(فتحية موسى في فناء منزلها حيث قتلت عائلتها © منظمة العفو الدولية)
تقرير منظمة العفو، الفصل الأول، الباب الأول 1.1.1
معظم الهجمات التي استهدفت السكان أطلقت من طائرات بدون طيار وطائرات هليكوبتر أو طائرات من طراز إف 16.
ففضلاً عن كونها تستخدم للمراقبة، فإن الطائرات بدون طيار غالباً ما تحمل صواريخ عالية الدقة، والتي أصبحت -هذه الصواريخ- في السنوات الأخيرة السلاح المفضل المستخدم من قبل القوات الإسرائيلية لاغتيال المسلحين الفلسطينيين المطلوبين. مثل تلك الهجمات أظهرت مراراً وتكراراً أن هذه الصواريخ يمكنها إصابة أهدافها بدقة شديدة، بما في ذلك، على سبيل المثال، شخصٍ يسير بسرعة على دراجة نارية أو في السيارة.
طائرات الاستطلاع مجهزة بصورة استثنائية بأجهزة بصرية جيدة جداً، تسمح مثلاً بمعرفة تفاصيل من قبيل نوع ولون قطعة من الملابس يرتديها المراقَب، وما نوع الأشياء التي يحملها. على سبيل المثال، في 4 فبراير 2009 أوضح مشغِّل طائرة إسرائيلية بدون طيار قائلاً: "لقد تمكنّا من التعرّف على إرهابي بدا كأنه جندي إسرائيلي. لدينا كاميرا مكنتنا من رؤيته بشكل واضح جداً؛ كان يرتدي سترة خضراء مبرقشة وكان يتجول حاملاً راديو ضخم بدا تماماً كراديو للجيش الإسرائيلي. رأينا بوضوح أنه لم يكن يرتدي خوذة عسكرية، وكان يتسلل منخفضاً حاملاً سلاحاً وملتصقاً بالحائط، ويرتدي سروالاً أسود. كان واضحاً جداً أنه لم يكن جندياً"(29). وبحسب الجيش الإسرائيلي، "يمكن للطيارين إعادة توجيه الصواريخ المنطلقة فعلاً في طريقها إلى أهدافها لتجنب إصابة المدنيين"(30). والأسئلة التي تطرح نفسها في الحالات المفصّلة في هذا التقرير وكثير غيرها هي: لماذا هناك العديد جداً من الأطفال وغيرهم من الأشخاص. (إسرائيل/غزة: عملية 'الرصاص المسكوب': 22 يوماً من الموت والدمار. الوثيقة:MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
16
-واضح تماماً أنهم من- المدنيين الذين استهدفوا في المقام الأول؟ ولماذا لم يعاد توجيه هذه الصواريخ عندما أصبح من الواضح أنها كانت على وشك أن تضرب الأطفال وغيرهم من المدنيين؟(31) . العديد من الذين قتلوا في الغارات الجوية كانوا أطفالاً يلعبون قرب بيوتهم أو على أسطحها.
إسراء قصيّ الهبّاش (13 عاماً) وابنة عمها شذا عابد الهبّاش (10 أعوام)، لقيتا مصرعهما في هجوم صاروخي بينما كانتا تلعبان على سطح منزلهما في حي التفاح من مدينة غزة في 4 يناير 2009 في حوالي الساعة 3.30 عصراً. شقيقة شذا، جميلة الهبّاش (14 عاماً) فقدت كلتا ساقيها، في حين فقد ابن عمهما محمد (16 عاماً) ساقاً واحدة. محمود عمّار الهبّاش (15 سنة) وصف ما حدث: "كنا نلعب على السطح كالمعتاد ونطعم الحمام. سمعت صديقاً لي يناديني من الشارع فتوجهت إلى الحافة لرؤيته، ولحق بي أخي وبنات عمومتي حيث وقفنا هناك ندردش مع ابن الجيران. فجأة نظرت باتجاه جبل الريّس ورأيت وميضاً، فصرخت 'صاروخ! صاروخ!' هربت وشعرت كما لو كنت أطير في الهواء ومن ثم سقطت، وشعرت كما لو كان الهواء قد شُفِط من حولي، ثم امتلأ بالغبار والدخان فلم أتمكن من رؤية أي شيء. لقد سارعت في النزول للطابق السفلي، وسمعت أختي تصرخ في الغرفة، كانت تحاول سحب أخي محمد الذي سقط من على السطح وبقي معلّقاً على النافذة، ساعدتها على إدخاله. إصابته كانت رهيبة وقد بترت ساقه".
لقد تحدّث والد شذا وجميلة لمنظمة العفو الدولية: "عندما سمعت صوت انفجار عرفت أنه على السطح، فذهبت بسرعة إلى منزل أخي. سمعت صراخاً وجلبة، ووجدت ابن أخي محمود وشقيقته يحاولان سحب محمد الذي سقط عن السطح، سألت عن الأطفال الآخرين فقالا أنهم كانوا أيضا على السطح، هرعت صاعداً إلى هناك فوجدت ابنتي وابنة أخي وقد تناثرت جثتيهما في قطع في المكان، بينما بقية الأطفال جرحوا وبترت أطرافهم. طلبنا سيارة إسعاف ونًقلوا إلى المستشفى: جثتيّ ابنتي وابنة أخي، وابنتي جميلة التي فقدت كلتا ساقيها، ومحمد الذي فقد إحدى ساقيه، وهما -جميلة ومحمد- الآن في مستشفى في المملكة العربية السعودية. ما الخطأ الذي ارتكبه الأطفال؟ لماذا يستهدفون الفرح والبراءة؟".
ثلاثة أطفال من عائلة الأسطل؛ عبد ربه ثمان سنوات، وشقيقه محمد 11 سنة، وابن عمهما عبد الستار أيضاً 11 سنة، قتلوا بصاروخ أطلقته طائرة بدون طيار في 2 يناير 2009 تمام الساعة 2:00 من بعد الظهر في القرارة، شمال شرقي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة. كان الأطفال يجمعون قصب السكر ويلعبون على بعد بضع مئات من الأمتار من منازلهم. تحدّث سكان الشارع من المنازل المجاورة حيث لقي الأطفال الثلاثة مصرعهم لمنظمة العفو الدولية أن المنطقة كانت هادئة باستثناء طائرة بدون طيار كانت تحلّق فوق رؤوسهم: "هناك طائرات بدون طيار تحلّق في الجو طوال الوقت لذلك لا نعيرها اهتماماً. ثم فجأة أطلقت صاروخاً أصاب الأطفال، أسرعنا نحوهم، لقد كانوا قطعاً محترقة بشكل فظيع... أنا لن أنسى أبداً ذلك المشهد".
تقع البقعة حيث لقي الأطفال مصرعهم على زاوية التقاء طريق ترابي مع الطريق الرئيسي، بقرب أحد الحقول لكن بعيداً عن الغطاء النباتي الكثيف، وبالتالي فقد كان واضحاً من الجو أن الثلاثة هم من الأطفال. تمكن مندوبو منظمة العفو الدولية من ملاحظة أربعة ثقوب مربعة في عامود الكهرباء حيث قصف الأطفال أحدثتها شظايا على شكل مكعبات صغيرة جداً تناثرت عند انفجار الصاروخ، وثقب صغير عميق قطره نحو 10 سنتمترات كان واضحاً في الرمال. بعد حفر حوالي ثلاثة أمتار، تمكن مندوبو منظمة العفو الدولية من انتشال أجزاء من لوحة الدوائر الإلكترونية الخاصة بالصاروخ، والأسلاك الكهربائية وغيرها من الأجزاء الإلكترونية، فضلاً عن شظايا غلاف ذلك الصاروخ. (إسرائيل/غزة: عملية 'الرصاص المسكوب': 22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة:MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
17
لمى طلال حمدان خمسة أعوام، وأختها هيا 12 عاماً، وشقيقها إسماعيل ثمانية أعوام، قتلوا بالقرب من منزلهم في 30 كانون الأول 2008. في حوالي الساعة 8:00 صباحاً، بعد وجبة الإفطار، بعثت والدتهم الأطفال كما هو معتاد ليلقوا أكياس القمامة في مكب للنفايات على بعد حوالي 200 مترٍ من منزلهم في بيت حانون شمال قطاع غزة، بعد لحظات سمعت العائلة صوت انفجاريين ضخمين من النوع الذي تحدثه عمليات قصف بطائرات من طراز إف 16، النصف دقيقة التالية أصابت كامل الحيّ بصدمة. قال والد الأطفال لمنظمة العفو الدولية: "لم نكن ندرك أن أطفالنا مستهدفون وأنهم سيقصفون عندما بعثنا بهم إلى هناك. وجدنا الجثث مدفونة تحت الغبار المنبعث جراء انفجار قنبلة على تلك الأرض الخالية. توفيت الفتاتان مباشرة، وتوفي إسماعيل في اليوم التالي في المستشفى. أنا لا أعرف أي خطأ ارتكبه أطفالي؛ لم يكونوا يحملون الصواريخ ، لقد كانوا مجرد أطفال".
وجد مندوبو منظمة العفو الدولية في الموقع -حيث قتل الأطفال- بالقرب من مكب النفايات حفرة، وحفرة ثانية على بعد حوالي 40 متراً ضربت أنابيب المياه وشبكة الصرف الصحي، مما تسبب في اختلاط مياه الشرب بالمياه العادمة وترك السكان دون مياه نظيفة. من المحتمل أن نشطاء فلسطينيون قد أطلقوا صواريخ أو حفروا أنفاقاً في المنطقة بالقرب من المكان الذي لقي فيه الأطفال مصرعهم في وقت سابق. ومع ذلك، ولقرب الموقع من إسرائيل فإن المنطقة مراقبة عن كثب من قبل الجيش، مما يجعله على دراية بحركة النشطاء إن كانوا يطلقون صواريخ أو يحفرون الأنفاق، كما أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار تحلق فوق المنطقة باستمرار. كان الأطفال في منطقة مفتوحة في وضح النهار عندما تعرّضوا للهجوم، وكان واضحاً لمن يبقي تلك المنطقة تحت المراقبة أن الثلاثة هم من الأطفال. إذا كان القصف قد اعتمد على المعلومات التي قدمتها طائرات الاستطلاع بدون طيار ولسبب من الأسباب كانت الرؤية ضعيفة جداً للتمييز بين النشطاء والأطفال، فما كان ينبغي للضربة أن تنفّذ، وإذا لم يكن الموقع تحت المراقبة ساعة الضربة، فإن الهجوم يعتبر عشوائياً.
عائلات استهدفت بينما كانت في أفنية منازلهم
عزّ الدين وحيد موسى، وزوجته سميرة، وابنتهما نور (14 عاماً) وأبناؤهم الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين 23 عاماً و28 عاماً، لقوا مصرعهم مساء يوم 14 يناير 2009 في قصف صاروخي أطلقته طائرة بدون طيار بينما كانوا جالسين في فناء صغير لمنزلهم في منطقة ذات كثافة سكنية عالية في حي صبرا في مدينة غزة. طفل خامس [م] كان جالساً في الفناء معهم، وسبعة آخرون من أفراد الأسرة (أخ، وثلاث أخوات، وزوجة وطفلين صغيرين لأحد الإخوة) كانوا في الغرفة المجاورة للفناء في ذلك الوقت، وقعوا جميعهم جرحى.
فتحيّة، إحدى بنات عزّ الدين من بين من جرحوا، وصفت ما حدث لمنظمة العفو الدولية: "لقد كانت الساعة 8:30 من مساء يوم 14 كانون الثاني؛ المنطقة هادئة باستثناء طبعاً الهدير المستمر لطائرات إف 16 والأباتشي والطائرات بدون طيار. الكهرباء مقطوعة، كان أفراد الأسرة إما في فناء المنزل أو يستمعون للأخبار: المفاوضات الجارية في مصر، وعدد الشهداء... إلخ، عندما ضربنا الصاروخ. أربعة لقوا حتفهم في وقت واحد، وانتثرت جثة شقيقي قطعاً في أرجاء المكان. نريد أن نفهم شيئاً: لماذا ضربوا منزلنا؟ هو في منطقة سكنية!. نحن لا من حماس ولا من فتح، نحن جميعاً من المدنيين، لم يفعل أي منّا شيئاً. كان والدي يعارض إطلاق الصواريخ ضد الإسرائيليين، كان يريد السلام، فقتلوه. ليس لنا علاقة بما تفعله المقاومة. نحن لا نفهم حتى الآن، نحن لا نفهم لماذا؟ نريد السلام ، لكن نريد تحقيقاً أيضاً؛ نريد أن نعرف لماذا أصبحتُ أنا وأخواتي من الأيتام؟ لماذا يقتلون والدينا؟ وعائلتنا؟ أي حياة سنحياها الآن؟ من سيهتم بنا؟". (إسرائيل/غزة: عملية 'الرصاص المسكوب': 22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة: MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
18
في صباح اليوم التالي، يوم 15 كانون الثاني 2009 عند الساعة 9:00 صباحاً، خمسة أفراد من عائلة الرّميلات؛ ثلاثة أطفال وأمهم وجدتهم، قتلوا بصاروخ أطلقته عليهم طائرة بدون طيار بينما كانوا يجلسون خارج منزلهم في قرية البدو على مشارف بيت لاهيا شمال قطاع غزة. الضحايا هم أمل الرّميلات 29 عاماً، حماتها 60 عاماً، وأطفالها الثلاثة: صابرين 14 عاماً، براء 13 شهراً، وأريج عمرها شهران ونصف. والد الأطفال، حسن عطا الحصين الرّميلات، تحدث عما جرى لمنظمة العفو الدولية:
(إسرائيل/غزة: عملية 'الرصاص المسكوب': 22 يوماً من الموت والدمار، الوثيقة:MDE 15/015/2009 منظمة العفو الدولية يوليو 2009)
19
"كنا نقيم مع أقاربنا في منطقة الشيخ زايد السكنية المقابلة منزلنا، وذلك لأننا كنا نعتقد أن البنايات السكنية هناك كبيرة ومتينة وأكثر أماناً من منزلنا. [بناء المنزل ضعيف ويقع في وسط بستان]. في صباح يوم 15 كانون الثاني ذهبت إلى المنزل لأحضر حليباً للطفلة، فتبعتني والدتي وزوجتي والأطفال، وفي حين دخلت للمنزل جلسوا جميعاً في البستان خارجه. سمعت الانفجار، خرجت من المنزل لأجد نفسي أمام مشهد المذبحة: قتلوا جميعاً على الفور، وتناثرت جثثهم في كل مكان. لقد فقدت الأسرة بأكملها؛ جميع أولادي، زوجتي وأمي، لم يتبقَ لي أحد". في مكان الضربة، وجد مندوبو منظمة العفو الدولية الثقوب المميزة لمكعبات صغيرة على شكل شظايا معدنية لصواريخ تطلقها عادة طائرات بدون طيار.
لقد تعرّضت المنطقة القريبة من منزل العائلة للاستهداف مرتين في الأسابيع السابقة؛ في مرة ألقيت قذيفة إنارة في البستان، وفي الأخرى قصفت طائرة من طراز إف 16 منطقة قريبة فارغة محدثة حفرتين كبيرتين حيث فيما يبدو أن نفقاً كان في مرحلة الإعداد. نظراً لطبيعة الموقع -وهي منطقة شبه ريفية- فمن الممكن أن المسلحين الفلسطينيين سبق وأن أطلقوا صواريخ بالقرب منه، بالرغم من أن المراقبة الإسرائيلية عادة ما تكون أكثر كثافة في تلك المنطقة الحدودية من أي مكان آخر. لقد أخبر والد الأطفال، عطا الرّميلات، منظمة العفو الدولية أنه لا يعلم عن إطلاق أي صواريخ من قرب المنزل في أي وقت في الماضي عندما كان يسكنه، ولا يعرف ما إذا كان قد حدث ذلك عندما كان في العمل، ومع ذلك فقد شدد على أنه في صباح اليوم الذي قتلت فيه عائلته لم يكن أحد موجوداً في أي مكان بالقرب من البستان بخلافه وأسرته، ووقع الهجوم في وضح النهار وفي منطقة مفتوحة لا تمنع الرؤية فيها من الهواء أي نباتات. وبالتالي ، كان من الواضح لأولئك الذين شنّوا الهجوم أن الأهداف هم نساء وأطفال.
الهوامش
(29) موقع الجنود الإسرائيلين Shavuz على شبكة الإنترنت، باللغة العبرية: http://www.shavuz.co.il/magazine/article.asp?artid=3365&secid=2027
(30) http://idfspokesperson.com/2009/01/14/idf-vlog-israeli-airstrikes-aborted-to-protect-civilians
(31) الصواريخ التي تحملها الطائرات بدون طيار أصغر حجماً وأخف وزناً من الصواريخ التي تطلقها طائرات الهليكوبتر. هذه الصواريخ صغيرة ولكنها قاتلة في كثير من الأحيان؛ تنفجر مطلقة أعداداً كبيرة من مكعبات معدنية صغيرة حادة الحواف حجمها يتراوح ما بين 2-4 ملم²، الغرض من هذه الشظايا المصممة مسبقاً على هذا النحو أن تختراق الجدران الخرسانية والمعدنية السميكة بسهولة. في بعض النواحي تبدو نسخة أكثر تطوراً وتعقيداً من الكرات الصغيرة أو المسامير والبراغي التي كانت تحشو بها الجماعات المسلحة -في كثير من الأحيان- الصواريخ البدائية والأزمة الناسفة في التفجيرات الانتحارية. تتميز هذه الصواريخ الجديدة نسبياً، بالإضافة إلى المكعبات المعدنية الصغيرة القاتلة، بإحداثها ثقب صغير وعميق في الأرض (قطره حوالي 10 سنتمترات أو أقل، ويصل إلى عدة أمتار في العمق)، وتركها لكمية قليلة جداً ورقيقة من شظايا غلاف الصاروخ.
ترجمة الأستاذة لميس طه
ويتبع >>>>>: القصف بالدبابات- استهداف1.1.3
اقرأ أيضاً:
شبهات حول قضية غزة والرد عليها/ طريق يشوع: من غزة إلى بيروت / إعادة إعمار غزة.. سيناريوهات متوقعة!