أخذنا الحديث عن وحدة الشعب الفلسطيني بعيداً، وتاهت بنا آلامه وآماله إلى أن برزت عكا ماثلة أمامنا تنطق بالمأساة المرة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في كل مكان، ونبهتنا إلى أن وحدة الشـعب الفلسـطيني أكبر من "حماس" و"فتح"، وأعظم من الضفـة الغربيـة وقطاع غزة! أسهب فلسطينيو الضفة والقطاع في الحديث عن جمع شقّي الوطن مُتناسين أن للوطن شقوقاً أخرى تأبى أن تبقى خارج الوطن.
عكا وأهل عكا تحت عدوان صهيوني لعين منذ عام 1948، وهم يُعانون الاغتراب والاضطهاد والاسـتغلال والإذلال وهم على أرض وطنهم، يُنازعهم الصهاينـة الأرض وأمجاد عكا وبيوتها وقناطرها وتاريخها المشـرّف العظيم. عكا تحت الاحتلال كما هي نابلـس وغزة والخليل وجنين، وهي لا تسـلم لا في الليل ولا في النهار من إجراءات الصهاينـة القمعيـة والتعسـفيـة، ولا من سـياسـات المحاصرة والإنهاك والإلغاء والتضييق. وعكا صامدة كما هو صمود كل المدن والقُرى والضيعات والمخيمات الفلسـطينيـة. إنها وأهلها جزءٌ لا يتجزأ من فلسـطين، وهي الأصل، وهي التاج المرجاني على رؤوس أهل فلسـطين.
بالأمس اعتدى الصهاينة على أهل عكا على اعتبار أنهم "الغرباء الذين لا حق لهم بالتواجد على أرض فلسطين". الصهاينة يُريدون فلسطين خالصة لهم، ولا ينفكون يُلاحقون الفلسطينيين حيثما وجدوا حتى لا يكون لهم ذكر وينساهم التاريخ، ولا تعود أمة تُخلدهم في ذكريات ماضيها. قاموا بالاعتداء على جمهور الناس لا لسبب إلا لأنهم فلسطينيون، لأنهم أصحاب الأرض، وأهل البيت. ولم يستكن أهل عكا، ولم يجبنوا، بل هبوا هبة شجاعة فيها عنفوان وبأس دفاعاً عن أنفسهم وعن وجودهم.
أهل عكا ليسـوا "عرب إسـرائيل"، وخسـئ كل من أطلق ضدهم هذا الاسـم. أهل عكا هم العرب الفلسـطينيون الذين جبلوا الأرض بدمائهم وعرقهم، والذين صمدوا عبر التاريخ أمام الغزاة الطامعين، وردوهم مُندحرين. أهل عكا ومعهم كل العرب الفلسطينيين في فلسطين المحتلة/48 هم حُراس الوطن، وهم الأمناء على عروبته وقدسيته ومقدساته. ستون عاماً من الاحتلال المُذل لم تنلْ من عزيمة أهل عكا، ولا من إصرارهم على عروبتهم وعروبة مدينتهم، وهم يؤكدون أصالتهم التي هي عنوان بقائهم.
الشـعب الفلسـطيني بحاجـة إلى الوحدة؛ وحدة كل قطاعات وفئات وأفراد الشـعب حيثما تواجدوا. شـعبُ فلسـطين شـعبٌ واحدٌ بكل عناصره الموجودة على أرض فلسـطين وخارج أرض فلسـطين. من الواجب على كل فلسـطيني أن يخرج من بوتقـة الضفـة والقطاع، وأن يدخل بوعيـه إلى المجتمع الأوسـع والوطن الأوسـع. أهل الضفـة والقطاع يُشـكلون حوالي ثلث الشـعب الفلسـطيني، والضفـة والقطاع تُشـكلان أقل من ربع مسـاحـة فلسـطين الإنتدابيـة، وعليهم ألا يتقوقعوا ضمن ذاتيتهم لأن في ذلك مقتل كل الشـعب الفلسـطيني. قوة شـعب فلسـطين بوحدتـه وبتماسـكـه...
صحيح أن وحدة الشعب ضمن التواصل الجغرافي غير ممكنة الآن، لكن الوحدة تتم ثقافياً وفكرياً، وعلى مستوى الهدف ووسائل وأساليب تحقيق الهدف. يجب أن يكون هناك من المواثيق والبرامج والإجراءات التي تجمع الشعب ليكون أبناؤه جميعا على قلبِ رجلٍ واحدٍ نحو استعادة الحقوق الوطنية الثابتة وعلى رأسها حق العودة وحق تقرير المصير.
يجب ألا تمر أحداث عكا وكأن الأمر لا يعني قطاعات الشعب الفلسطيني في كل مكان. أحداث عكا عبارة عن ناقوس يدق بقوة عسانا نصحو من هذا السُبات الذي نحن فيه، أو من هذه الصراعات الداخلية الممجوجة التي أساءت لكل الفلسطينيين في كل مكان.
اقرأ أيضاً:
انتصارات إسرائيل قد ولّت/ الانقلاب الثقافي الفلسطيني