تحية طيبة إلى الدكتور المناضل في جبهة الطب النفسي، ونحيي فيك كذلك انتباهك للجانب الإعلامي الذي له خطره وتبعاته في تغطية الحرب على غزة؛
بالفعل د.وائل نتتبع من بيوتنا وسائل الإعلام على اختلافها وتنوعها، من الوطنية والعالمية وشبه المستقلة والتي تتبع للعائلات الحاكمة.. إلا أننا نحس أن منها من انسحب نهائياً من المعركة -معركة الإعلام-؛ المستقلة المحترفة منها يعاب عليها التهويل وادعاء الاحتراف الزائد بعرض مقابلات العدو وتقديم تبريراته أحياناً، وأخرى أجنبية لم تكن محايدة بل مخادعة.. وكل ذلك له تبعاته وآثاره على النفسية العربية والأطفال خصوصاً.
للتذكير فقط، العدو يضع خطة إعلامية لتغطية الحرب يظهر أحياناً أنها منافية لحرية الإعلام والديمقراطية التي يتبجحون بها، والولايات المتحدة نفسها غداة أحداث 11 أيلول 2001 اجتمع الرئيس شخصياً بجميع وسائل الإعلام وأطلعهم على الأمر الخطير وواجب وطنيتهم.. وقد رأينا ما رأينا كيف تعاملت هذه الوسائل واتحدت في محنتها كما أحياناً في الحرب الظالمة على العراق...
الإعلام المنسحب:
واصلت قنوات المتعة والترفيه عرض برامجها الغنائية الراقصة والترفيهية مستخدمة كعادتها الفتيات المثيرات، وكأن من يموت ليس من العرب أو البشر، أو هو مجرد زلزال في الصين البعيدة!
هذا من شانه أن يصيب بالإحباط والانهزامية واللامسؤولية..
قنوات ال MBC بكل باقتها دأبت على عرض الأفلام وبرامج الرقص والترفيه، وحتى البرامج الأمريكية المنسوخة التي تمجد إسرائيل أحياناً وتصف المقاومة بالإرهاب..
بعض الاستثناءات؛ قناة SPACETOON كانت تقدم أغانٍ ملحمية حول فلسطين من حين لآخر.. قناة جرس أحياناً، قناة شام، قناة السفر العربيةTRAVELCHANNELعلقت برامجها إثر الحرب على غزة.
قناة فلسطين/ رام الله وإن كانت تعرض البث المباشر للعدوان على غزة إلا أن تصريحات المسؤولين هناك -المشنعة للمقاومَة وحماس- أثناء حرب شرسة عدوانية على إخوانهم في غزة أبعد ما تكون عن الحكمة والوطنية والإخلاص.
الإعلام الحر
قد يتبادر إلى الذهن الجزيرة، والعربية بدرجة أقل، لكن هناك ملاحظات نتركها للنهاية:
شاهدنا كل الصور، صور ذبح إخواننا مباشرة من الصباح إلى المساء، التظاهرات، تدخلات المقاومة، عرض صور الفيديو للمقاومة، الضيوف المنددون بالوحشية الإسرائيلية.. إلخ، باختصار ظهر الأمر كان قناتنا هي أيضاً في الميدان مئة في المئة، لكن هناك فلاشات ومصطلحات ذات أثار سلبية- على ما أعتقد- على المشاهد العربي.
الرغبة في الاحترافية ذهبت بالقناة إلى إعطاء العدو المتغطرس فرصة ليطل على المشاهدين وهو يتوعد ويبرر وكأنه لم يكفِه ما فعل في أهلنا من تقتيل ودمار؛ الناطقة الرسمية للجيش تتوعد المقاومة، المسؤولون الصهاينة يدخلون شاشاتنا متبجحين مبررين يتبرؤون من دماء غزة، وهذا في رأيي خطير جداً على نفسية المشاهد، ويصبّ في زعزعة ثقته بمبادئه وحقوقه الشرعية.
أمر آخر أرجو أن تدرسه شعبة طب نفس الكوارث، وهو هذا العرض القاسي للصور وتأثيره على أطفالنا وعلى نفسية المواطن.. أنا شخصياً لم أحبذ عرض صورة جثة الشهيد سعيد صيام في ثلاجة الأموات، هل رأينا صور جثث الأعداء وهي متفحمة محروقة، هل رأينا صور جثت أحداث 11 أيلول! على أن هذا أمر للنظر اعتباراً للرغبة في فضح العدو المجرم، ولكن ما زال بالإمكان الاتصال بالهيئات الإعلامية العربية للتنسيق حول أمر بث الصور.
أخيراً، في هذا الجانب لا ننسى التطاحن الإعلامي بين قناتي العائلات الحاكمة في قطر/الجزيرة، والعربية التابعة للسعودية، كانت معركة أخرى بين جهتين، حتى في القمم حدث هذا التطاحن، الدوحة ومن أيّدها ومن غاب عنها كمصر والسعودية وفلسطين/رام الله، حيث تدخل حتى صائب عريقات وصبّ جامّ غضبه على العرب المشاركين وقطر.. إلخ.
إشارة إلى المصطلحات المستخدمة فقد سقطت العديد من القنوات في الفخ؛ هل سمعتم عن الدفاع عن النفس يتكرر كثيراً، جيش "الدفاع" الإسرائيلي! تكرار تبريرات العدو في ضرب المدنيين "الرد على نيران أطلقت من المدرسة.." ناهيك عن تقارير المراسلين-جنوب إسرائيل شمال إسرائيل—إسرائيل-داخل إسرائيل.. التي تطبعنا معها وإن كان البديل موجود طبعاً... الرجوع إلى قناة المنار.
لا يمكن أن ننتصر هكذا أو حتى نصمد..
المنار، كانت قناة مقاومة بكل المقاييس؛ ولا عجب فهي لها تجربة عريقة بالحرب ومع العدو. حتى مع تعدد الآراء المشاركة وعرض أفكار العدو عبر جرائده يبقى الإحساس لديك أنها قناة في الصراع ضد العدو المجرم معطية الانطباع بالثقة والأمل. أعتقد أن القناة تتمتع باحترافية عالية يجب الاستفادة منها.
القناة السورية كانت قناة قومية بامتياز على خط الدفاع الأول، تعكس طبعاً رؤية زعيم الدولة.
استحسان كذلك لمواكبة قناة بغداد العراقية للحرب على غزة.
القنوات الأجنبية:
تهمنا هذه القنوات أملاً في إحداث تغيير في النظرة لدى الغربيين حول قضية العرب الأولى وفظاعات الجيش الصهيوني، إلا أنه للأسف ما زال يجب علينا عمل الكثير في المجال الإعلامي لمضاهاة عمل اللوبيات الصهيونية التي تنجح رغم جرائمها البشعة في إعطاء التبرير وإيجاد الأعذار لدى المشاهد الغربي.
قنواتTV5 CNN .BBC كانت مثار اهتمامي ومتابعاتي؛ الأولى TV5 كانت تمر مرور الكرام على مئات الأموات الفلسطينيين وكأنهم مجموعة جراد أبيدت، بل ويتصدر الأخبار الرئيسية حادث صقيع يصيب المتشردين، أو عطب طائرة في نهر هودسون لم يصب فيه أي أحد، أما عن التغطية العابرة فتقدم الحرب على أنها دفاعية لردع صواريخ حماس.
الCNN الأمريكية وإن كان لها نفس الخط، إلا أنني فوجئت بعرض لصور الدمار والجرحى، لا بأس مقارنة بالمجهود الإعلامي الذي لا نبذله لعرض وجهة نظرنا.
الBBC معروف خط تحريرها المفترض أنه حياديّ، لكن الضغوط ربما نجحت بعد عرضها منذ سنوات لجرائم صبرا وشاتيلا المُدينة للمجرم شارون، فهي تحتاط وإن كانت تعرض وجهات النظر المختلفة حيث أعطت وقتاً جيداً لأسامة حمدان الذي أمعن في فضح الكيان الصهيوني وقدم حالة غزة أحسن تقديم، وللإشارة أسامة حمدان مكسب إعلامي كبير للحركة لقد رأيناه على كل القنوات.
خلاصة نرجو من الدكتور وائل أبو هندي العمل على إخراج لجنة إعلامية تقدم الاستشارة للهيئات الإعلامية العربية ومجالسها قصد تقنين عرض الصور واستخدام المصطلحات اعتباراً للأثر النفسي طويل المدى على الأطفال والكبار، ومراعاة لمسألة الهزيمة النفسية التي قد تضر بالقضية أشد الضرر.
اقرأ أيضاً:
إعادة إعمار غزة.. سيناريوهات متوقعة!/ طريق يشوع: من غزة إلى بيروت/ أكلت يوم أكل الثور الأبيض/ التعامل مع المتضررين من الراشدين والمراهقين2/ الدعم النفسي للأطفال ضحايا الحروب