عليهم: الجاهل يعلم ويبين له الحكم فإن أصر فإنه يحكم عليه بالكفر. فإذا كتب بعض العلماء الذين يوثق بدينهم مقالات أو كتبا في تكفير القوميين فإن هذا يكفي في التبليغ ولم يبق الجهل عذرا بعد البيان.
4- وقد يسأل شاب قومي: ما حكم القومي إذا تاب ورجع: هل يقضي الصلوات والصيام؟ فنقول -والله المستعان- (الإسلام يجب (يقطع) ما قبله) فليس عليه أن يقضي الصلاة والصيام. وفي الحديث (إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، يكفر الله عنه كل سيئة كان زلفها (قدمها). وفي الحديث الآخر (إذا أسلم العبد فحسن إسلامه، كتب الله كل حسنة كان أسلفها، ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها).
كلمة أخيرة في القومية
وختاما نريد أن نسأل القوميين بعض الأسئلة:
1 - ما هي مبادئكم؟ وكيف تصوغون قوانينكم، ومن أين تستقونها؟
2 - ما هي نظرتكم نحو الكون والإنسان والحياة؟
3 - ما هي أنظمتكم الاقتصادية، والأخلاقية، والاجتماعية والعائلية، والسياسية؟
4 - أين يقع الإسلام من دعواتكم؟
5 - ما هي الأسس التي ستعاملون عليها شعوبكم إذا حكمتم؟ وكيف ستعاملون شعوب الأرض الأخرى.؟
6 - كيف ستعاملون الشعوب الإسلامية؟ أتكون معاملتهم تماما كالشعوب الوثنية - البوذية والهندوسية، أو كالشعوب النصرانية في الغرب.
أما المبادئ: فلم يصلوا حتى الآن إلى تعريف لأحزابهم يقول سامي الجندي: (بدأ الحزبيون يسألون ما هو البعث؟ ما هي وحدة البعث، أيهما أسبق الوحدة أو الاشتراكية؟ لم تجب القيادة ولا تستطيع أن تجيب حتى الآن).
أما القوانين: فإنهم سيأخذونها من أي مصدر -عدا الإسلام- أما النظر (العقيدة) في الله، والنظرة إلى الكون والإنسان والحياة، فليس عندهم نصوص في هذا، ولذا لجؤا إلى الماركسية لملأ الفراغ الفكري عندهم.
أما الأخلاق: أي بيان قائمة الحلال والحرام في المجتمع العربي، فليس هنالك أي شيء من هذا، ولذا فأخلاق المجتمعات العربية -بدون إسلام- أخلاق نفعية تبنى على المصلحة والمنفعة المؤقتة العاجلة. والغاية تبرر الوسيلة -كما قال ميكافيلي-.
أما الإسلام: فقد اختلفوا في النظرة إليه في الماضي أما في الحاضر فهم على اتفاق أنه يجب أن ينبذ من الحياة، أما بالنسبة للإسلام في الماضي:
1- فمنهم الجاحد لفضله أبدا: مثل قسطنطين زريق الذي يرى أن العرب هم نقلة لحضارة اليونان والرومان ولم يصنعوا حضارة.
2- ومنهم المغفل: أمثال علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) وخالد محمد خالد (من هنا نبدأ) الذين يرون أن الدين هو أساس التفرقة والتمزق ولذا يجب إبعاده من المجتمعات.
3- ومنهم المنكر فقط وليس جاحدا بالمرة: مثل ميشيل عفلق: فهو يرى أن الإسلام وثبة من وثبات الأمة العربية ولكن لا يرد ذلك إلى الوحي والنبوة فقدرات الأمة العربية تجمعت في الماضي حتى أنتجت محمدا.
4- ومنهم المذبذب والمنافق: مثل حازم نسيبة -من ذراري المسلمين- فهو يقول: (وقد انصب المستشرقون في القرن التاسع عشر بكل قواهم على بحث النواحي الدينوية أكثر مما اهتموا بالنواحي اللاهوتية من التاريخ العربي الذي أظهر أن الأمة العربية أقامت حضارة متقدمه راقية قبل الإسلام وبعده على السواء، وبهذا لم تكن الحضارة العربية حادثا دينيا صرفا لا يملك النصارى العرب أن يشاركوا فيه، بل العكس هو الصحيح وهو: أن لتلك الحضارة ملامح منقطعة الصلة بالدين كما أثبت الواقع الذي انصب الباحثون الغربيون على كشفه). وليت شعري من سبق حازم نسيبة بهذا الرأي سواء كان من ذراري الصليبين من المستشرقين أو الباحثين أو من ذراري المسلمين -المستغربين- أن ينكر صلة الإسلام بالحضارة العربية أبدا، وأين حضارة العرب قبل الإسلام؟ أهي حضارة عنترة أو أبي جهل أو أبي لهب، ولعلها حضارة مسيلمة الكذاب.
وأخيرا فإنا نقول: إن واقع العرب يدل دلالة واضحة على النتائج التي توصلت إليها الدعوات القومية والإقليمية والعلمانية:
1 - قطع صلة العرب بالدول الإسلامية.
2 - تمزيق العالم العربي إلى دويلات هزيلة حتى تبقى في قبضة العالم الغربي والشرقي، تتسابق في ولائها لأمريكا أو إلى روسيا لتحمي أنظمتها في المنطقة.
3 - تضخم الكيان الإسرائيلي الذي أصبح تنينا يفتح شدقيه يبتلع كل فترة جزءا من بلاد العرب.
4 - انهيارات في معظم النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
5 - نشوء أجيال ليس لها هوية معينة، وليس لها أي مبدأ في الحياة، لا تعلم لماذا تعيش؟ ممزقة خلقيا متفسخة اجتماعيا، متفككة أسريا، أفئدتهم هواء، تراهم كل يوم في رأي، يغيرون أفكارهم كما يغيرون أزياءهم في الاعتقاد والاقتصاد والثقافة والاجتماع يقول زويمر -زعيم المنصرين- مخاطبا المبشرين (إنكم أعددتم شبابا في ديار الإسلام لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام فجاء النشء الإسلامي طبقا لما أراده الاستعمار لا يهتم للعظائم ويحب الراحة والكسل ولا يصرف همه في الدنيا إلا في الشهوات).
إن هذا الشرق لم يشهد في يوم من الأيام وحدة ولا عزة ولم يكن له كيان إلا بالإسلام الذي وحده أول مرة ولن يجد نفسه مرة ثانية إلا بالإسلام.
لقد مزقت القومية أوربا فنقلها العرب ليمزقوا أمتهم الإسلامية، بل ليفتتوا الشعوب العربية نفسها. كما يقول توينبي (فهل من الضروري حقا أن يتفتت العالم العربي كما تفتت الإمبراطورية الأسبانية في أمريكا لسوء الحظ - إلى عشرين دولة مستقلة عن بعضها تعيش في قوالب ضيقة غربية النمط)؟.
هذا هو الوجه الثاني الكالح لحضارتنا الغربية ومن المؤسف أن تقلده الشعوب الناطقة بالعربية تقليدا تاما. إن سحر القومية جذاب في أمثال هذه المجتمعات الإسلامية المبعثرة ولكن القومية لن تقود هذه المجتمعات إلى حياة جديدة، بل إلى حكم بالموت والفناء. إن النغمة التي عزفتها الطبقات المتسلطة في العالم الإسلامي والعربي هي نغمة القومية وهي معزوفة جميلة تشنف الأسماع وتبهج القلوب، ولكنها مخدرات تذبح الشعوب من خلالها على مذابح الشهوات قرابين رخيصة في سبيل الطغاة والطاغوت وإن الخرير الذي يعكسه صوت النزيف الدموي قد جذب كثيرا من القطعان لتستاق إلى مذبحها ونهايتها البئيسة الأليمة.
يقول جب: (إن الأسلوب الذي استطاعت به طبقة المتغربين تأمين قبضتها الثابتة على السلطة في الدولة... كان القومية... فالقومية هي فكرة غربية تماما). وإن سبب انتشار القومية في العالم العربي هو سيطرة الغرب نفسه على العالم الإسلامي.
(ففي الوقت الحاضر الذي يجد الغرب نفسه منذ الحرب العالمية الثانية ويرى أنه مجزأ إلى أكثر من أربعين دولة قومية مستقلة ذات سيادة يهدد بانهيار البيت كله كاملة على من فيه بسبب انقسامه هكذا على نفسه. ومع ذلك فإن اعتبار الغرب لا يزال له من القوة في العالم ما يبقى جرثومة القومية الغربية قادرة على السريان والعدوى. ومن المأمول أن يستطيع العالم الإسلامي على كل حال إيقاف انتشار هذا الداء السياسي الغربي -القومية- عن طريق الشعور الإسلامي القومي بالوحدة).
إن القومية ليست الدواء الناجع لأمراضنا، بل هي داء عضال مما أصابنا، يقول سمث: (وتاريخ الشرق الأدنى الحديث يدل أن القومية المجردة ليست القاعدة الملائمة للنهوض بالواجب الشاق، وما لم يكن المثل الأعلى إسلاميا على وجه من الوجوه، لن تثمر الجهود البتة).
وما أجمل كلمة سيدنا عمر بن الخطاب ننهي بها هذا البحث: (نحن قوم أعزنا الله بهذا الدين ومهما ابتغينا العزة -عن غير طريقه- أذلنا الله).
(لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)(الأنبياء:10) فالمسلمون يذكرون بالقرآن، فبسبب من هذا الكتاب تذكر هذه الأمة، ولقد تقدم العرب أول مرة إلى البشرية على هدي هذا القرآن، وأمسكوا بزمان البشرية بعد أن تمسكوا بالكتاب وأقاموه في حياتهم (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ)(الزخرف:44)، (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ....)(المائدة:68)، فأهل القرآن ليسوا على شيء، لا وزن لهم ولا قيمة إلا إذا أقاموه فيهم، وعملوا به في حياتهم، وطبقوه في واقعهم. (... لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً* وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً* َلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً)(النساء 66: 68).
جاء في تقرير ديلسبس - قنصل فرنسا العام في سوريا في 19/8/1956 الذي كتبه بمساعدة مساعده (بلانس) ما يلي (من أبرز الحقائق التي يلحظها من يريد درس هذه البلدان المكانة التي تحيلها الدين في نفوس الناس، والسلطة التي له في حياة الناس، فالدين يظهر في كل مكان وفي كل أمر. ففي المجتمع الشرقي يظهر أثر الدين في الأخلاق العامة، وفي اللغة وفي الأدب، وفي جميع المؤسسات الاجتماعية. والرجل الشرقي لا ينتمي إلى وطن ولد فيه -الشرقي ليس له وطن- بل إلى الدين الذي ولد فيه، وكما أن الرجل في الغرب ينتمي إلى وطن، فإنه في الشرق ينتمي إلى دين، وأمة الرجل الشرقي هي مجموعة الناس الذين يعتنقون الدين ذاته الذي يعتنقه هو، وكل فرد خارج عن حظيرة الدين هو بالنسبة إليه رجل أجنبي غريب.
اقرأ أيضاً:
القومية العربية / القومية العربية: الجمعيات القومية / الدعوة القومية في بداية القرن العشرين /القومية بعد الحرب الأولى/ الانقلابات العسكرية والقومية