طفلة فلسطينية تأخذ قسطاً من الراحة أثناء محاولتها الحصول على الماء في قطاع غزة © إياد البابا( اليونيسف- الأراضي الفلسطينية المحتلة).
صورة الغلاف لتقرير منظمة العفو الدولية "الماء العكر- الفلسطينيون يحرمون من الوصول للمياه، الأراضي الفلسطينية المحتلة"
القذائف المسمارية1.3.3
أزمة المياه في غزة*
"إن تدهور مرافق المياه والصرف الصحي وانهيارها في قطاع غزة يكثف حالة شديدة من إنكار كرامة الإنسان طال أمدها. يقبع انخفاض حاد في مستويات المعيشة لسكان قطاع غزة في قلب هذه الأزمة؛ تآكل سبل العيش، وتدمير وتدهور البنية التحتية الأساسية، وتراجع ملحوظ في أداء ونوعية الخدمات الحيوية في مجالات الصحة والمياه والصرف الصحي".
- ماكسويل جايلارد منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، 3 أيلول/ سبتمبر 2009.(62)
إن الوضع المائي في قطاع غزة أليم، فطبقة المياه الجوفية الساحلية، وهي المورد الوحيد للمياه العذبة في غزة، باتت ملوثة بسبب تسرب مياه الصرف الصحي من الحفر الامتصاصية وبرك تجميع المياه العادمة، ونتيجة لتسرب مياه البحر -وهي نفسها ملوثة بسبب تصريف مياه المجاري غير المعالجة يومياً في البحر بالقرب من الساحل- كما أن نوعيتها تدهورت بسبب الإفراط في الاستغلال.
متوسط كمية المياه المتاحة للفرد من سكان قطاع غزة يتجاوز قليلاً متوسط المتاح منها للفرد في الضفة الغربية، فيبلغ حوالي 80-100 لتر للفرد الواحد يومياً(63)، بيد أن أكثر من 90% من المياه المستخرجة من طبقة المياه الجوفية في القطاع ملوثة وغير صالحة للاستهلاك البشري(64)، مما تسبب في شيوع الأمراض المرتبطة بتلوث المياه. نبهت الدائرة الصحية في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) في "النشرة الوبائية لقطاع غزة"، العدد الصادر في شباط/ فبراير 2009 إلى ما يلي: "إن الإسهال المائي الحاد، وكذلك الإسهال الدموي يعتبران السببان الرئيسيان- من بين كل الأمراض المعدية الأخرى- لانتشار الأمراض المبلّغ عنها بين اللاجئين في قطاع غزة"(65).
وفقاً لتقرير التقييم البيئي في قطاع غزة الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP في أيلول/ سبتمبر 2009، والذي رصد الوضع البيئي في القطاع في أعقاب تصعيد الأعمال القتالية في الفترة ما بين كانون الأول/ ديسمبر 2008 إلى كانون الثاني/ يناير 2009 فإن: "تلوث المياه الجوفية يتمثل في نوعين رئيسيين من التلوثات في قطاع غزة:
الأول والأكثر أهمية، ارتفاع مستويات النترات في المياه الجوفية. في معظم مناطق قطاع غزة، وخاصة حول المناطق التي تعاني تسرباً كبيراً في مياه الصرف الصحي، يرتفع تركيز النترات في المياه الجوفية إلى مستوى أعلى بكثير من التركيز المقبول الذي حددته منظمة الصحة العالمية عند 50 ملغم/ لتر.
الثاني، إن ملوحة المياه المستخرجة الآن عالية، مما يجعل محتوى مياه الصرف الصحي من الأملاح عالٍ أيضاً، وتالياً فإن تسرب مياه الصرف الصحي تضيف إلى المياه الجوفية المزيد من الملوحة.
من المعروف أن ارتفاع مستويات النترات في مياه الشرب يمكن أن تحدث حالة مرضية لدى الأطفال الصغار تدعى "فقر الدم الميثيموغلوبيني"، وهي حالة معروفة طبياً وموثقة جيداً منذ عقود"(66).
الأطفال الرضع الزُّرق في قطاع غزة
"فقر الدم الميثيموغلوبيني هو اضطراب مرضي يتسم بمستويات أعلى من المعتاد من الميثيموغلوبين، وهو شكل من أشكال الهيموغلوبين لا يرتبط بالأوكسجين. عندما يتأكسد الهيموغلوبين يصبح ميثيموغلوبين، ويتعرض لتغييرات في هيكله الكيميائي تجعله غير قادر على الارتباط بالأكسجين ونقله إلى الأنسجة، فيكون فقر الدم هو النتيجة.
الأطفال الرضع الذين يعانون من هذه الحالة يبدون كالأصحاء، إلا أن إزرقاقاً حول الفم واليدين والقدمين يظهر بصورة متقطعة، وقد يعانون من نوبات صعوبة في التنفس والإسهال والقيء. في بعض الحالات، يميل اللون إلى درجة مميزة من البنفسجي يشبه لون الخزامى، وتكون حدة المرض أقل. تبدو عينات الدم لهؤلاء الأطفال بلون الشوكولاتة البني ولا تتحول عند تعرضها للهواء إلى الوردي. ويلاحظ عند مستويات مرتفعة من الميثيموغلوبين أن الطفل يعاني فتوراً وبلادة، وزيادة في إفراز اللعاب وفقدان للوعي، وتصحب الحالات الشديدة التي يبلغ فيها تركيزه ارتفاعاً حادّاً تشنجات قد تودي للموت.
إن النترات كملوث يتميز بأن لا لون ولا طعم ولا رائحة له، وهو ما يجعله خطير ومقلق، فحقيقة أن ليس هناك من تحذيرات تنبه السكان لوجوده بتلك التراكيز العالية، يعني أنهم سيستمرون في استهلاك مياه الشرب الملوثة به.
مراقبة المياه الجوفية في قطاع غزة تشير إلى وجود النترات فيها منذ بدايات التسعينات، وتبين أن ارتفاع تركيز النترات يأتي في المقام الأول بسبب تسرب مياه الصرف الصحي من خزانات الصرف الصحي المنزلية، وكذلك مياه الصرف الزراعي إلى المياه الجوفية، وهي مستمرة في الارتفاع في قطاع غزة وتشكل حالياً خطراً على الصحة في جميع أنحاء القطاع. في التسعينات، بدأت تكشف البيانات عن حالات الأطفال الزرق هناك، والوضع الحالي لفقر الدم المثيموغلوبيني غير معروف تماماً، بسبب غياب دراسات منهجية على المستوى العام. لكن، وكما ذكر سابقاً، فإن مستويات النترات في المياه الجوفية قد زادت وباتت تهدد مناطق أوسع في القطاع، وبالتالي، من المتوقع أن المشكلة ما زالت قائمة في قطاع غزة، وفي غياب الوعي على نطاق واسع، فإن عدداً كبيراً من الأطفال معرضون للخطر"(67)
الهوامش
* "الماء العكر- الفلسطينيون يحرمون من الوصول للمياه، الأراضي الفلسطينية المحتلة"، منظمة العفو الدولية، الصفحة 25-26 .
(62)http://www.ochaopt.org/documents/hc_aida_statement_gaza_watsan_20090803_english.pdf
(63) برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP( أيلول/سبتمبر 2009) يذكر هذا الرقم 80 لتراً/ الفرد الواحد:
http://postconflict.unep.ch/publications/UNEP_Gaza_EA.pdf.
البنك الدولي( آذار/ مارس 2009) ويذكر رقماً آخر هو 152 لتراً/ الفرد الواحد، لكن ثلث تلك الكمية يعتبر فاقداً، ما يترك ما يقرب من 100 لتر/ الفرد الواحد:
http://siteresources.worldbank.org/INTWESTBANKGAZA/Resources/WaterRestrictionsReport18Apr2009.pdf
(64) في دراسات أجريت حديثاً، وجد أن 90% من عينات المياه تحتوي تركيزات نترات بضعفين إلى ثمانية أضعاف الحد الذي الذي حددته منظمة الصحة العالمية. انظر :
http://www.sciencedaily.com/releases/2008/08/080814091214.htm
انظر أيضاً: http://www.rsc.org/chemistryworld/News/2008/August/21080803.asp
(65) http://www.who.int/hac/crises/international/wbgs/gaza_unrwa_epi_15feb2009.pdf
(66) برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP( أيلول/سبتمبر 2009):
http://postconflict.unep.ch/publications/UNEP_Gaza_EA.pdf
(67) برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP( أيلول/سبتمبر 2009):
http://postconflict.unep.ch/publications/UNEP_Gaza_EA.pdf
ويتبع >>>>>: مهاجمة العاملين في المجال الطبي وعرقلة جهودهم 1.4
ترجمة الأستاذة لميس طه
اقرأ أيضاً:
التقرير العربي النفسي الأول عن غزة/ غزة من الداخل والخارج/ الإعلام والحرب على غزة/ هنا غزة... من يحتاج من؟/ شبهات حول قضية غزة والرد عليها/ عفواً غزة أنا لست متضامنة معك!!