لم يكن (رجب طيب أردوغان)، رئيس الوزراء التركي، يعلم وهو يتحدث لـ «الجزيرة» أمس أنه يوجه طعنة إلى قلوب كل العرب مع كل كلمة يُطلقها بحماسٍ شديد.. ولكنه كان يُدرك ـ قطعاً ـ أنه يُلقن درساً قاسياً وموجعاً لكل الحكام العرب، ملوكاً ورؤساء.. الطعنة نفذت في قلوبنا، لأننا أيقنا أن حُكامنا لم يفعلوا ولم يقولوا «واحد في المليون» مما قاله (أردوغان)، رغم أنهم أصحاب القضية، وأصحاب العار والخزي لما يحدث في غزة الشهيدة.
الرجل كان واضحاً وحاسماً وهو يشن هجوماً عنيفاً ومؤثراً ضد الكيان الصهيوني.. قال بالحرف ما لم يجرؤ أحد من "زعماء الأمة العربية" على النطق به: "(إسـرائيل) هي المسـؤولـة عن وصول الوضع إلى ما هو عليـه الآن، لأنها الطرف الذي لم يلتزم بالتهدئـة، لم تفك الحصار عن شـعب أعزل، ورفضت عرضاً تركياً للوسـاطـة مع "حماس" في الأيام الأخيرة قبل المجزرة التي ترتكبها حالياً في غزة".
وأفاض (أردوغان) في هجومه: "(إسرائيل) لم تحترم كلمتها معنا"..
ثم وجه حديثه إلى الحُكام العرب ليكتمل الدرس القاسي: "أرفض الاتهامات الرسـميـة العربيـة التي تُحمّل حركـة المقاومـة الإسـلاميـة "حماس" مسـؤوليـة التصعيد الراهن في قطاع غزة.. فاتهام "حماس" غير مقبول ولا يجوز.. لأن "حماس" إلتزمت بالتهدئـة من أجل رفع الحصار ووقف الاعتداءات، ولكن (إسـرائيل) اسـتمرت في فرض الحصار.. فكيف نُطالب "حماس" بالصمت تجاه هذا الحصار، رغم أن (إسـرائيل) هي التي اسـتفزتها بسـياسـة التجويع، ودفعتها لإعلان إنهاء التهدئـة، خاصـة وأن حكومـة "حماس" كانت تحت ضغوط كبيرة، لأنها مطالبـة بتلبيـة مطالب الشـعب الفلسـطيني الذي انتخبها!!؟؟"
هل فهم أحد من حُكامنا هذا الدرس؟!.. دعونا نفهم.. وربما يفهمون معنا..
(أردوغان) رئيس حكومة دولة تربطها علاقات تاريخية وتقليدية مع الكيان الصهيوني.. وهي عضو في حلف (الناتو).. وتُجري مناورات عسكرية مشتركة مع جيش العدوان الصهيوني.. ورغم هذه المصالح، لم يتردد (أردوغان) في توجيه هذه الضربات المؤثرة في وجه "تل أبيب"..
قالها لأنـه يُدرك أن أي شـعب يعيـش على أرض محتلـة ومغتصبـة من حقـه، بل من واجبـه، أن يُقاوم بالسـلاح.. حتى ولو كان هناك من يتفاوض، فلا بد من وجود المقاومـة إلى أن تتحرر الأرض.. فكيف نُحارب المقاومـة ونتهمها بالتسـبب بالـ «المجزرة»، وهي تُضحى بالشـهداء كل يوم لتحرير الوطن، وفك حصار التجويع عن الشـيوخ والنسـاء والأطفال؟!.. هل في ذلك نخوة ودين ووطنيـة وعروبـة؟!
لم يكن الدرس مقصوراً على ذلك.. فإذا كان العرب بلا مصالح مع الكيان الصهيوني.. فلماذا هذا الصمت الذي كسره رئيس وزراء دولة لها مصالح كثيرة مع "تل أبيب"..!؟ وهل يعني ذلك أن للحكام العرب مصالح "شخصية" أخرى بعيداً عن شعوبهم..!؟ هل هي «الكراسي» والأنظمة والعروش التي تحملها أمريكا بأصبع واحد.. أم أنها التوازنات والمكاسب التي تُدار في الغرف الفخيمة المغلقة!؟
غير أن السؤال الذي يُكمل هذا الدرس «التركي ـ الأردوغاني» هو: على أي شيء يستند (أردوغان) في هذا الهجوم الضاري، الذي قد يُعرض مصالح بلاده مع أوروبا وأمريكا والكيان الصهيوني للضرر البالغ..!؟
الإجابة كلمة واحدة: "الديمقراطية"..
فالرجل وصل إلى مقعده بأصوات شعبه الحقيقية.. فثمة تفويض حر وديموقراطي له بهذه المسؤولية، وبالتالي فلزاماً عليه أن يعكس إرادة هذا الشعب في سياسات الحكومة.. الشعب غاضب، ويُناصر المقاومة، ويُعادي المذابح، والحكومة تُمثل الشعب، ويستحيل عليها أن تتجاهل أصوات الشارع.
هل عرفتم مغزى الدرس «التركي ـ الأردوغاني»؟!..
معظم حُكامنا لم يصلوا إلى الكراسى على جسر «الديموقراطية».. فكيف لهم أن يستمعوا لأصوات وصرخات «شعوبهم» إذا كان الصوت الانتخابي العربي بلا ثمن ولا قيمة..!!؟؟
(أردوغان) قالها في تصريحاته، ولن يفهمها أحد من حكامنا: "حماس" مطالبة بتلبية مطالب الشعب الذي انتخبها.."
إذن فهي تُمثل إرادة الشعب الفلسطيني.. الفلسطينيون اختاروا المقاومة.. والحُكام العرب يُحاربون «المقاومة».. ولن يتغير شيء، لأن درس (أردوغان) لن يفهمه من يجلسون على «الكراسي» دون شرعية من صناديق الانتخابات.. إنها «الديموقراطية».. فهي المبتدأ والمنتهى في كل «مصائبنا».. سواء في الداخل أو الخارج!
اقرأ أيضاً:
الأهداف الإسرائيلية من العدوان/ الصواريخ الفلسطينية... قوة الضعف وضعف القوة/ الدعم النفسي الهاتفي (تلي دعم)/ الحرب النفسية وغسيل الدماغ/ نشوف ولا ما نشوفش...