في هذا المقال نريد التحدث عن الحرب النفسية، مفهومها وأهميتها وتقنياتها وأهدافها، ومن بين الأساليب المتبعة في مجال الحرب النفسية هي عميلة غسيل الدماغ لأسرى الحروب والسجناء من أجل تغيير معتقداتهم وأفكارهم حتى إذا ما عاد الأسرى إلى بيوتهم فإنهم يعملون على نشر الروح الانهزامية التي وصلت إليها حالتهم من جراء ما تعرضوا له أثناء الأسر أو الحجز من تعذيب، أو على الأقل التأثر من خلال الدخول في حسابات بشكل من الأشكال، وتتضح ملامح هذه الحرب بوضوح هذه الأيام في المعتقلات والسجون بأشكال منها الإهمال الصحي وانتشار الأمراض وقلة الطعام وسوء نوعيته وقلة كميته وكذلك في التنقلات الفجائية والتي تهدف إلى زعزعة الأمن النفسي عند السجناء والمعتقلين، وغيرها من أساليب قتل الروح المعنوية،
من هنا فمفهوم غسيل الدماغ هو عملية منظمة يستخدمها العدو لخلق النقيض النفسي والعقلي وتفعليه عند السجناء والمعتقلين وذلك بهدف تحويل اهتماماتهم الوطنية والدينية إلى دنيوية، خصوصا عندما يقارن المعتقل نفسه بالآخرين فيصاب بالغصة إذا لم يكن الندم (في مرحلة متقدمة).
وبدا استخدام هذا المفهوم منذ عام 1951 والذي اخذ من عملية تنظيف الدماغ والتي استخدمها الصينيون لتخليص الأفراد من معتقداتهم القديمة ليتمكنوا من التعايش بسلام في ظل النظام الشيوعي، ثم أصبح اصطلاح فيما بعد يستخدم ليدل على المحاولات المختلفة التي تبذل لتغيير آراء السجناء وتطلعاتهم سواء كان من أسرى الحرب أو المدنيين، ويجب أن نميز بين أسلوب غسيل الدماغ وباقي أساليب الحرب النفسية مثل الدعاية والإشاعات ومحاولات الإقناع... مما يؤدي إلى تعديل أو تغيير أفكار الفرد أو معتقداته أو سلوكياته... حيث أن أسلوب غسيل المخ هو أسلوب فردي توجه فيه الجهود إلى فرد واحد محدد، بينما الأساليب الأخرى في الحرب النفسية غالبا ما توجه إلى الجماعة، ويعتبر غسيل المخ من العمليات القسرية أو الإجبارية لإكراه الأفراد من أجل تعديل أفكارهم أو معتقداتهم والتحول عنها. وتهدف عميلة غسيل المخ إلى تحويل الفرد الأسير عن أفكاره واتجاهاته الوطنية وقيمه وأنماط سلوكياته أو كبت معتقداته أو الاتجاهات التي كان يتبناها مع الإيمان أو الاعتقاد بالنقيض وغير ذلك وعميلة غسيل المخ تنفذ على مراحل:
1- مرحلة التذويب والتي تهدف إلى وضع الفرد في وضع يشك معه في القيم التي يحملها من السابق لدرجة يميل إلى تغييرها أو حتى إلى اعتناق قيم بديلة لها وقد أظهرها العدو سابقا عندما كان يربط بين إطلاق سراح بعض السجناء والتوقيع على وثيقة نبذ ما يسمى الإرهاب من وجهة نظرهم، حيث تفاوتت أيضا ردود السجناء تجاهها ورفضها البعض من سنين ولا زالوا في الأسر .
2- مرحلة التغيير إعادة تعليم الفرد الأسير المعتقدات والأفكار التي يراد أن يكون عليها وتعتمد هذه العملية على بعض الأسس النفسية الهامة وهي:
- العمل على إنهاك الفرد الأسير فكريا ونفسيا، وجسديا لدرجة التعب والإعياء وضعف القدرات الفكرية، والقدرة على الانتباه والتركيز، ويصبح الفرد في هذه المرحلة في حالة تشتت وضياع وتتضح هذه الملامح من خلال المداهمات الليلية أثناء النوم أو السجن الانفرادي،... الخ.
- عدم القدرة على التكيف أو إعادة التوازن العقلي والنفسي بسبب المعاناة وعميلة العزل الطويلة شاهد على ذلك، والتعذيب أحيانا مما يجعل الفرد يائسا، مستسلما يسهل تطويعه والسيطرة عليه...
- الإيحاء النفسي والتأثير بالجوانب النفسية والعقلية والسلوكية لدى الفرد وتشكيل سلوكه بالشكل المطلوب، وفي عميلة غسيل الدماغ تتحرك الإيحاءات في اتجاه واحد مركز حيث يتعرض الفرد أو الأسير لضغط جسدي ونفسي كبيرين، مع الإيحاء للأسير على تكوين اعترافاته وخاصة بعد أن يضعف لديه القدرة على التمييز العقلي بين أفعاله وأفكاره، وبين ما يوحى إليه عن طريق مستجوبيه.
- تنمية الإحساس بالذنب لدى الأسير (أو السجين) بحيث يطلب من الأسير مراجعة تاريخ حياته السابقة وتبرير أفعاله السياسية والشخصية والأخطاء التي قام بها مما يثير لديه الإحساس بالذنب والخطأ وبالتالي كراهية الذات، والإحساس بالدونية والضعف، وعدم الثقة بالنفس... مما يجعله يتقبل آراء الآخرين وأفكارهم ويخدم مصالحهم.
- تدمير الذات: إن عملية الإذلال، والتحقير، والتعذيب... تؤدي بالفرد إلى احتقار ذاته، والتقليل من نظرته لذاته وهذه لعملية تكون مؤثرة كلما كان الفرد ذو أهمية وسلطة ونفوذ... وهو يقارن بين ضعفه وعجزه وبين قوة أو سيطرة مستجوبيه، وهذه كلها تضعف من قدرة الفرد العقلية والنفسية على مقاومة عملية غسيل الدماغ...
ومن الأساليب الحديثة المستخدمة المناورات بإطلاق سراح مجموعات من السجناء والمعتقلين مما يجعل الإخوان في حالة ترقب دائم واهتمام كبير بالموضوع والذي يثبت بطلانه ويؤدي إلى حالة من الاستنزاف النفسي الكبير.
أضف إلى ذلك استثمار المحتل للحالة الفلسطينية الداخلية ومحاولة استثمارها من خلال الفصل بين التنظيمات والذي ينعكس أحيانا في حديث البسطاء بأنه لولا عملية الفصل بين التنظيمات لانتقلت المشاكل الخارجية الداخلية للمعتقلات وهذا محض افتراء وادعاء باطل....... لأن إخواننا هم من يقودون ويوجهون العلاقات الخارجية.. لا العكس؟
ومما يزيد الحرب النفسية تعقيدا صعوبة تحديد ما هو صائب وذلك لتشعب الولاءات بدلا من كونها باتجاه واحد مثلما كانت سابقاً، ويمكن تصديق الدعايات المغرضة إذا ارتبطت بحوادث يعرفها الجميع مثلما يجري في حياتنا هذه الأيام والتي يمكن استغلالها لتنفيذ الحرب النفسية وعملية غسيل الدماغ.
فكل التحايا لكم.. وكل الأمل بكم.. فصبرا آل فلسطين وموعدنا الحرية والاستقلال وجنات الخلد بإذن الله.
اقرأ أيضاً:
عفواً غزة أنا لست متضامنة معك!!/ العلاقة بإسرائيل تحتاج اغتسالا/ الأهداف الإسرائيلية من العدوان/ الصواريخ الفلسطينية... قوة الضعف وضعف القوة/ الدعم النفسي الهاتفي (تلي دعم)