رغم أن كلاً من السفارد والأشكناز يُشار إليهم على أنهم "يهود" بشكل عام، ورغم أن كلا الفريقين تبنى التلمود البابلي (وليس الفلسطيني) مرجعاً وحيداً في الأمور الدينية، فقد ظلت بعض نقط الاختلاف، بعضها سطحي والآخر عميق، تعود إلى اختلاف البيئات الحضارية التي يعيش في كنفها أعضاء الجماعات اليهودية السفاردية والأشكنازية. فقد كان ليهود إسبانيا طريقتهم الخاصة في الصلاة وإقامة الشعائر الدينية التي تُعَدُّ استمراراً للتقاليد الدينية اليهودية التي نشأت وتطورت في بابل. أما الإشكناز، فتعود عبادتهم أساساً إلى أصول يهودية فلسطينية. وقد تعمَّقت الفروق بين الفريقين نتيجة تأثر السفارد في عبادتهم وتلاوتهم وترتيلهم وإنشادهم بالذوق العربي، كما انفردوا بنصوص شعرية ونثرية في أدعيتهم وصلواتهم قريبة الشبه بما يماثلها عند المسلمين.
ويمكن حصر أهم نقط الاختلاف فيما يلي:
1- بعض الاختلافات العامة:
أ- يُلاحظ أن السفارد، بسبب مستواهم الثقافي العالي، يتسمون باتساع الأفق، أما الإشكناز فلم ينفتحوا على الحضارات التي عاشوا بين ظهرانيها برغم تأثرهم بها، وانغلقوا على الكتاب المقدَّس والتلمود وعلى تفسير النصوص الجزئية.
ب- لم يحاول الإشـكناز جَمْع الشـريعة وتقنينها والتوصـل إلى مبـادئها العـامة، على عكس السفارد الذين فعلوا ذلك نتيجة لاحتكاكهم بالحضارة الإسلامية ومفهوم أصول الدين.
ج- يُلاحَظ أن التأثير الفكري للسفارد في الإشكناز كان عميقاً. فرغم أن بدايات القبَّالاه إشكنازية، فإن تَحوُّلها إلى نسق متكامل في قبَّالاة الزوهار ثم القبَّالاه اللوريانية تم على يد السفارد، بل إن الفكر القبَّالي ذاته يكاد يكون فكراً سفاردياً، وهو الذي اكتسح الفكر الحاخامي الإشكنازي. كما أن أهم كتب الشريعة اليهودية الشولحان عاروخ (بالعربية: المائدة المنضودة)، وهو المصنف التشريعي الذي وضعه يوسف كارو السفاردي في أسبانيا كتاب سفاردي كتب عليه أحد الإشكناز شروحاً وتعليقات.
د- لاحَظ أحد المفكرين أثر الفكر المسيحي في الفكر الديني للإشكناز، فظاهرة الاستشهاد فيما يُعرَف بمصطلح «تقديس الاسم» (بالعبرية: «قيدوش هاشيم») هي ظاهرة إشكنازية لعلها جاءت نتيجة تأثير واقعة الصلب في المسيحية على اليهود. أما المارانية، وهي شكل من أشكال التَقية، فهي ظاهرة سفاردية. ويمكن ملاحظة تأثير الفكر المسيحي في الحسيدية أيضاً، على عكس الفكر السفاردي الذي تأثر في بعض جوانبه بالفكر الديني الإسلامي.
هـ- ومن الظواهر التي تستحق التسجيل أن المشيحانية، أي عودة المسيح المخلص اليهودي (الماشيحّ) آخر الأيام ليقود شعبه إلى صهيون ويحكم العالم، وهي في واقع الأمر ظاهرة تعبر عن إحباط الجماهير، هي حركة إشكنازية بالدرجة الأولى رغم أن الفكر القبَّالي فكر سفاردي، ورغم أن شبتاي تسفي (أول ماشيَّح دجال في العصر الحديث) سفاردي. كما أن قيادة هذه الحركات انتقلت إلى الغرب بعد حركة شبتاي تسفي. فجيكوب فرانك إشكنازي (رغم تَبنِّيه بعض الأساليب السفاردية، ورغم أن أعداءه سموه «فرانك»، أي "السفاردي" باليديشية). والحركة الحسيدية أيضاً حركة إشكنازية. ولعل تعدد المسحاء الدجالين بين الأشكناز يعود على وضع أعضاء الجماعات اليهودية المتردي في الغرب، على عكس وضع أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الإسلامي.
و- يُلاحَظ أيضاً أنه بعد سنوات من التبعية للفكر السفاردي وبدأ الإشكناز في الإبداع في مجال الفكر الديني والدنيوي، فظهرت حركة التنوير في صفوفهم، كما ظهر بينهم علم اليهودية، وكذلك جميع الحركات الدينية في اليهودية الإصلاحية والمحافظة والأرثوذكسية والتجديدية.
ز- تختلف المصطلحات الدينية بين الأشكناز والسفارد على النحو التالي:
المصطلح | سفاردي | إشكنازي |
صلاة العشاء تابوت العهد صلاة عيد الفصح يوم الغفران حاخام كتاب صلاة | عربت هيكل هاجاداه كيبور ربي / راف تيفيلوت | معاريف آرون سيدر يوم كيبور راباي سيدور |
ح- يستخدم السفارد الخس في عيد الفصح، باعتباره أحد الأعشاب المرة التي تؤكل في هذه المناسبة بدلاً من الفجل الحار الذي يستخدمه الأشكناز.
2- الصلاة بين اليهود الشرقيين والغربيين:
تختلف صيغ الصلاة عند كل من السفارد والأشكناز، ولذا يرفض كل منهما الصلاة في معبد الآخر. فثمة اختلافات في تصوري طفيفة، ولكنها تسبب معارك فيما بينهم. فمعمار المعبد السفاردي يختلف، في بعض التفاصيل عن معمار المعبد الإشكنازي، وهذا يترك أثره على طريقة أداء الصلاة. ويرفع السفارد مخطوطة التوراة قبل قراءتها، على عكس الأشكناز الذين يفعلون ذلك بعدها، كما يلاحظ أن الخط المستخدم في كتابة مخطوطة التوراة مختلف. وتقول صحيفة هآرتس في تحقيقها عن الخلافات الفقهية بين السفارد والأشكناز إن كل طائفة لها صيغ في الصلوات تختلف تماما عن صيغ الطائفة الأخرى، الأمر الذي جعل اليهودي الشرقي لا يصلي في معبد اليهودي الغربي، وذلك بالرغم من أن الديانة اليهودية واحدة والشعب اليهودي واحد! لقد فشلت حتى التوراة في التوحيد بين اليهود الأصوليين من كلا الطائفتين، وجمعهم في معبد واحد وعلى صيغة صلاة واحدة. وقد جرت محاولات عديدة لتوحيد صيغ الصلوات جوبهت جميعا بالرفض من جانب حاخامات السفارد.
ومن أبرز هذه المحاولات تلك التي قام بها الحاخام الأكبر بالجيش الإسرائيلي شلومو جورن حيث فرص صيغة صلاة موحدة على أفراد الجيش الإسرائيلي من كلتا الطائفتين. ولكن عندما انتخب حاخام الإشكناز الأكبر عام 1971، ثم انتخب الحاخام عوفديا يوسف حاخام السفارد الأكبر، أخذت المواجهة تحتدم بين الاثنين حول هذه الصيغة الموحدة. فقد قال الحاخام يوسف إن صيغة الصلاة الموحدة التي فرضها جورن ليست إلا صيغة الصلاة الإشكنازية باستثناء بعض التغييرات الطفيفة غير ذات القيمة. وطالب يوسف المجندين الذين ينتمون إلى الطوائف الشرقية بالصلاة وفق الصيغ المتبعة في طوائفهم. ونجح الحاخام يوسف في إبطال صيغة الصلاة الموحدة داخل الجيش الإسرائيلي حيث قام أتباعه بتسريب صيغ صلوات داخل معسكرات الجيش كتبها عوفديا يوسف بنفسه.
3- الزواج:
من أبرز وأشد مواضيع الخلاف بين االسفارد والإشكناز، موضوع الزواج، إذ لازال يحرم على السفاردي الحريدي (الأصولي والمحافظ دينياً) حتى الآن الزواج من إشكنازية وكذلك العكس. والزواج بين الحريديم عموما، الإشكناز واالسفارد، يتم بالوساطة. وكما تكشف الصحيفة المذكورة، فقد وزع منذ تسعة أعوام في كل من القدس ومدينة بني باراك الحريدية كتيبا مجهولا جاء فيه: "أن أبناء من يتزوجون من سفاردية هم "أبناء حُيّض" وأن كل السفارد بناء على ذلك أنجاس أبناء حوائض". وقد وزع هذا الكتيب الذي يحمل هذه الفتوى بعد أن أصدر الحاخام عوفديا يوسف فتوى عن طهارة الأسرة، أمر فيها النساء السفارديات بالالتزام بما جاء في كتاب الشولحان (شولحان عاروخ) بشأن فترة العدة الخاصة بالحيض. وينص الكتاب على أن فترة الحيض هي من ثلاثة حتى أربعة أيام (حتى فترة انقطاع أي أثر للطمث)، فضلا عن سبعة أيام أخرى تتأكد فيها المرأة السفاردية من عدم وجود أثر للطمث تماما. وفي هذه الأيام السبع تحرم المعاشرة الجنسية، أي أن إجمالي فترة الحيض عند االسفارد تبلغ من عشرة إلى أحد عشر يوما، أما عند الإشكناز ففترة الحيض تبلغ خمسة أيام على الأقل حتى انقطاع الطمث ثم سبعة أيام أخرى تتأكد فيها المرأة الإشكنازية من عدم وجود أية أثار للطمث تماما، وفيها تحرم أيضا المعاشرة الجنسية، أي أن فترة الحيض عند المرأة الإشكنازية تبلغ أثنى عشر يوما على الأقل. ومن هنا يتهم الإشكناز السفارد بأنهم ناقصو طهارة.
ولا يقتصر الخلاف في موضوع الزواج حول فترة العدة فقط، وإنما هناك خلافا أيضا حول موضوع غطاء الرأس. وفي هذا فإن النساء السفارديات أكثر تشددا والتزاما حيث يعتمدن على فتوى الحاخام يوسف الذي حرّم فيها عليهن ارتداء الباروكات وطالبهن بوضع غطاء للرأس وفقا للقاعدة الأصولية الواردة بكتاب الشولحان عاروخ والتي تقول "إن شعر المرأة عورة". أما النساء الإشكنازيات فلا يضعن غطاء للرأس ويرتدين الباروكة.
ويلاحظ هنا أن التعصب في موضوع الزواج يشمل أيضا موضوع تسجيل الزيجات. فتسجيل الزواج عند السفارد لابد وأن يتم على أيدي حاخام سفاردي. وكذلك عند الإشكناز لا يتم إلا عند حاخام إشكنازي.
ثم تتعرض الصحيفة إلى المشكلة العضال في هذا الموضوع وهو تعدد الزوجات. فتكشف الصحيفة: أن هناك حاخاما إشكنازيا يدعي جرشوم ولد وعاش في ألمانيا في القرن العاشر الميلادي حرّم تعدد الزوجات. وقد قبلت الجاليات الإشكنازية في أوربا هذا التحريم، أما الجاليات السفاردية عموما (والجالية اليمنية خصوصا) فقد رفضتها. واعتاد حاخامات السفارد بالدول الإسلامية في ذلك الوقت على الزواج من عدة نساء وظلوا على هذا النحو حتى القرن الماضي.
ومع قيام الحاخامية الكبرى في عام 1921 في فلسطين في عصر الانتداب تمسك حاخامات الإشكناز بتعليمات جرشوم الخاصة بتحريم تعدد الزوجات، ونصت الشريعة الإشكنازية على عدم منح الترخيص بالزواج من ثانية إلا بموافقة وتوقيع 100 حاخاما من ثلاثة دول. وبعد قيام الدولة العبرية ازدادت معارضة الحاخامات االسفارد خاصة بعد هجرة مئات الآلاف من يهود السفارد من الدول العربية إلى فلسطين. وقد اضطر الحاخام الأكبر الإشكنازي إسحاق هرتزوج (الذي كان قد عُيّن في هذا المنصب عام 1939 تحت الضغط) إلى الموافقة على اقتصار الترخيص بالزواج من ثانية على توقيع الحاخامين الأكبرين فقط، بدلا من 100 حاخاما. وبطبيعة الحال وافق نظيره السفاردي على هذا القرار. ورغم ذلك ظلت معارضة الحاخامات الإشكناز لهذا الإجراء الجديد وللتوقيع على تراخيص الزواج، الأمر الذي عمق من شقة الخلاف بين االسفارد والإشكناريم.
4- الاختلاف بخصوص الذبح الشرعي وتركيبة النبيذ:
لا يأكل اليهود الأصوليون من السفارد والأشكناز من اللحم الذي ذبح على يد حاخام من الطائفة الأخرى، إذ يرى أعضاء كل فريق أن الفريق الآخر عنده مشكلة في طريقة الذبح إلى جانب مشاكل أخرى.
وقد أشارت الصحيفة إلى إسهام المصالح الاقتصادية في الإبقاء على الانقسام الطائفي بل وفي تعميقه، حيث أصبحت توجد الآن سلخانة في كل طائفة حسيدية (أصولية) إشكنازية كتلك الخاصة، "بطائفة اللتوانيين"، التي يرأسها الحاخام إليعازر شاخ.
ولم تقتصر الخلافات بين الإشكناز والسفارد في مجال الطعام على اللحوم فقط وإنما حول النبيذ أيضا. فعلى الرغم من أن التوراة تحرم الخمور إلا أن كل اليهود الأصوليين، السفارد والإشكناز، يبيحون شرابه لكنهم يختلفون حول تركيبته. وقد صرّح أحد الحاخامات أن النبيذ الذي يحمل ترخيصاً شرعياً وأُنتج بمعمل خمور أشكنازي شرعي، هو مجرد ماء بالنسبة له.
وترد صحيفة هاآرتس هذه الخلافات بين السفارد والأشكناز إلى خلفيتهما التاريخية، الذي يعني في واقع الأمر أن لكل فريق منهم هوية دينية مختلفة عن هوية الآخر، وأنه يرى ضرورة الحفاظ عليها. كما تذهب الصحيفة إلى تفسير الصراع السفاردي الأشكنازي على أساس أن السفارد يرفضون ما يصفونه بهيمنة الشريعة الإشكنازية على إسرائيل، من أجل التحرر من ربقتها واستعادة ما يصفونه بـ "مجدهم التليد". فالخلاف بين الطائفتين –في تصور الجريدة- ليس مسألة خلاف حول العادات والتقاليد والطباع فقط، وإنما هو خلاف حول الشرائع والأحكام.
فالإشكناز يطعنون في كتاب الشولحان عاروخ الذي يعتبر مرجعية السفارد الأوحد. وكذلك يطعنون في شرائع مقررة وفتاوى شرعية وردت بفصول المشنا الست: البذور والعيد والنساء والأضرار والمقدسات والطهارة، وهي التي قامت عليها كل فصول التلمود. بل أنهم أضافوا إلى أحكام كتاب الشولحان عاروخ أغلالا وقيودا غير واردة به، فضلا عن تعديلات وأحكام مشددة. وإن كان الإشكناز يعترفون بمرجعية هذا الكتاب إلا أنهم يتصرفون ويتبعون عمليا تفسيرات وشروح حاخامهم موشي إيسيرليز، وهم ينتمون بجذورهم إلى هذا الحاخام وشروحه وتفسيراته في حين ينتمي السفارد بجذورهم إلى الحاخام يوسف كارو وإلى موسى بن ميمون وإلي الحاخام إسحاق الفاسي، بل وإلى حاخامات العصر البابلي وحكماء التلمود. والسفارد يعتبرون الشريعة الإشكنازية مجرد فرع تفرع عن جذعهم.
وحيثما يجري الحديث، والكلام لازال للصحيفة، في دوائر الحاخاميين الإشكناز والسفارد حاليا عن "دولة الشريعة" وعن "استعادة المجد الضائع" فإن كل واحد من هؤلاء الحاخامات يعني شيئا آخرا مختلفا عما يعني الآخر. فالإشكناز يعنون استمرار فرض هيمنة شريعتهم، والسفارد لا يعنون بذلك إعادة اليهود إلى دينهم ودعوتهم للتمسك بالشريعة كما يبدو للعلمانيين، وإنما يعنون إعادة هيمنة الشريعة السفاردية وسيطرتها كما كان الحال في عصور ما قبل قيام الدولة. فهم يعتبرون أن الإشكناز سلبوهم الريادة ومركز الصدارة الذي يستحقونه. إنهم لا يريدون المساواة مع الأشكناز وإنما يريدون السلطة بكاملها.
والله أعلم.
نقلا عن موقع د. عبد الوهاب المسيري
اقرأ أيضاً:
الخطة دَاِليت / تآكل المقدرة القتالية لـ’’العجل الذهبي‘‘ / الجيش الإسرائيلي و’’الأعراض الفيتنامية‘‘ / تكلفة حرب العراق: رؤية أميركية / الجيش الإسرائيلي و’’الأعراض الفيتنامية / الرؤية الصهيونية للتاريخ