نعم غزة: رائحة وطعم مختلف
في حوالي العاشرة من صباح الاثنين 2 فبراير 2009 أول نهارٍ لنا في غزة كنا قد وصلنا إلى مستشفى الطب النفسي الرئيسي في غزة برفقة الدكتور عايش... وهناك التقينا د. حسن الخواجة مدير مركز الطوارئ والصدمات بقطاع غزة ود. عادل عودة إضافة إلى عددٍ من الأخصائيين النفسيين بينهم أكبرهم وبينهم الابنة سائدة وزميلتها خلود وكان معهم زميل لهم، وكذلك كان أ. إحسان العفيفي كبير الممرضين النفسيين بالمستشفى والمسئول عن مقابلة الوفود والجانب الإعلامي وتحدثنا طويلا عن خبراتهم والمصاعب التي تواجههم واتفقنا على خطة لمحاولة القيام بتغطية للاحتياجات النفسية وعلى إجراء تدريب لمن يمكن جمعهم من الأخصائيين النفسيين والتربويين في قطاع غزة إضافة إلى اتفاقنا على القيام بزيارة لقسم الإرشاد النفسي بوزارة التعليم وزيارة ما نستطيع من المدارس والحضانات والبيوت....
كنا قد أبلغنا ليلة وصولنا بأننا على موعد مع الدكتور باسم النعيم وزير الصحة الفلسطيني (في الحكومة المنتخبة)... وهو الرجل الذي سمعنا مديحه بعد ذلك عدة مرات ووصفت نزاهته من قبل عديدين كان من بينهم د.إياد السراج رئيس برنامج غزة للصحة النفسية وهو منظمة غير حكومية تعتبر مرجعا للوضع النفسي من قبل جهات أجنبية وعربية عديدة، وكان الموعد في الثانية والنصف ظهرا...... فرأينا القيام بجولة ميدانية في منطقة الزيتون وهي واحدة من المناطق خفيفة الكثافة السكانية التي توغل فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي..... رائحة الموت هي أول ما يستقبلك.. وغالبا ما تدخل ساكتا فلا تسأل أحدا... وبعد فترة تعرف أنها رائحة الدجاج الميت ففي مدخل منطقة الزيتون مزرعة دواجن دفنت بدواجنها تحت أقدامنا الآن...
نعم هذا ما فهمه كل واحد منا بعد قليل من تجولنا وسط هذا الكم الممتد من دمار المباني ومزارع البرتقال، تخيلوا حين تختلط رائحة الدواجن الميتة برائحة البرتقال ورائحة المتفجرات ورائحة التراب.... وأنت وسط كل هذا تسمع حكايات عن بشاعة الطريقة التي يتعامل بها جنود الاحتلال الإسرائيلي مع كل شيء!... رأيت المدرسة في خيمة ورأيت مسجدا مهدما ورأيت بيوتا كانت بيوتا وهي الآن ركام متهاوي ورأيت كثيرا مما تدمى له النفس، ولكننا لم نستطع إكمال المطلوب منا وكان علينا جمع أعضاء الفريق للذهاب لمقابلة وزير الصحة على وعد بأن نعود إلى الزيتون غدا لمقابلة بعض الحالات الذين سيجهزون لمقابلة كل منا.
دخلنا الاجتماع متأخرين... وقام الوزير وسلم علينا شعرت أنه أحد إخواني.... وكان أعضاء وفود التخصصات الأخرى يتحدثون... لاسيما زملاؤنا من الأطباء الشرعيين وأطباء السموم، وكان الحديث أريحيا بصدق.... ودون أن نعرف مسبقا فوجئنا بأكياس ساندويتشات الدجاج... ولا أدري لماذا كان طعمها رائعا -رغم أني في مصر لا آكل لحم الدجاج الأبيض-... وبعد قليل وزعوا علينا علب الحليب المخلوط بنكهة ما... وتكلمنا مع الوزير... وبينما نحن نشرب الحليب.. سمعنا دوي انفجارات قريبة وصراخ بنات عال ولم يتوقف الوزير عن الحديث فقط قال لمساعده افتحوا زجاج المكتب كي لا ينكسر..... وبكل هدوء واصل حديث قائلا هذا الانفجار بعيد... نواصل حديثنا وتكلمنا طويلا وكررنا التعارف أحيانا بناء على طلب الوزير أثناء حواراتنا وقلت له غزة لم تهزم نفسيا يا دكتور باسم هذا أهم وأوضح ما رأيناه حتى الآن ونحن خططنا لأربعة أفواج على الأقل من المتخصصين النفسانيين.
ودخلنا حمامه الخاص وتوضئنا وصلينا معه... وبعد الصلاة اكتشفت أن أستاذة نانسي وجدت مصدرا للإنترنت فكان أن جلست وناديت الوزير لأريه موقعنا مجانين فكان تعليقه دول في منتهى العقل يا دكتور... واضح أنه موقع جدير بالمطالعة! شكرا دكتور.... وأشار إلى أحمد عبد الله ونانسي ولي قائلا أنا مضطر للذهاب ولكن خذوا راحتكم وأوصى مساعديه بتسهيل كل ما يريد ممثلو اتحاد الأطباء النفسانيين العرب.
في غمرة انشغالنا بأن هناك إمكانية لدخول الإنترنت من مكتب الوزير سمعنا عن إعداد لجولة ما بعد ساعة أو فقط حتى يتم تجهيز حافلة لنا.... وبعد أن أنهينا بعض ما تمكننا من أدائه على الإنترنت أنا وابن عبد الله.... ونزلنا إلى الحافلة التي يفترض أنها ستأخذنا إلى جولتنا الليلية في غزة فاجأنا أن الموجودين في الحافلة أنا وابن عبد الله والأستاذة نانسي.... وطبيب مسئول من وزارة الصحة رافقنا حتى دار الشفاء محل مبيتنا وفي الطريق أعطى كلا منا شريحة محمول فلسطينية عرفنا أنها التي كانت مع أعضاء الوفد الأردني..... صلينا المغرب أنا وابن عبد الله في مصلى دار الشفاء وأيقظنا زميلنا د. أحمد ضبيع وبدأنا النقاش حول ما رأينا وأعربنا عن خوفنا بقدر ما أعربنا عن زهونا بصمود وقوة الناس... وطال النقاش وفكرنا كل واحد ماذا كان يتوقع وماذا وجد... ووصلنا مبكرا إلى أن غزة لم تهزم نفسيا.
ويتبع >>>>>: نعم غزة: من الحاجة إلى سماح!
اقرأ أيضاً:
غزة من الداخل والخارج/ التقرير العربي النفسي الأول عن غزة/ هل هكذا فقط يكون الرد؟/ غزة تدخل التاريخ من حيث يخرجون/ حماس الآن أولى بالدعم نعم حماس