كبير المفاوضين، الدكتور صائب عريقات ألّف كتاباً من خلال تجربته، وخبرته، عنوانه "الحياة مفاوضات"، نشرته جامعة النجاح الوطنيّة ـ نابلس، وصدر عن قسم العلوم السياسيّة، كليّة الاقتصاد والعلوم الإداريّة، عام 2008...
قيل في الأمثال: المكتوب يُقرأ من عنوانه، وهذا يصدق على كتاب الدكتور صائب، خاصة أن دور الرجل، وفكره، وخطابه السياسي.. معلنة في الصحافة، واللقاءات مع مراسلي الفضائيّات، ومع ذلك فقد دفعني الفضول للاطلاع على الكتاب، ولذا سعيت للحصول على نسخة، فتبيّن لي أنه لم يصل إلى المكتبات في عمّان، فلجأت لاستعارته من صديق.
وهنا أنوّه بأنني ممن يُعيدون الكتب التي يستعيرونها، وقلّما أستعير، لأنني عندما يُعجبني كتاب أسعى لاقتنائه، وفي السنوات الأخيرة قلّ اهتمامي باقتناء الكتب، إذ عندي فائض منها، وأنا أحتاج لسنوات لأفرغ من قراءة الكتب التي حملتها معي من تونس، وسوريّة، ولبنان، و.. وبلاد عربيّة كثيرة.
سمعنا في طفولتنا المبكرة، ونحن نعيش تحت الخيام، من أفواه آبائنا الطيبين الفقراء المفجوعين العنيدين أن الحياة جهاد، ومن مفكرين محترمين سمعنا مقولات عن عظمة الحياة، منها قول مؤسس الحزب القومي السوري القائد الكبير أنطون سعادة: الحياة وقفة عز...
ولأحمد شوقي أمير شعراء عصره قرأنا:
قف دون رأيك في الحياة مجاهداً إنّ الحياة عقيدة وجهاد
ومن قائد فلسطيني استُشهد في جزيرة مالطة غيلةً وغدراً برصاص عميل صهيوني هو الدكتور فتحي الشقاقي أن الحياة جهاد...
ومن رئيس الجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة سمعنا: خذ وطالب...
ومن المعلّم جمال عبد الناصر سمعنا مراراً وتكراراً وبعد هزيمة حزيران / يونيو التي وصفت بـ "النكسة" وهي هزيمة مرّة، أن ما أُخذ بالقوّة لا يُستردّ بغير القوّة...
الدكتور صائب عريقات يرى أن الحياة مفاوضات، وهو لا يُجيب عن السؤال الفلسطيني: وماذا إذا كان من تفاوضه لا يؤمن بالتفاوض، وهو يأخذ باستمرار بينما أنت تُفاوض ولا تأخذ!؟
فلا أنت مع شعر شوقي، ولا مع قولة سعادة، ولا مع حرب الاستنزاف التي خاضها جمال عبد الناصر بعد "النكسة"، ولا أنت مع فتحي الشقاقي الذي سمّى التنظيم الذي أسسه "الجهاد"... فماذا أنت؟ قل لي بربك... سوى أنك مبسوط على التفاوض، وينطبق عليك، وعلى جماعتك كاريكاتوري زميلنا حجّاج في عدد صحيفة "القدس" يوم 11 الجاري، حيث تظهرون أمام الفضائيات، وأنتم تتزنرون بالميكروفونات بدلاً من الأحزمة الناسفة!
أقترح بوحي من كاريكاتير زميلنا الموهوب الكبير أن تُغيّر عنوان كتابك إلى "الحياة ميكروفونات"!!
الحياة ليسـت مفاوضات، الحياة صراع، وقتال، وبقاء للأقوى، ليسـت للمسـتقوي بأمريكا، ولكن للأقوى بالحق وبما ملكت يداه...
كيف نخرج بنتيجـة مع من نُفاوضهم فيسـتولون على مزيد من الأرض، ويطردون مزيدا من الأُسـر من بيوتها، ويهدمون البيوت على رؤوس أصحابها!؟
لا، مع هؤلاء من غير المعقول أن تسـلك سـبيل المفاوضات، والمزيد من المفاوضات، بينما هم يطوون الأرض من تحتنا كما يُطوى البسـاط، لنجد أن المفاوضات أخرجتنا من الجغرافيا، وألقت بنا على هامـش التاريخ!
لسـت أعرف كيف يُمكن أن يُفاوض فلسـطيني، أي فلسـطيني، (تسـيبي ليفني) مثلاً وهي تُعلن بأن فلسـطينيي الـ48 مكانهم الدولـة الفلسـطينيّـة التي سـتُنشـأ وفقاً لحل الدولتين!
في كتاب الدكتور وصايا للمفاوضين، وتعليمات مستقاة من خبراته التفاوضيّة، منها:
1 ـ تجنّب تصعيد المشكلة
2 ـ ابحث عن المصالح المشتركة
وهنا أتوقّف لأسأل الدكتور صائب: كيف نتجنّب تصعيد المشكلة... والمشكلة أن من "تفاوضه" يُضاعف التصعيد يوميّاً، فيضرب في نابلس، ويحرق قلب الخليل، ويهدم بيوت أهلنا في القدس، و... تدعو قائدة حزب (كاديما) لطرد الفلسطينيين في عملية (ترانسفير) حلمت بتنفيذها القيادات الصهيونيّة المتعاقبة، منذ تأسيس دولتها على أشلاء شعبنا ووطننا!؟
ثمّ: ما هي المصالح المشـتركـة بيننا نحن الفلسـطينيين و.. الكيان الصهيوني، بينك وبين (بيريـس) و(شـارون) و(أولمرت) و(نتنياهو) و(باراك)!؟
الحمل لن يرعى مع الذئب يا دكتور يا كبير..! والسـيّد المسـيح لا مكان له عند هؤلاء، وانظر إلى مدينـة بيت لحم، مدينتـه.. ماذا يفعلون بها!؟
في البند:
13 ـ لا تُحاول خداع أو استغلال الطرف الآخر!
الطرف الآخر الذي توصي بعدم مخادعتـه يُخادع العالم كلّـه، يُضلّل البشـريّـة كلّها، يُسـخّر كل شـيء لتمرير مخططاتـه، وبلوغ أهدافـه.. ومع ذلك فالدكتور يوصي تلاميذه المفاوضين الفلسـطينيين، خريجي أكاديميّـة (أوسـلو) بأن يُفاوضوا بنقاء سـريرة، بثقـة، بنوايا صادقـة و.. من!؟
انظروا للعيديّة الموعودة، وهي الإفراج عن 250 أسيراً، وتعلّموا في أكاديميّة قادة الكيان الصهيوني..! نقّصوا العدد 20 أسيراً، ثمّ أخّروا موعد الإفراج وفوّتوا فرحة العيد على أُسر الأسرى.. ما رأيك بهذا الاستغلال (لطرفكم) من الطرف الآخر!؟
ينقص الدكتور أن يوصي بأن لا يقطع المفاوض الفلسطيني شجرةً، أو يكسر بخاطر المفاوض (الآخر)، وتمعنوا بما يكتب، فإن شئتم ابكوا، وإن شئتم اضحكوا، أو الطموا، أو اخرجوا عراة إلى الشوارع في نوبة جنون مبرّر!
18 ـ تجنب الضغط على الآخرين، أو الإملاء عليهم، حتى وإن امتلكت القدرة على فعل ذلك!
يا للنُبل، والكياسة، والعفو عند المقدرة..! وماذا إن كنتَ مضغوطاً عليكَ طيلة الوقت، أقصد في كل الجلسات، و.. على الحواجز ـ المحاسيم ـ و.. الممرّات الإجباريّة في بوّابات الجدار!؟
وفقاً لهذه الوصيّة الأنيقة المترفّعة: أنحن، فوّت الفرصة على الطرف الآخر، مدّ معه حبال الود.. بوسه من باب عينيه إذا هدم مقبرةً في القدس، أو استحوذ مستوطنوه على بيت في الخليل.. وتسبّبوا بمذبحة!
وتدليلاً على عمق الإنسانيّة في الوصايا ها أنا أسوق لكم الوصيّة رقم:
20 ـ احرص على أن تكون الاتصالات مستمرّة، مهما كانت حدّة الخلافات في المفاوضات!
يعني ببساطة: هم يستحوذون على الأرض، ويطردونكم من بيوتكم، ولا يُبقون لكم شيئاً، و.. فاوضوهم، وفاوضوهم، ولا تقنطوا مما يجري خارج قاعات التفاوض!!
بهذه العقليّة التفاوضيّة، في مواجهة الاستراتيجيّة الصهيونيّة الرامية إلى اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم ورميهم خارج فلسطين... الاستراتيجيّة التي تعمل علناً على طرد فلسطينيي الـ48، ومن بعد اقتلاع كل الفلسطينيين من كل فلسطين، والتي يُمثّل المستوطنون (بلدوزرها) الميداني... هذه الاستراتيجيّة لا يُمكن أن تُقابل بالتفاوض، ولكن باستراتيجيّة شاملة فلسطينيّة مدعومة عربيّاً شعبيّاً، صيحتها هي التي أطلقها شيخ المجاهدين "القسّام": هذا جهاد نصر أو اسـتشـهاد...
جهاد وليـس هدنـة... ولا مفاوضات، فالحياة مقاومـة يا دكتور، ومنذ اللحظـة التي يخرج فيها الإنسـان من رحم أمّـه، وأمنا فلسـطين تضيع بالتفاوض و.. الهدنـة.. أم نسـينا الهدنتين عام 48!!؟؟
العاقل من يتّعظ، و.. هل هناك عظات أكثر مما يحدث على أرض فلسطين يا كبير المفاوضين!؟
اقرأ أيضاً:
الفلسطينيون يبحثون عن مخرج عربي!/ عباس من الاغتراب الوطني إلى التلاشي